يفهم البعض أو هكذا يروّج بأن الإصرار على ضرورة عودة الشرعية إلى العاصمة صنعاء بأنها من باب الولاء لشخص الرئيس عبد ربه منصور هادي أو حباً في رئيس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر، أو حرصا على عودة الحزب الفلاني أو الشيخ العلاني. هذا فهم قاصر ناتج عن الثقافة التقليدية السابقة التي كرسها النظام السابق نحو تقديس الفرد وتسخير كافة المقدرات ومستقبل الشعب من أجله.
كل ما في الأمر أننا نجد في قيمة "الشرعية" الحل أياً كان الشخص الممثل لها، ونلتف حوله ونعمل على دعمه. والحل للمعضلة اليمنية من وجهة نظر كثير من اليمنيين وغير اليمنيين يتلخص في عودة الشرعية إلى العاصمة صنعاء ودعمها لتطبيق مخرجات الحوار الوطني الشامل المجمع عليها وطنياً والتي جاءت لمعالجة كم هائل من المشكلات اليمنية. وعندما نتحدث عن الشرعية، فنحن هنا نقصد شرعية الدولة وشرعية الاختيار الشعبي، لا شرعية الأشخاص كما هو حال من خاضوا حروبا طويلة ودمروا مكتسبات الجمهورية اليمنية من أجل الحفاظ على سلطة شخص وأقارب علي عبدالله صالح وإمامة عبدالملك الحوثي وآل بيته دون أن يكون لهم صفة شرعية، فليسو منتخبين من الشعب، ولا يملكون الحق في التحكم بمصائر اليمنيين.
نعتقد بأن شرعية الدولة هي بوصلة الحل دون سواها، لأن شرعية سلطة الأمر الواقع الطائفية التي جرب اليمنيون مرَّها، لن تستطيع الحفاظ على كافة الأراضي اليمنية مهما كانت قوتها وامكانياتها، فبقاء سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء يعني بأن بقية الأطراف ستُدفع لإعلان الانفصال عنها، فمن غير المقبول أن تبقى هذه المناطق تابعة لسلطة طائفية تحكم في العاصمة وهي التي أكد ممثلوها، الذين اختارتهم كافة الأحزاب والمكونات اليمنية بمن فيهم الحوثيين، خلال مؤتمر الحوار الوطني بضرورة التحرر من قيود المركزية والتهميش.
أصبح سكان أغلب المحافظات يؤمنون بالاقاليم وأهميتها وضرورتها لحل كثير من الاشكاليات الناتجة عن الحكم المركزي المطلق، ومن الصعب اليوم أن تقنع سكان إقليم سبأ (مأرب، الجوف، البيضاء) على سبيل المثال بالتخلي عن فكرة الأقاليم حتى لو عادت شرعية الرئيس هادي إلى صنعاء، فما بالنا إن بقت سلطة الأمر الواقع الطائفية هي المسيطرة على العاصمة؟!
أكدت لي بعض القيادات العسكرية والسياسية الحضرمية نيتها بإعلان الانفصال وتكوين دولة مستقلة إذا فشلت الحكومة الشرعية في السيطرة على العاصمة اليمنية، فلا يمكن لها أن تبقى تابعة لنظام يقوده طائفيون لا يخفون تبعيتهم لولاية الفقيه الإيرانية ويرفضون التعايش مع من يختلفون معهم في المذهب. القناعة ذاتها موجودة لدى أبناء إقليم الجند (تعز، إب) وإقليم تهامة (الحديدة والمحويت وريمة وحجة) خاصةً بعد أن أظهرت لهم المليشيا حقيقة مشروعها ونواياها بالسلاح، وإن كانت امكانياتهم في مواجهة سلطة الأمر الواقع والتمرد عليها ضعيفة، لكنها قناعات تتشكل وتزداد رسوخا يوما بعد يوم. فمن غير المقبول بقاء عاصمة اليمن تحت هيمنة جماعة سلالية طائفية تصف كل من يخالفها في المذهب بالدواعش والارهابيين وتعمل على تصفيتهم وملاحقتهم ونهب ممتلكاتهم.
ومما يؤكد بأن عودة الشرعية اليمنية إلى صنعاء هو الحل الأمثل والأقدر على معالجة جزء كبير من المشكلات اليمنية، ان فرص بقاء حزب المؤتمر الشعبي العام الموالي للرئيس السابق علي عبدالله صالح والمتحالف مع جماعة الحوثي أكثر إذا استعادت الشرعية مكانها في العاصمة، تماما كبقية الأحزاب السياسية. وهذه الفرص تتضاءل وربما تتلاشى في ظل حكم الامامة الرجعية التي لا تؤمن إلا بسلطة الإمام الأوحد ومن بعده سلالته.
ومن هذا المنطلق، لا يمكن لشرعنة الانقلاب الطائفي أن يكون حلا للمشكلة اليمنية، فذلك يعني تقسيم اليمن على أساس طائفي. في المقابل، تمثل عودة الشرعية إلى صنعاء وتسليم السلاح وعودة مؤسسات الدولة الضامن الحقيقي والوحيد للحفاظ على ما تبقى من الوحدة اليمنية وتماسك النسيج المجتمعي اليمني والحفاظ على التعددية.
بكل تأكيد، لن يتعايش اليمنيون مع سلطة الانقلاب الطائفية، مهما حاولوا فرضها عن طريق اتخاذ اجراءات احادية لشرعنة انقلابهم، وإن تمت تحت غطاء وتأييد من بعض الحكومات والدول سواء الاقليمية أو الدولية. لكنها لن تساعد في استقرار اليمن والحفاظ على وحدته، بل ستزيد من تعقيداته وتعمق من جراحه.