الأردن ومؤتمر القمة العربية القادم
الثلاثاء, 07 فبراير, 2017 - 11:07 صباحاً

تمر الأمة العربية بأسوأ مراحلها التاريخية، تجري عمليات تفكيك لمكوناتها القطرية، تشتيت للجهود في مجال التنمية المستدامة، والنهوض بالتعليم والصحة العامة ورفاهة الإنسان، تشتيت للجهود الأمنية محاربة الإرهاب والمخدرات والفساد، في ظل تلك الظروف انخرطت الأنظمة العربية في معراج التبعية والانصياع للغير لتحقيق مصالح الدول الأخرى طمعا في رضاها.
 
الأمة العربية في مواجهات عسكرية في اليمن والعراق وسورية وليبيا، مع أنفسنا كعرب، ، ومع قوى أجنبية باغية علينا وعلى أراضينا العربية، نحن في شقاق عربي عربي، السودان ومصر على حلايب، السعودية ومصر في تيران وصنافير، الجزائر والمغرب حول الصحراء ( البوليساريو ) وخلافات كامنة تحت رمال الخليج العربي لا نعرف متى تستدعى.
 
(2)
 
لعل البعض من القراء كان يتوقع أن أكتب عن الأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس الأمريكي رونالد ترامب، المتعلقة بمنع دخول الولايات المتحدة الأمريكية على مواطني سبع دول مسلمة وأكثر تلك الدول عربية، وتصدى لها القضاء الأمريكي وأبطلوا مفعول تلك الأوامر الرئاسية، صحيح أن تلك الظاهرة شغلت وسائل الإعلام وكذلك الشعوب والحكومات عبر العالم، إلا العالم العربي وحكوماته والسبب معروف.
 
ما أريد قوله في هذا الشأن، هل يمكن أن يتعلم القضاة في عالمنا العربي أن يكونوا مستقلين، وأن تكون أحكامهم لصالح الأمة، وهل يتعلم حكامنا الميامين من هذه التجربة الأمريكية وأن يقبلوا باستقلال القضاء في دولهم؟
 
(3)
 
كنت في زيارة قصيرة للمملكة الأردنية الهاشمية، قدر لي اللقاء مع نخبة من أهل الرأي والقلم، كما جمعتني الظروف بلقاء صفوة من الدبلوماسيين العرب المعتمدين في عمان، وكما هي العادة في كل اللقاءات حديثنا دائما عن هموم الأمة العربية وما يحاك ضدها، نختلف في بعض الآراء، ونتفق في آراء أخرى.
 
كان محور حواراتنا إلى جانب هموم أمتنا، يدور حول مؤتمر القمة العربي المتوقع انعقاده في شهر مارس القادم في العاصمة الأردنية عمان، وزيارة الملك عبدالله الثاني لواشنطن واللقاء بالرئيس الأمريكي، والحق أنني لم أكن متحمسا لتلك الزيارة في الوقت الذي يواجه الرئيس الأمريكي معركة دستورية وقانونية حول أوامره التنفيذية، والتي تحداها الدستوريون والمحامون ورفضوها، وأصدروا أحكاما ببطلانها، وكذلك الشعب الأمريكي وبقية الشعوب الأوربية التي خرجت في مسيرات شعبية احتجاجا على ما فعله الرئيس ترامب، الأمر الثاني أن عمّان تعد العدة لاستقبال القمة العربية وخشيتي أن يطلب من الملك أمر يتعلق بشأن القمة فلا يستطيع الاستجابة له وهذا قد يؤثر إلى حدما على العلاقات الأردنية الأمريكية.
 
(4)
 
في أحد اللقاءات الأخوية طرح رأي مؤداه، أن الأردن ستتحمل تكاليف مالية باهظة لاستضافة القمة، والأردن يمر بحالة اقتصادية ليست مريحة، وقال أحد المشاركين لعل بعض الدول أو مجموعة من الدول المقتدرة (.... ) تساهم في تحمل بعض التكاليف كما فعلوا مع دول عربية أخرى، قال أحدهم كيف ندعو الزعماء العرب لاجتماعهم في عمان، ونطلب منهم دفع تكاليفهم، نحن في الأردن لا نقبل بذلك، وسنتحمل كل تكاليف الضيافة.
 
تطرق رواد المجلس إلى الأزمة المالية التي تتعرض لها الأردن والمنح الخليجية، ومسألة اللاجئين السوريين والعراقيين ومن قبلهم اللبنانيون والنازحون من غزة، وتكلفة هذا اللجوء عالية وباهظة. قال أحدهم نضرب مثلا بالمياه، الأردن شحيحة المصادر المائية، وبالكاد تكفي المواطن الأردني، إذا كان الإنسان الأردني يحتاج لبيته ما يقارب عشرة لترات على الأقل من الماء في اليوم، فإن مجموع ما يستهلكه الشعب الأردني كله في اليوم الواحد 10 في 5 مليين أردني فإنه يحتاج إلى 50 مليون لتر ماء، فما بالك باللاجئين والعابرين والبالغ عددهم تقريبا 3 ملايين إنسان، ونفترض بأن الأسرة الضيفة على الأردن تحتاج إلى نفس القدر أعلاه فإن الأردن سوف يتحمل تكاليف 30 مليون لتر ماء. ولن أضرب مثلا آخر بالنسبة للكهرباء والبنزين والسلع الغذائية كل تلك التكاليف ستكون على حساب رفاهة المواطن الأردني.
 
يرد آخر بالقول لدينا عروض سياحية بالملايين من إيران والعراق ولبنان، لدينا مقابر/ مراقد، ممكن الاستفادة منها سياحيا، لكننا أبينا ذلك، ولكن يا إخواني الجوع كافر، قد نضطر إلى فتح هذا الباب وتأكدوا بأنه سيغنينا ويغطي حاجتنا، فلا تدفعونا إلى ذلك يا من حباهم الله بالوفرة المالية والنفطية.
 
تأكدوا أننا لا نريد منكم نقودا نريد بترولا وديزلا وغازا بأسعار خاصة، نريدكم أن تعاملونا كدولة أوْلى بالرعاية، ولكم سابقة خير مع مصر وتركيا، جربوها معنا يا أهلنا المقتدرين من الجزائر إلى الخليج العربي، لا تتركوا الحاجة ترغمنا على مالا تحبون ولا نحب نحن أيضا، نحن معكم في السراء والضراء في الحرب والسلم، وقد جربتمونا ولم نقصر.
 
(5)
 
قلت يا إخواني أهل الخليج في تقديري قدموا ويقدمون، ولست في حاجة إلى ذكر الدول التي أعانت الأردن في محنته الاقتصادية، ولكن نلمح أحيانا أنكم تشيحون بوجوهكم عنا في أزماتنا، ولا تشاركوننا أحزاننا وأفراحنا ولا مواقفنا، لكن الخليج أيضا يتعرض لهجمة شرسة أثرت على عملية التنمية وخفضت الشركات الكبرى عمالتها إلى حد كبير نظرا لانخفاض أسعار البترول.
 
ولكن فوق هذا كله يجب أن أقول: "إن الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه" وعلينا من الخليج إلى الجزائر تفهم حال الأردن ومد يد العون لأشقائنا، هم يتحملون الكثير عنا في شأن اللاجئين والنازحين والعابرين وحماية الحدود. لست شيخا من شيوخ تفسير القرآن الكريم، ولكني أقول لأهلنا في الأردن إن قدركم كما قال القرآن الكريم "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وسيرا " (الإنسان، الآية 9 ) وآية أخرى تقول: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة "( الحشر، الآية 9 ) وأخيرا الآية التي نصها " وفي أموالهم حق للسائل والمحروم "(الذاريات، الآية 19 ) والآية الأخيرة تنطبق على أهلنا في الخليج والجزائر
 
آخر القول: يا قادتنا الميامين لا تتركوا الأردن ينفرط من العقد العربي. فقدنا العراق وسوريا، فلا نضيع من أيدينا الأردن ونحن القادرون.
 

التعليقات