في تغريدة له على تويتر مساء أمس الأربعاء، شكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب السعودية على تراجع أسعار النفط في الآونة الأخيرة، بل وحثّ على مزيد من الهبوط، مشبهاً الأمر "بخفض ضريبي كبير" قد يدعم الاقتصاد الأميركي، قبل أن يصرّح مجدداً اليوم الخميس قائلاً: "نريد أسعاراً منخفضة، والسعودية قامت فعلاً بدور جيّد في هذا الصدد".
من حق ترامب إذاً تقديم الشكر العميق للسعودية على مواقفها الاقتصادية الداعمة له وبلا حدود، وعلى المساندة المالية له في كل الأوقات التي يحددها هو، لا أن تحددها مصالح المملكة وأولوياتها في الاستفادة من مواردها لصالح المواطن والاقتصاد.
ومن حق ترامب أن يتفاخر لأنه بات صاحب وصانع القرار الأول في صناعة النفط السعودية وتحديد مستوى صادرات المملكة النفطية، فالرجل يطلب من السعودية زيادة إنتاجها النفطي حتى يحصد مزيداً من أصوات الناخبين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، فتسارع المملكة لتلبية الطلب على الفور.
وترامب يريد من السعودية خفض أسعار النفط حتى وإن ألحق ذلك خسائر وأضرارا مالية بإيراداتها العامة، فتسارع المملكة بزيادة إنتاجها النفطي في الأسواق الدولية حتى تزيد العرض في الأسواق، وبالتالي تتراجع الأسعار.
وترامب يهاجم منظمة أوبك مرات عدة، بل ويهدد بمقاضاتها قانونا بزعم الاحتكار، فلا تتحرك السعودية، أكبر دولة عضو في المنظمة، للدفاع عن أوبك.
وترامب يريد من الرياض سد النقص المتوقع في إنتاج النفط الإيراني عقب فرض العقوبات على طهران، فتسارع المملكة بالقيام بهذا الدور على أكمل وجه، بل وتضغط على دول خليجية ونفطية أخرى لزيادة إنتاجها حتى لا ترتفع الأسعار، وبالتالي تحقق المملكة رغبة ترامب في ألا يتضرر المواطن الأميركي من زيادة أسعار المحروقات وضريبة الكربون، أو يتضرر الاقتصاد الأميركي من تضخم مرتفع، حتى ولو جاء ذلك على حساب مصالح وموازنة السعودية.
السعودية قدمت مليارات الدولارات المجانية للمواطن والخزانة الأميركية خلال الفترة الماضية وذلك في صورة دعم غير مباشر، وهذا الدعم يضاف إلى دعم آخر مباشر ومعلن جرى ضخه عبر إبرام صفقات سلاح بقيمة 110 مليارات دولار، وضخ أموال واستثمارات في الاقتصاد الأميركي ومشروعاته الاستثمارية تتجاوز مئات المليارات من الدولارات، إضافة إلى ضخ 6.6 مليارات دولار في سندات الخزانة الأميركية خلال شهر واحد هو سبتمبر/ أيلول الماضي لتصل حيازة السعودية من أدوات الدين الأميركية إلى 176.1 مليار دولار.
السعودية كان يمكنها الاستفادة ماليا من أزمة أسعار النفط التي شهدتها الأسواق العالمية مؤخرا وقبل فرض العقوبات الأميركية على طهران، وكان بمقدورها حصد مليارات الدولارات الإضافية خلال الفترة الماضية، فالأسعار كانت مرشحة للارتفاع إلى 100 دولار للبرميل عقب فرض العقوبات الأميركية على القطاعين النفطي والمالي الإيراني وتعطل الإنتاج في عدة دول نفطية.
وكان يمكن لحكومة الرياض أن توجه هذه الأموال الاضافية الناتجة عن زيادة أسعار النفط لعلاج عجز الموازنة العامة، وإقامة مشروعات وخدمات تخفف العبء عن المواطن الفقير، وتحد من أزمات ارتفاع الأسعار والبطالة خاصة بين الشباب، لكنها فضلت دعم الخزانة الأميركية، فيبدو أنها الأحق بالدعم والمساندة.
السؤال: لماذا هذا الدعم السعودي السخي لترامب خاصة في مثل هذه الأيام، وهل هذا يبرر دفاع ترامب القوي وغير عن ولي العهد السعودي في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي رغم تأكيد وكالة المخابرات الأميركية CIA أن محمد بن سلمان هو من أمر بقتل الصحافي السعودي؟ وهل مليارات الدولارات التي حصدها الاقتصاد الأميركي خلال الفترة الأخيرة عبر خفض السعودية أسعار النفط هو ثمن مقابل إغلاق ملف خاشقجي؟
* عن العربي الجديد