ندما غاب العقل جنوبا.. دعوة للمراجعة
الثلاثاء, 27 أغسطس, 2019 - 09:36 صباحاً

العاقل يتعلم من أخطاء غيره، والسوي يتعلم من أخطاء نفسه، والأحمق هو الذي لا يتعلم من أخطاء نفسه ولا من أخطاء الآخرين.
 
الحوثي أخطأ في حق نفسه وفي حق اليمن مرتين:

الخطأ الأول: عندما دخل العاصمة صنعاء وانطلق إلى المحافظات الأخرى، وبدأ يفرض خياراته السياسية بقوة السلاح، وهنا تحول في نظر العالم من شريك وطني في السلم والشراكة إلى طرف انقلابي متمرد، قامت ضده التحالفات الدولية والاقليمية، فخسر بذلك قضية مظلوميته الأولى.
 
الخطأ الثاني: عندما زج بأبناء مناطق أقصى شمال الشمال وأرسلهم كالقطعان إلى أقصى جنوب الجنوب، وزج بهم في محارق خارج حاضنتهم الاجتماعية والقبلية، فصنع بذلك الفعل الطائش جراحا غائرة في جسد المجتمع، وتحول مشروعه -الذي زعم أنه وطني- إلى مشروع عصبوي مناطقي ضيق، فكانت تلك أحد الطعنات الموجعة التي وجهها الحوثي لنفسه بغباء قيادته.
 
وكما غاب العقل شمالا عند الحوثي، فقد غاب العقل عندنا هنا في الجنوب، فتكررت في الأسابيع الماضية نفس الأخطاء لكن هذه المرة بأيدي جنوبية للأسف، وكأننا لم نعش تلك التجربة الحوثية القريبة.
 
في عدن تم استهداف البسطاء من النازحين وأصحاب البسطات والعمال الشماليين بالتهجير والطرد، باسم الجنوب وتحت راية الجنوب. فماذا كانت النتيجة؟ أصبحت منظمات حقوق الإنسان العالمية تتحدث عن قضية عنصرية في جنوب اليمن وليس عن قضية وطنية سياسية عادلة!!
 
في عدن تم إسقاط مؤسسات الدولة الشرعية في العاشر من أغسطس 2019، لكن المنتصر وجد نفسه أمام خيارات صعبة؛ إما الوفاء بالوعد للناس وإعلان البيان رقم واحد من قصر معاشيق، وبالتالي مواجهة العالم حيث المعطيات كلها تشير إلى عدم حصول أي اعتراف بالدولة التي سيتم اعلانها، وإما التراجع عن مشروع الاستقلال والبقاء كحركة تمرد مسلح لا تمتلك أي مشروعية للمقاومة، وإما التحول عن مطلب التحرير إلى مطلب سياسي محصور في الشراكة في السلطة والحوار مثله مثل أي حزب سياسي داخل الشرعية!
 
من ريف عدن تم الزج بشباب أبرياء من مناطق نائية تقع في اقصى غرب الجنوب إلى محارق على بعد مئات الكيلومترات شرقا، هناك في شبوة حيث لا ناقة لهم ولا جمل، فصنعوا بذلك الفعل المتهور عداوت جديدة ونبشوا جراحا مناطقية قديمة لا ضرورة لها!
 
تلك الأخطاء وغيرها ما كان لها أن تحصل لولا أنه تم تغييب العقل السياسي من جهة وتم غياب العقلاء والحكماء والمرجعيات العلمية والاجتماعية عن دورهم في ترشيد الجيل وإعادة بوصلة المجتمع إلى وضعها السليم، ولا ننس الأخطاء داخل صف الشرعية والفساد والترهل في مؤسساتها التي مثلت ظرفا موضوعيا لكل ما سبق.
 
لقد أعادت معركة شبوة الميزان الوطني الى نصابه، وبقي علينا كقوى سياسية واجتماعية وطنية وجنوبية أن نستفيد من هذه اللحظة التاريخية لمراجعة الذات، وتصحيح الأخطاء، والاستفادة من التاريخ القريب، فمن لم تربه الأحداث لن تعلمه المواعظ.
 

التعليقات