أعرف لاجئا عربيا في دولة أوروبية استطاع خداع الحضارة الإنسانية.. تقرر الدولة التي يُقيم فيها هذا اللاجئ منحه بدل سكن بقيمة ألف يورو، وتترك له مهمة البحث عن سكن له، يبحث هذا اللاجئ عن سكن، لكن بستمائة يورو، يتفق اللاجئ مع صاحب المنزل بأن يكتب العقد بسعر ألف يورو، وفي نهاية كل شهر يتقاضى من صاحب المنزل أربعمائة يورو تدفعها الحكومة، لأن الإيجار مسجل كما في العقد الرسمي بألف يورو.
الأموال التي يتقاضاها كل لاجئ في أوروبا هي من مخصصات الضرائب التي تُفرض على المواطنين، بما فيها صاحب المنزل الذي قرر الشراكة في الالتفاف على القانون الحكومي مع اللاجئ العربي، الذي هرب من الاستبداد والحروب، حاملا قائمة طويلة أخرى من المخاوف.
لم يشعر هذا اللاجئ الخارج من الحرب أنه في مأزق.
قبل قرن أو أكثر كان عالم اجتماع فرنسي يكتب متحسرا عن أن هؤلاء المهاجرين أو اللاجئين لهم منافع متميزة، فلا هم مكلفون بأداء الخدمة العسكرية كأبناء البلد، ولا هم مكلفون بدفع الضرائب الشخصية، أو أن ما يدفعونه شيء بسيط جدا، مقارنة بالرجل الأوروبي نفسه أو ابن البلد.
نعم هم لا يدفعون الضرائب أيها العالم الكبير، وقد يساهم بعضهم في خداع الحكومة.
اليوم مشكلة المهاجرين باتت مؤرقة للعالم الأوروبي، ارتفعت أصوات الكثير للتحذير من الموجات المتدفقة للاجئين، يرون أنها تحمل تهديدا للقيم الغربية.
قبل أيام نشرت صحيفة صاندي تليغراف مقالا لرئيس هيئة الأركان السابق البريطاني نيك كارتر يقول فيه: إن تهديد القيم الأوروبية لم يقتصر على دول كروسيا والصين وإيران، بل امتد إلى تنظيمات تستخدم الإرهاب للانقضاض على أسلوب الحياة الغربي مثل (تنظيم الدولة الإسلامية) داعش، وهذا النوع من التهديد للقيم الغربية في عقر أوروبا يأتي من موجات ضخمة وغير مسبوقة من المهاجرين.
في مقال كارتر وردت صيغة القيم الغربية كصيغة يهددها الخطر وقابلة للتغير مع اختلاطها بقيم المهاجرين إلى هذه الدول.
يعتقد غوستاف لوبون وهو عالم فرنسي أن اختلاط أي أمة راقية بأمم أخرى غير راقية يؤدي مع الوقت إلى فساد الأمة الأرقى وانحلالها تدريجيا، في ذلك الوقت قبل قرن تقريبا كان يتنبأ بأن الأعداد المتزايدة للمهاجرين إلى أمريكا وفرنسا من دول أفريقيا والشرق سيكون له انعكاسات كبيرة على قيم أمريكا وفرنسا بمرور قرون عدة.
في نظر لوبون هذا التحول سيتم كما لو أنه عملية انصهار بطيئة بين مكونين غير متجانسين، سيتخلى الأول عن صفات له، وسيتخلى الآخر عن صفات له، ليظهر عنصر ثالث قد يأخذ من صفات الاثنين لكنه مستقل بذاته، ومع اتساع المدة ستظهر ملامح هذا العنصر واضحة وبخصائص مشتركة.
لهذه الأفكار هُوجم لوبون باعتباره عنصريا يؤمن بالتمايز بين الأمم والطبقات على أساس الرقي والتخلف وأصل الجنس.
هناك نماذج من اللاجئين اندمجوا بالمجتمع، انصهروا فيه ووصلوا إلى مراتب عالية، لكن أيضا ليست هذه الصورة الكاملة، الجالية اليمنية في أمريكا مثلا لا تحمل أي صفات الأمة الأمريكية إن صح التعبير، لا تشترك في أي خصائص باعتبارهم جزءا من هذه الحضارة.
من هؤلاء اليمنيين في أمريكا من حتى لا يذهب بابنته إلى التعليم، ماذا يفعل هؤلاء اليمنيون منذ عشرات السنين في أمريكا غير جمع المال من الفنادق والسوبر ماركات والمطاعم ومحطات النفط، وتزويج بناتهم ذوات الجنسيات الأمريكية بملايين الريالات من رجل آخر ينتظر فرصته في اللحاق بقائمة اليمنيين الأمريكيين.
لقد نقلوا قراهم ومنازلهم إلى أمريكا كما هي، وكأنهم نقلوا جزءا من اليمن كما هو إلى تلك البلاد، لم تؤثر فيهم الحضارة أو القيم الغربية إلا تأثيرا بسيطاً.
هذه حقائق صادمة، لكنني فضلت قولها، وطرحت جانبا كل ما يمكن أن أتعرض له من سخرية ونقد، وقررت الكتابة متخففا من كل فكرة قد تدفعني إلى التردد، أو التوقف عن قول هذه الأفكار.