عن المعارضة الإيرانية التي تهاجم النظام بخطابها وتخدمه بواقعها
السبت, 14 ديسمبر, 2019 - 11:09 مساءً

يمر النظام الإيراني خلال الفترة الراهنة بتحديات كبيرة يأتي في مقدمتها الحرب الاقتصادية التي تشنها واشنطن ضد إيران فالعقوبات الأمريكية قد مست الإقتصاد الإيراني بضر كبير وتسببت بتداعيات كارثية في الداخل الإيراني حيث اضطرت السلطات الإيرانية إلى رفع أسعار البنزين مما سبب بتظاهرات عارمة وأعمال عنف لم تنته تداعياتها بعد إضافة إلى ما تشهده العراق ولبنان من ثورات شعبية موجهة على وجه الخصوص ضد نفوذ إيران وحلفائها في هاتين الدولتين .
 
النظام الإيراني مثلما يمر بتحديات كبيرة ويعيش حالة من الضعف السياسي  والقلق والارتباك بسبب الحصار الإقتصادي والثورة الشعبية في العراق ولبنان لديه أوراق قوة أيضا ومن هذه الأوراق التي تشكل دعما كبيرا لهذا النظام وبشكل غير مباشر ورقة " المعارضة الإيرانية " التي تعيش في الخارج فهذه المعارضة تعاني من أزمات متراكمة بعضها فوق بعض مما جعلها تفقد عناصر قوتها وتأثيرها في الداخل الإيراني ولذا صارت تهاجم النظام الإيراني بخطابها الإعلامي وتخدمه بواقعها وهذه أبرز أسباب ضعف هذه المعارضة :
 
1ـ عدم وجود كيان موحد لهذه الفصائل والشخصيات الإيرانية المعارضة في الخارج فقد تعددت وتعارض خطابها وتناقض في كثير من الأحيان فهناك معارضة تطالب بإسقاط النظام ككل وأخرى حصرت نفسها بالمطالبة باستقلال إقليم الأحواز العربية وأخرى تطالب باستقلال كردستان إيران وانضمامه للكرد وأخرى تطالب بانفصال مناطق سيستان وبلوشستان القريبة من باكستان وهذه الأصوات التي تحركها النزعات القومية لا تلقي قبولا كبيرا في الشارع الإيراني رغم تعاطف البعض مع مطالبها الحقوقية المشروعية مثل تعليم اللغة واحترام الخصوصية القومية والمذهبية ومنع تهميشها وحرمانها من حقوقها .  
 
2ــ عدم امتلاك هذه المعارضة لخطة استراتيجية لتغيير النظام خطة مزمنة ولديها الآليات  التطبيقية العملية وعدم توافق هذه المعارضة على أهداف محددة وخطاب موحد ومقنع للشارع الإيراني وابتعاد خطابها عن مطالب وهموم الشارع الإيراني .
 
3ــ ارتهان المعارضة الإيرانية في الخارج للدعم الأمريكي والغربي أفقدها ثقة وتأييد الشارع الإيراني وجعلها في نظر الشعب الإيراني مجموعات من " العملاء " الذين لا يمتلكون قرارهم .
 
4ــ حاجة المعارضة الإيرانية للتمويل والرعاية السعودية جعل هذه المعارضة في نظر أبناء الشعب الإيراني مجرد اوراق بأيدي خصوم إيران في المنطقة وفي مقدمتهم السعودية فحضور شخصيات سعودية ومن الإدارة أمريكية في مؤتمرات هذه المعارضة جعلها تبدو برعاية الإدارة الأمريكية والقيادة السعودية مما أفقدها مصداقيتها لدى الشعب الإيراني  .
 
5ـ إذا كان ما يسمى بـ " المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية " والتي تتزعمه مريم رجوي هو أبرز حركات المعارضة الإيرانية في الخارج قد جاء من رحم حركة " مجاهدي خلق " فأبناء الشعب الإيراني لن ينسوا ما فعله مسلحو حركة مجاهدي خلق الذين ارتكبوا أعمال عنف وتفجيرات واغتيالات في إيران وقاتلوا إلى جانب نظام صدام حسين ضد إيران مما جعل إيران والكثير من الدول في العالم بما فيها الولايات المتحدة والدول الأوربية تدرج هذه الحركة على لائحة المنظمات الإرهابية وكيان سياسي يولد من رحم هذه الحركة من المستحيل أن يكون له قبول لدى الشارع الإيراني فضلا عن ان ينال شعبية تذكر .
 
6ـ عدم وجود شخصيات شبابية في المعارضة الخارجية ولديها قوة وكاريزما وتتمتع بشعبية وتأثير داخل إيران فمريم رجوي يناهز عمرها 66 عاما إضافة إلى أن رضا محمد رضا بهلوي نجل الشاه يقترب عمره من الـ 60 عاما ويعيش في بذخ كبير من ثروات الشعب الإيراني التي نهبها والده ويطمح في الوقت الضائع للعب دور في مستقبل إيران بعد أن ثار الشعب الإيراني على نظام والده قبل أربعة عقود وضحى بحوالي 60 ألف قتيل وأكثر من 200 ألف جريح للتخلص من نظام الشاه الغارق حينها في الفساد والانحلال والعمالة للخارج .
 
7 ــ عدم امتلاك هذه المعارضة لمنابر إعلامية قوية تستطيع إيصال رسالتها للشعب الإيراني فهي تستخدم مواقع التواصل الإجتماعي مثل تويتر والفيسبوك وانستجرام وغيرها وتفتقر لقناة تلفزيونية وإذاعة وغيرها من الوسائل الإعلامية المؤثرة.
 
8 ــ فشل هذه المعارضة بإقناع الداخل الإيراني والقوى الكبرى والدول الإقليمية بأنها تمتلك مشروع لإسقاط النظام الإيراني وأنها تشكل البديل المناسب له ولذا تدرك واشنطن والدول الاوربية والعربية بأن هؤلاء مجرد ظاهرة صوتية وليس لهم تأثير في الداخل ولا يمثلون أي تهديد حقيقي للنظام الإيراني ولذا تستخدمهم كأوراق ضغط ضد النظام الإيراني ليس إلا كما تقدم واشنطن بعض الدعم المالي والإعلامي لهم لشرعنة الحرب الاقتصادية والعقوبات التي تفرضها ضد إيران .
 
9 ــ عدم وجود الشفافية في أوساط قوى المعارضة حيث تلاحقهم الشائعات والغموض حيث تقيم المعارضة معسكر مغلق. وغامض في ألبانيا يعيش فيه المئات من الرجال والنساء بشكل منفصل وكل عملهم ينصب في إرسال الرسائل الإعلامية للداخل دون ان تلقى رسائلهم تأثير يذكر ،  ومن أمثلة غياب الشفافية لدى هذه المعارضة مثلا حتى الآن ما يزال مصير مسعود رجوي زعيم حركة " مجاهدي خلق " يلفه الغموض فهل توفي ؟ هل ما يزال حيا ؟ هل هو بالعراق ؟ هل يعيش في السعودية أم في ألبانيا أم في فرنسا أو أمريكا لا أحد يعرف على وجه اليقين بمصيره بعد أن توارى عن الأنظار منذ سنوات ، إضافة إلى رواج شائعات بأن مريم رجوي تزوجت من رئيس الاستخبارات السعودي السابق الأمير تركي الفيصل بعد ظهوره معها في مناسبات عديدة ودون أن تنفي هذه الشائعات ، فهل سيثق أبناء الشعب الإيراني بزوجة رئيس الاستخبارات السعودي ويقبلون بها رئيسا لهم ؟!!
 
10 ـ عدم وجود تيار في الداخل الإيراني يشكل امتداد لهذه المعارضة أو يعلن تأييده لها أو يشيد بها وعدم تقديم هذه المعارضة أية مبادرة من أي نوع لخدمة أبناء الشعب الإيراني في أي مجال من المجالات إذ يقتصر نشاطها على الجانب الإعلامي مثل : التغريدات والمنشورات
 
ـ عدم وجود تيار في الداخل الإيراني يشكل امتداد لهذه المعارضة أو يعلن تأييده لها أو يشيد بها وعدم تقديم هذه المعارضة أية مبادرة من أي نوع لخدمة أبناء الشعب الإيراني في أي مجال من المجالات إذ يقتصر نشاطها على الجانب الإعلامي مثل : التغريدات والمنشورات والبيانات الصادرة في المناسبات وكذلك المداخلات الإعلامية في الفضائيات التابعة لخصوم إيران والمشاركة في بعض الفعاليات في الخارج .
 
11 ـ عدم قدرة هذه المعارضة على التواصل المثمر مع أبناء الشعب الإيراني في الداخل والحشد الجماهيري في الشارع فلم يسبق أن خرجت تظاهرة حاشدة أو حتى تم تنظيم وقفة احتجاجية تلبية لدعوات هذه المعارضة فهذه المعارضة فقدت جسور التواصل الفاعل مع الشعب الإيراني في الداخل .
 
* تيار ثالث بعيد عن مطالب الشعب
 
أطلعت مؤخرا على تقرير نشره موقع قناة " الحرة " الأمريكية عما أسماه " تيار ثالث للمعارضة الإيرانية " يتبلور بعيدا عن تيار ولي العهد الإيراني السابق رضا بهلوي، وتيار  زعيمة حركة مجاهدي خلق ومجلس المقاومة الإيراني مريم رجوي وعندما أطلعت على أهداف هذا التيار أصبت بالصدمة فهذا التيار بعيد تماما عن هموم ومطالب الشعب الإيراني إذ يطالب بالفيدرالية واللامركزية والعلمانية وإقامة علاقات صداقة مع إسرائيل وأمريكا وإعادة صياغة المواطنة باعتبار أن هذه الحلول الناجعة لمشاكل إيران ففي حين يكتوي المواطن الإيراني بنار الفقر والغلاء والفساد والبطالة ويدفع ثمن العقوبات الأمريكية والتدهور الإقتصاد الإيراني بهذا الشكل الحاد يطالب البعض من هؤلاء الإيرانيين الذين يعيشون في الخارج بالفيدرالية وإقامة صداقة مع إسرائيل وهذا ما يؤكد أن هؤلاء بعيدون عن هموم ومطالب الشعب الإيراني بل ويجهلون حقيقة الوضع داخل إيران وكأن سبب مشاكل إيران هي بسبب المركزية وعدم وجود علاقات صداقة مع إسرائيل ؟!!
 
* وماذا عن المعارضة الإيرانية في الداخل ؟
 
هناك معارضة إيرانية في الداخل وهؤلاء هم تيار كبير يتشكل من نواب في البرلمان وشخصيات في النخبة وغيرهم وسواء كانوا من التيار الإصلاحي أمثال المرشح الرئاسي مير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي والرئيس الأسبق محمد خاتمي أو من غير الإصلاحيين أمثال الرئيس السابق أحمدي نجاد وغيرهم من المعارضين في الداخل والذي يعارضون الفساد والاختلالات وينتقدون سياسة النظام لكن هؤلاء وان كانوا يمتلكون شعبية وتأثير في الداخل إلا أنهم لا يسعون لتغيير النظام ولا يتبنون خيار الثورة الشعبية المسلحة ضد النظام بل يسعون لإصلاح النظام من الداخل وأغلبهم ليست لديه مشكلة مع بقاء منظومة " ولاية الفقيه " على رأس هرم السلطة في الجمهورية الإسلامية ممثلة بالمرشد الأعلى السيد علي خامنئي أو من سيخلفه ولكن من دون أن يكون لهذه المنظومة تأثيرات سلبية تحد من فاعلية سلطة الدولة وتطبيق النظام والقانون وتجفيف منابع الفساد وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب وتحقيق الشفافية والمحاسبة وهذه المعارضة لم تنجح حتى الآن في تحقيق أهدافها بسبب عدم وجود هامش كبير من الحريات يمكن لهذا المعارضة الداخلية من الحركة بحرية وحشد الشارع خلفها لإصلاح النظام وإحداث تغييرات فيه  فرموز هذه المعارضة أما تحت الإقامة الجبرية أو في السجون أو ممنوعون من الإعلام الرسمي وبسبب قوة تيار المرشد الذي يعرقل اي تغيير وقوة المؤسسات التي فرضتها ثنائية الثورة والدولة والتي تتمتع بسلطة أكبر منها وتستمد سلطتها من المرشد الأعلى علي خامنئي صاحب السلطة المطلقة في البلد ولهذا فالمعارضة الخارجية بلا تأثير وبلا شعبية ومصداقية في الداخل والمعارضة في الداخل مقيدة بقيود كثيرة وكل هذا يخدم النظام الحالي ويساهم في إطالة عمره وإبقاء ثنائية الدولة الثورة إلى أجل غير مسمى .
 
* لا توجه دولي أو إقليمي لتغيير النظام
 
 بقي أمر لا بد من الإشارة إليه هنا وهو أنه لا توجد لدى القوى الكبرى بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية ولا لدى القوى الإقليمية بما فيهم خصوم إيران وفي مقدمتهم السعودية أي توجه لتغيير النظام الإيراني الحالي وكل ما يطالبونه منه هو تغيير سياساته تجاه المنطقة والعالم وستظل واشنطن تضخم من خطر النظام الإيراني لتحقق أكبر قدر من المصالح والوجود العسكري في الخليج تحت لافتة حماية الخليج من الخطر الإيراني كما ستظل في الوقت نفسه تمارس سياسة الضغوط القصوى والحرب الإقتصادية ضد ايران في محاولة لاجبارها على الجلوس على طاولة مفاوضات جديدة والخروج بصفقة جديدة ضمن لعبة مصالح دولية معروفة . 
 
كما ستظل واشنطن وخصوم إيران في المنطقة يستخدمون المعارضة الإيرانية في الخارج كأوراق ضغط ضد النظام الإيراني وستظل هذه المعارضة تؤدي دورها في خدمة خصوم إيران باعتبارها أوراق ضغط وأصوات معارضة وفي خدمة النظام الإيراني باعتبار واقعها يمثل أكبر خدمة للنظام الإيراني الذي وإن تسبب للشعب الإيراني بالمعاناة والفقر والفساد إلا أنه ما يزال في نظر شعبه يمتلك قراره وإرادته وغير عميل ومرتهن للخارج فهذه المعارضة تضفي على النظام الإيراني المزيد من الشرعية والوطنية من حيث شعرت أو لم تشعر .
 
* باحث في الشأن الإيراني
 

التعليقات