أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ
الجمعة, 10 يناير, 2020 - 04:40 مساءً

يقول بعض من يدّعون أنهم خبراء في السياسة لماذا الدولة الفلانية لا تقف محايدة وتُصلح ذات البين، نعم هذا المقولة تغدو صحيحة عندما يكون الخلاف هو خلافٌ سياسياً فقط وليس عسكرياً وكلا الطرفين على خطأ وصواب، ولكن عندما تكون إحداهما باغيةٌ على الآخرى وتكادُ تنهشها فهنا وجب الدفاع عن الأضعف حتى تفيء المعتدية وتعود إلى صوابها، كما قال عزوجل في محكم أياته {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ? فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى? فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى? تَفِيءَ إِلَى? أَمْرِ اللَّهِ ? فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ? إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)}...الحجرات.
 
كما أن هؤلاء من يطلبون الحيادية لماذا لا يطبقون ذلك على أنفسهم، لماذا لا يكونوا هم أيضا حيادين، أهو حلالٌ لهم وحرامٌ على غيرهم. فقد عاتب الله المولى جل في علاه بني اسرائيل عندما وقفوا موقفاً مماثلاً لموقفهم هذا بقوله {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ? أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)}...البقرة.
 
ما يحدث الآن في الساحة العربية انحيازٌ واضحٌ من الخانعين من بني جلدتنا إلى تمرير مصالح أعداء الأمة وكأنهم خدماً لهم ضاربين بالأسس والمباديء التي جاء بها ديننا الحنيف بعرض الحائط، ليس ذلك فحسب بل يعملون جاهدين كالعبيد دون تميز في مساعدة العدو على نهب ثروات ومقدرات الشعوب. هؤلاء مع كل أسف انسلخوا عن الدين الحنيف وأبدلوا جلودهم بجلود التبعية التي مرغت كرامتهم وجعلتهم وحوشاً لا يعيرون للإنسانية أمراً، ولذلك وجب الضرب على أياديهم وهدم الجسور التي تربطهم مع من يتربصون بنا ويعملون جاهدين لاستباحتنا واستباحة أوطاننا.
 
قال المصطفى صلوات الله عليه في حديث السفينة {مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا}.
 
والمخزي عندما تجتمع ثلة من المحسوبين على العلماء على إقرار الباطل على أنه حق وهم يعلمون يقيناً أن اجتماعهم عُقد لتثبيت قواعد الفساد والتبعية المقيتة لاهل الباطل، كل ذلك من أجل لهثهم وراء الدريهمات التي أعمت بصائرهم وجعلتهم يبيعون الآخرة، فما أصبرهم على النار. فالحق بَيّن والباطل بَيّن وهذه سنة الله في الأرض كرٌ وفرٌ بينهما إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، فالباطل لا يدوم هو زائلٌ لا محال من ذلك، ولكن لابد من أهل الحق أن يَشدوا أزر بعض حتى يرفعون الباطل عن كاهل الأمة، ولن يتأت ذلك إلا إذا وحدنا كلمتنا واجمعنا قوتنا بالعتاد والعدة حتى نُرهبهم كما حثنا الله في ذلك {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ? وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)}...الأنفال.
 
قال د. مصطفى محمود :{إنّ شكلنا الممزّق المهلهل يغري على الإفتراس، كما يغري منظر الحملان الشاردة على عدوان الذئب، وإسرائيل لن تضيع الفرصة، ونحن على شفا جرف، إما أن ننجو وإما أن نهلك، وإذا كان لنا فرصة وحيدة فباجتماعنا عصبة واحدة وكلمة واحدة}. اليوم يادكتور مصطفى وضعنا غداَ أكثر "نيلة" أو كارثياً بمعنى أصح عن زمانكم، انتقلنا من أمة مهلهة إلى أمة بالية، أصبح خيوطها أوهن من خيوط بيت العنكبوت. فغدت هذا العدوة الماكرة تتملق في ساحاتنا بفنون الإغراءات حتى تجتر أرجل معتوهنا إلى هاوية الهلاك، فمرة بصفقة القرن وتارة بمعاهدة السلام والرخاء الإقتصادي كذباً حتى تصل إلى مبتاغها وتضرب ضربتها القاضية.
 
ومع ذلك تجد الكثير لا أعرف ماذا اسميهم، يهرعون ويهرولون إلى التطبيع معها، مع أن الله حذرنا من اليهود في أكثر من سورة من سور القرآن، ولكن لا أقول فيهم غير قول الشاعر " لقد اسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي ". للأسف أغووهم العلمانيون والليبراليون من نسيج الأمة العاطب وزينوا لهم زخارف عفنهم على أنه هو الأصح الذي يجعل الأمة تلحق بركاب الأمم المتقدمة تقنياً، وفي الحقيقة هي خالية من أبسط مباديء الشرف والحياء الذي تربينا عليه كمجتمع محافظ مُعدّاً بدينه الحنيف.
 
فالأمر غدا غريباً عندما يتحدث أهل الباطل ليزينوا أباطيلهم أمام شعوبهم المغلوبيين على أمرهم المغسولة أدمغتهم بالتبعية الفكرية التي جعلت منهم عبيداً لا يميزون بين الغث والسمين، شعوباً تربت للأسف كابر عن كابر تحت موجات أثير التزيف والدجل فغدوا عبيداً لفردٍ لا يهمه إلا مصالحه حتى اعتقدَ هو أنه واجبٌ عليهم أن يخدموه مهما فعل حتى وإن كان على باطل أو كما أفتى أحد شيوخ الجامية " أن لا يُنكر عليه حتى ولو ظهر يزني على شاشات التلفاز لمدة نصف ساعة أمام الملء صغاراً وكباراً "، هذه هي العقيدة الجديدة التي يريدونها للأمة ترفع بها سراويل العاهرات بدلاً عن سيوف الحق.
 
ونخشى أن يحل علينا عذاب الله قبل أن نُسحق في حرب الفيلة (أمريكا وإيران)، دولتان تقاطعت مصالحهما في تقسيم ونهب ثرواتنا، ربما إيران لن تجني كما تجني أمريكا، ولكن غايتها الإنتقام ورد كرامتها التي مرغها سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضوان الله عليه. أما عودةً إلى شيوخ التزيف الذين اجتمعوا على الباطل بتُ أشك في أنهم مستشرقون من الغرب مدسوسين لهدم بناء الأمة من الداخل، لذا حرياً بنا أن ندرس سيرهم الذاتية لربما إذا عُرف السبب بُطل العجب. والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
 

التعليقات