جباري .. معيار الشرف الوطني
الجمعة, 25 سبتمبر, 2020 - 09:43 صباحاً

هذا واحد من السياسيين الذين لا أستطيع التشكيك بصدقهم ونزاهتهم، لا ينطق جباري بموقف ثوري فاصل حتى يكون قد استنفد كل المواقف الدبلوماسية قبلها، يُنبه للخطأ في البداية ويدعو للمعالجة، يناور، يحاول التوفيق بين الطرفين، وحين يصل لقناعة حاسمة بصلف الخصم، يقولها بشكل صريح ويمضي..وهذا باعتقادي هو العمل السياسي الحكيم والمسؤول في أرقى تجلياته.
 
انا متمسك بيقيني تجاه هذا الرجل ولا أرى أي مبرر لأي شكوكية تحاول تبخيس مواقفه أو التقليل من شأن ما يقول. أظنه الشخصية الوحيدة التي كانت أول من يتحدث في كل المواقف العصيبة منذ ما قبل دخول الحوثي صنعاء وحتى اللحظة الحالية..أعطوني موقف واحد تناقض فيها الرجل مع نفسه أو فرط بصلاحية ممنوحة له.
 
الشعوب المصابة بخذلان طويل من ساستها، تلجأ لتدمير أي يقين ممكن بأي شخصية تبدو مختلفة عن باقي الساسة والمسؤولين، إنهم مصابون بداء الشكوكية المفرطة، وليسوا مستعدين للتسليم بوجود شخصية ما تزال تحتفظ بضمير حي ومواقف نزهية، كما هو حال جباري، هم لا يستطيعون دحض مواقفه؛ لكنهم يستندون لهواجسهم المبهمة ضده.
 
ليس بوسع جباري أن يصنع فارقًا عمليًّا على الأرض، فهو وحيد ومجرد من أدوات الفعل لكن يكفي أنه غاضب مثلنا، يؤنسنا بحديثه ويحيّ شرف النخبة السياسية الميت. ليس هذا أقصى طموح لنا، لكنه أقل واجب ممكن لمسؤول ما يزال يحترم نفسه، وليس علينا أن نكلفه أكثر مما هو متاح بيديه.
 
معيار الشرف الوطني في وضعنا الحالي هو الموقف، أما الانجاز العملي، فهذا مرهون بدولة مستقرة وصلاحيات كاملة وأدوات للفعل، امنحوا جباري سلطة حقيقية وإمكانية، ثم اختبروا بعد ذلك صدقه فيما يدعيه، أما وهو في حكومة مستلبة، فيكفي أنه رافض لهذا الاستلاب وما يزال في داخله إحساس بالكرامة ورفض للانخراط في المهزلة.
 
إنه يريد منصب، إنه انتهازي يدغدغ عواطف الناس فيما دوافعه هي حيازة مكسب واستثمار نبل الموقف للعبور نحو غاية شخصية، حسنًا فليكن ذلك، ما يحوزه جباري الآن هو مجدًا أكثر خلودا من أي منصب وأرفع قيمة من أي مكسب.
 
كما أن مشكلتنا ليست مع طموح المسؤول، بقدر ما يهمنا انحيازه للناس ورفضه التواطؤ مع أي لعبة تستهدف مصيرهم، وليس في تأريخ جباري أي خدش يتعلق بخذلان الناس أو الصمت إزاء ما يحاك ضدهم.
 
هذه المواقف العبثية ضد جباري، ليست برئية أبدًا، هي امتداد لسياسة الشيطنة ضد كل ما يمثل صوت مختلف، يريدون تشويش صورة الشخصيات الرافضة لمشروعهم، وحين لا يجدوا ما يشوهون به مناهضيهم يلجأون لمحاكمة النوايا ويتحولون لمنجمين يفتشون في دوافعها؛ كي يخصموا من نبل الموقف ومجد الحضور.
 
سنبصق في وجوهكم ونقف لنحرس كل صوت يمثلنا ولسنا قصُّر نحتاج من يرشدنا لنعرف حقيقة من هو معنا ممن يتواطئ ضدنا، جباري هو صوتنا المبحوح في زمن الألسن المخرسة، إنه يشبهنا ونشبهه، وما يقوله هو حكايتنا التي نرددها كل يوم ونفتقد لمسؤول ينطق بها، باستثناء جباري وقليلون معه.
 
 

التعليقات