يوم أنكرتُ .. أبي!
الأحد, 10 أبريل, 2022 - 01:58 صباحاً

أنت ولد هاشم؟ سأل ضابط الأمن السياسي وهو يمسك ذراعي
 
أجبت بخوف: لا .. أنا ابن الجيران!.
 
هرول الضابط وزملاؤه الى داخل بيتنا في تعز الذي قُلب خلال دقائق رأساً على عقب ،وسط صراخ وبكاء أمي رحمها الله ، وتهديدهم ووعيدهم. لم نكن نعلم .. أنا وإخوتي وصديقي ابن الجيران! .. عن ماذا يبحثون ولماذا يفتشون مرة أخرى؟.  
 
كنت في سن العاشرة و"كبير البيت" بعدما غادرنا أبي فجأة قبل أيام من ذلك، عقب فشل محاولة الانقلاب التي قام بها الناصريون في 15 أكتوبر 1978  ثأراً للرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي عبر محاولة الإطاحة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح. في اليوم السابق اعتقلوا خلال غارة مماثلة، وكُنت في المدرسة، اولاد خالي وصادروا السيارة وما نملك من نقود. مشهد تكرر في سنوات سابقة قبل ذلك، وما اتذكره جيداً أن مكتبة أبي كانت تذهب مع رجال الأمن وبلا رجعة. رأيت أبي مرات عدة خلف القضبان في سجن "الشبكة" في تعز وكان السبب دوما محتوىً سياسي ما نُشر في صحيفة " مأرب" التي يديرها. لكن هذه المرة الأمر مختلف، فاسمه و أسماء أعرفها من رفاقه مقرونة في المذياع والصحف بمحاولة انقلابية ولم نكن نعلم مصيره. كثيرون من رفاقه أعدموا رحمهم الله جميعا. كان اغلب الناس يتجنبون التواصل او التعامل معنا خوفاً ولذا كان بيت جدنا في القرية الملاذ والملجأ، رغم أن الأجواء كانت مشابهة إلى حد ما.. إذ مازلت أسمع " زفة " الأطفال عند وصولنا القرية تردد بلحن موحد .. ابن المُخرب.. ابن المُخرب!.
 
كان أبي مثل كثير من رفاقه قد عبر الحدود الى جنوب اليمن " جمهورية اليمن الديمقراطية ". بعد عام تقريبا عاد أبي وبعض رفاقه الى البلاد ( قيل بوساطة من القذافي). كانت السنوات العشر التالية والى ما قبل تحقيق الوحدة اليمنية عام  1990 سنوات صعبة على الأسرة من جوانب كثيرة.كان الوالد تحت مراقبة شبه دائمة من الأمن السياسي وكان حضور سيارة الأمن السياسي للمرابطة أمام البيت في تعز مؤشراً على توتر ما في العلاقة مع السلطة. في تلك السنوات ولد ونما شغفي بالسياسة والصحافة، فإلى جانب هذه الأجواء كان البيت عامر دائما بالكتب والصحف والمجلات العربية ومن كل الاتجاهات السياسية، وبأجيال من أجهزة الراديو كانت تنتقل تباعاً من والدي اليّ. كان يحفز ويشجع على الدراسة والقراءة والمعرفة وكان يناقش ويحاور ولم يكن ابداً الأب الذي يحاول أن يملي على أبنائه ما يجب أن يكونوا عليه سياسياً وفكرياً أو في دراستهم وحياتهم وأعمالهم ناهيك عن إلحاقهم بالتنظيم الناصري رغم اعتزازه الشديد به وبفكره وبرفاقه. كان في سلوكه يقدم الفعل والنموذج والمثال على القول.  رحمه الله رحمة واسعة وتقبله في الصالحين وجزاه خير الجزاء.
 
وفيما كتبه مشكوراً الأستاذ القدير العزيز عبدالملك المخلافي حفظه الله بعضاً من جوانب مسيرة الوالد السياسية والصحفية.
 

التعليقات