سيف محمد الحاضري

سيف محمد الحاضري

رئيس مؤسسة الشموع للصحافة والاعلام رئيس تحرير صحيفة اخباراليوم اليمنيه.

كل الكتابات
الزبيدي.. لاعب القمار السياسي الذي يجر الجنوب نحو الهاوية
السبت, 29 مارس, 2025 - 08:25 مساءً

من المؤسف أن من يدّعي تمثيل الجنوب والدفاع عن قضيته، هو ذاته من يقود مشروعين متناقضين إلى حتفهما، بسرعة جنونية، وكأنه سائق قاطرة فقد بصره وهو يقودها بأقصى سرعة نحو الجرف. عيدروس الزبيدي، وبطانته من عديمي الكفاءة والرؤية، يدمّرون ما تبقى من طموحات الجنوبيين في استعادة دولتهم، ويفككون ما تبقى من شكل الدولة اليمنية الشرعية، دون أي إدراك لحجم المخاطر، أو وعيٍ بالتحولات العميقة التي تشهدها المنطقة.

المشروع الأول الذي يزعم الزبيدي تبنّيه، هو مشروع "استعادة دولة الجنوب العربي" أو جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
والمشروع الثاني، هو المشاركة في إدارة الدولة اليمنية ضمن إطار مجلس القيادة الرئاسي، الذي يُفترض أنه يعمل على استعادة الدولة اليمنية من مليشيات الحوثي.
لكن في الحقيقة، المشروع الوحيد الذي يحرز فيه الزبيدي تقدمًا ملموسًا، هو مشروع إيران ومليشياتها الحوثية.
فسياساته الفوضوية، وعلاقته التبعية لأجندة الإمارات، لا تضعف فقط الشرعية، بل تسحب البساط من تحت القضية الجنوبية نفسها، وتحوّلها إلى ورقة مساومة في سوق المصالح الإقليمية.

إن انخراط الزبيدي والمجلس الانتقالي في معركة النفوذ بين الإمارات والسعودية، يحوّل الجنوب إلى ساحة تصفية حسابات، وليس إلى أرض يُبنى عليها مشروع تحرري حقيقي.
تمامًا كما يفعل الحوثي الذي يخوض معاركه نيابة عن إيران، نجد الزبيدي يقامر بالجنوب من أجل مصالح أبوظبي.

من العبث أن يتم الحديث عن "مجلس شيوخ جنوبي" في الوقت الذي تعاني فيه عدن من انقطاع الكهرباء، وشح المياه، وتردي الخدمات، وانهيار الأمن. كيف لمن يعجز عن إدارة شؤون مدينة أن يُبشّر ببناء دولة؟

ما نراه اليوم ليس مختلفًا عما حدث في صعدة، حين تحوّلت بعض القوى السياسية إلى غطاء للتمرد الحوثي، وجرّت البلاد إلى مستنقع طويل من الدم والخذلان. واليوم، يُعيد الانتقالي نفس السيناريو، لكن بنسخته الجنوبية، في مواجهة شطر آخر من الوطن.

حضرموت وشبوة وسواحل أبين لم تعد خارج الصراع، بل أُدخلت في عمق معركة النفوذ السياسي والعسكري، وسط صمت مخيف من مجلس القيادة وأعضائه، ومن القوى السياسية التي يبدو أنها تفضّل البقاء على الهامش، على مواجهة الحقيقة المرة.

الصمت على هذه السياسات هو ذات الصمت الذي مهّد للكارثة الحوثية، وها هو الآن يُمهّد لكارثة أخرى، لكن هذه المرة من بوابة الجنوب.
إن الزبيدي اليوم لا يمثل طموحات الجنوب، بل يشوّهها، ويحوّلها إلى أداة في يد أجندات لا ترى في اليمن أكثر من ساحة نفوذ وثروات وموانئ.

نحن أمام لاعبي قمار على رقعة اليمن:
الأول يقامر بالشمال خدمةً لمصالح إيران، والثاني يقامر بالجنوب لمصلحة الإمارات، فيما تُسحق طموحات اليمنيين شمالًا وجنوبًا، تحت أقدام مشاريع خارجية لا تقيم وزنًا لدماء الناس ولا لمعاناتهم.

لقد آن الأوان للقوى الوطنية الصامتة أن تتحرك، وأن تقول كلمتها بوضوح، بعيدًا عن المجاملة أو الخوف أو الحسابات الضيقة.
القوى السياسية، والنخب المثقفة، ورجال الدين، ووسائل الإعلام الحرة، مطالَبة اليوم بتحمّل مسؤولياتها كاملة، فالصمت لم يعد موقفًا، بل صار خيانة.

نحن بحاجة إلى اصطفاف وطني جديد، لا يستثني أحدًا، يقوم على مراجعة شاملة للمسار، واستعادة البوصلة، ووضع حدٍّ نهائي للعبث السياسي الذي يجر البلاد إلى مستنقع الانهيار الكامل.
إن الجنوب لا يُختزل في الزبيدي، كما لا يُختزل الشمال في الحوثي.
والشرعية ليست ملكًا لأفراد، بل عقد وطني يجب أن يُعاد تصحيحه وإحياؤه بروح جماعية حقيقية.

فإما أن ننهض اليوم، وننقذ ما تبقى من وطن، أو نصبح جميعًا شهود زور على جريمة تاريخية لن يرحمنا عليها لا المستقبل ولا الأجيال القادمة.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك 

التعليقات