باب الأسباط "ميدان تحرير" المقدسيين وقِبلة الثائرين ضد الانتهاكات الإسرائيلية
- الأناضول الجمعة, 21 يوليو, 2017 - 06:20 مساءً
باب الأسباط

[ باب الأسباط - فلسطين ]

تَحَوّل بابُ الأسباط في مدينة القدس، والشوارع المؤدية إليه، منذ الأحد الماضي إلى قِبلة المقدسيين الرافضين للإجراءات الإسرائيلية الجديدة في المسجد الأقصى، وعلى رأسها بوابات التفتيش الإلكترونية.
 
وقد دفع ذلك، بعض سكان المدينة إلى تشبيهه بميدان التحرير، الواقع وسط العاصمة المصرية القاهرة، والذي كان مركز ثورة 25 يناير 2011.
 
وقد أضحى باب الأسباط منذ وضع البوابات الإلكترونية الإسرائيلية على أبواب المسجد الأقصى، نقطةَ تفاعلٍ فلسطينيةً حيّةً، يفد إليها أهالي القدس من مختلف أطيافهم معبرين عن رفضهم لهذه البوابات.
 
ويتركز تجمع المقدسيين عند باب الأسباط حول مواعيد الصلوات الخمس، فما أن يقترب موعد الصلاة حتى تبدأ الأعداد بالازدياد. إلا أن الأعداد الأكبر تتجمع بالآلاف قبل صلاة المغرب بقليل، وتستمر حتى نهاية صلاة العشاء.
 
ويتخلل هذا التجمع، أداءً للصلوات، وهتافاتٍ غاضبةً ضدّ استهداف الأقصى، بالإضافة إلى إنشاد الأناشيد الدينية والوطنية.
 
وقد قمعت الشرطة الإسرائيلية هذه التجمعات الغاضبة أكثر من مرة بقنابل الصوت والرصاص المطاطي مخلفاً عشرات الإصابات.
 
تاريخ باب الأسباط
وباب الأسباط هو اسمٌ لبابين متجاورين، أحدهما بابٌ ضخمٌ وهو أحد أبواب سور البلدة القديمة السبعة، يقع في الجهة الشرقية للسور، والآخر بابٌ متواضعٌ هو أحد أبواب المسجد الأقصى العشرة.
 
ويأتي باب الأسباط الواقع في سور البلدة القديمة في المرتبة الثانية من ناحية الجهد العمراني الواضح في واجهته بعد باب العامود. كما أنه أحد الأبواب الرئيسة لدخول الفلسطينيين إلى البلدة القديمة، وخاصةً إلى المسجد الأقصى.
 
وقد تعاظمت مكانته كطريق رئيس للمسجد الأقصى بعد أن أغلق الاحتلال الإسرائيلي باب المغاربة، أحد أبواب الأقصى في الجهة الغربية، في وجه الفلسطينيين بعد احتلال المدينة عام 1967.
 
ولباب الأسباط دلالة تاريخية مؤلمة في ذاكرة المقدسيين، فمن خلاله اقتحمت دبابات الجيش الإسرائيلي المدينة في العاشر من يونيو/حزيران عام 1967، لتحتل بعدها المسجد الأقصى وينتشر التسجيل الصوتي الشهير لأحد الجنود الإسرائيليين وهو يقول “جبل الهيكل (المسجد الأقصى) بيدنا”.
 
عمارة مميزة للباب
وفي حديث مع جمال عمرو، المختص في عمارة القدس، والمحاضر في جامعة بيرزيت، أشار إلى أن تاريخ عمارة باب الأسباط الواقع في سور القدس، يعود إلى القرن السادس عشر الميلادي.
 
وقد جُدِّدَ الباب ضمن حملة عمارة وتجديد عثمانيةٍ واسعةٍ، امتدت لخمس سنوات، قادها السلطان العثماني سليمان القانوني.
 
ويشير عمرو إلى التفاصيل المعمارية المميزة التي يتصف بها باب الأسباط، فهو باب شاهق ذو تحصينات قوية، وتشمل واجهته الخارجية الشرقية أبراجاً دفاعيةً توّفر إمكانية المناورة للجنود المرابطين على سور المدينة في ذلك الحين.
 
كما تضم واجهةَ الباب طلّاقاتٍ للزيت الحارّ والرماح على جهتي الباب، بالإضافة إلى الزخارف الهندسية التي تزيّنه.
 
وعلى مدخل باب الأسباط لوحةٌ كتابيةٌ تأسيسيةٌ نُقِشَ عليها بخطّ الثلث العثماني: “أمر بإنشاء هذا السور المبارك مولانا السلطان سليمان بن سلطان سليم خان، خلّد الله ملكه بتاريخ في سنة خمس وأربعين وتسعمائة”.
 
ولهذا الباب أسماء كثيرة، فيُسمى بالإنجليزية باب الأسود، وباب القديس اسطفان، وباب أريحا أو باب الغور نظراً لأنه يتجه إلى الشرق باتجاه أريحا.
 
أما اسمه الأبرز فهو باب الأسباط نسبة إلى أسباط النبي يعقوب عليه السلام، أيّ أبنائه الاثني عشر.
 
ويسميه أهالي القدس في كثير من الأحيان “باب ستنا مريم”، خاصة أن هناك كنيسة “القديسة آن” يؤدي إليها الباب داخل البلدة القديمة يعتقد أن السيدة مريم العذراء قد عاشت في موقعها .
 
كما أن الخارج من باب الأسباط إلى الشرق يصل إلى وادي يعرف بوادي ستنا مريم، ويصل كذلك إلى كنيسة الجثمانية والتي تجسد موقع اعتقال السيد المسيح من قبل الرومان.
 
فهود باب الأسباط
أما المعلم الرئيس الذي يُشتَهر به باب الأسباط ويميّزه عن بقية أبواب البلدة القديمة للقدس، فهو الفهود الأربعة الحجرية الموجودة على واجهته الشرقية، اثنين عن يمينه، واثنين عن يساره.
 
يخبرنا الباحث في تاريخ القدس إيهاب الجلاد، بأنه عندما همّ العثمانيون بإعادة بناء سور القدس كانوا في حاجة ماسة للحجارة، وكانوا يبحثون عنها من جميع المصادر، فاستخدموا حجارة خانٍ مهدوم في أطراف القدس، كان قد بُني في عهد المماليك، وبالأخص في عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس.
 
وقد كان بيبرس مشهوراً بقوته وشجاعته في الحرب، فاتخذ من الفهد شعاراً له، وكان ينقش على ممتلكاته وعلى المباني التي يعمرها. وقد وجدت هذه الفهود الأربعة ضمن ركام الخان القريب من القدس، فاستخدمها العثمانيون لتزيين باب الأسباط.
 
محيط باب الأسباط
قبل الدخول إلى البلدة القديمة من جهة باب الأسباط يجد الزائر على يمينه وعلى يساره مقبرتين إسلاميتين، هما المقبرة اليوسفية ومقبرة باب الرحمة.
 
وتضم مقبرة الرحمة التي تجاور سور المسجد الأقصى الشرقي حتى نهايته قبورَ عدد من الصحابة منهم عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، بالإضافة إلى قبور المجاهدين الذين شاركوا في الفتح العمري والصلاحي للمدينة.
 
كما يوجد في المقبرة، التي يمتد عمرها إلى 1400 عاماً، قبور أكثر من مئة جندي مصري شاركوا في حرب عام 1948.
 
أما عند الدخول من باب الأسباط أمامك خياران، الالتفاف يساراً إلى المسجد الأقصى، أو الاستمرار إلى الأمام للسير فيما يُعرف بدرب الآلام أو طريق المجاهدين.
 
وعند الالتفات يساراً وقبل دخول المسجد الأقصى بأمتار قليلة ساحة واسعة تُسمى ساحة الغزالي.
 
وبحسب عمرو، فإن الساحة تحمل هذا الاسم لأن الإمام الغزالي، صاحب الكتاب الشهير “إحياء علوم الدين”، كان يمرّ منها وصولاً إلى باب الرحمة داخل الأقصى، حيث اعتكف على كتابة مقدمة كتابه، وكان في كثير من الأحيان يستوقفه الناس عند تلك الساحة ليسألوه في أمور الدين.
أما إذا استمر الزائر إلى الأمام، فإنه يصل حارة باب حطة، وطريق المجاهدين.
 
ويخبرنا الباحث في تاريخ القدس روبين أبو شمسية أن الطريق اكتسبت اسمها من “قبور بعض المجاهدين الذين شاركوا في التحرير الصلاحيّ للقدس عام 1187م، والتي توجد في مبنى المدرسة المعظمية قبالة باب الملك فيصل”، أحد أبواب المسجد الأقصى.
 
ومن بعد طريق المجاهدين تبدأ طريق الآلام، وهي الطريق التي يعتقد أن المسيح عليه السّلام حمل فيها من جبل الطور إلى الشرق وصولاً إلى كنيسة القيامة حيث صُلب، ودفن حسب الاعتقاد المسيحي.
 
وسط هذه المشاهد العمرانية المميزة والتاريخ العربي والإسلامي المكثف في تلك البقعة، يعتصم الفلسطينيون اليوم، للدفاع عن المسجد الأقصى.
 


التعليقات