انخرط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سريعاً، عقب توليه منصبه، في محاولة حلِّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعقد 3 اجتماعات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومثلها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتكليفه صهره وكبير مستشاريه جاريد كوشنر بقيادة فريق السلام الأميركي.
لكن الرئيس الأميركي، الذي غمرته مشاعر الثقة بسهولة حل صراع دام 70 عاماً، مطلقاً شعار "صفقة القرن"، ما لبث أن أدرك صعوبة وتعقيد الصراع، فبدأ بالحديث عن "خطة" لحل الصراع، ليتضح لاحقاً أنها لا تزيد عن مشروع إنشاء كيان فلسطيني منقوص السيادة.
ويكشف مسؤول فلسطيني كبير أن ترامب كان يبدي استغرابه، خلال حديثه مع القيادة الفلسطينية، حول عدم قدرة أسلافه على حل الصراع العربي الإسرائيلي.
ويقول المسؤول، الذي فضَّل عدم ذكر اسمه، في حديث خاص لوكالة الأناضول: "في البداية كان الرئيس الأميركي يقول لنا إنه مستغرب من عدم قدرة الرؤساء الأميركيين السابقين على حل الصراع، وقال لنا إن بإمكانه تحقيق اتفاق في غضون 9 أشهر إلى سنة على الأكثر".
وأضاف: "قلنا له: هذا ما نريد".
وتابع المسؤول الفلسطيني: "قالوا لنا بداية إنهم يريدون الاستماع إلى مواقف الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وهذا ما حصل فعلاً في العديد من الجلسات التي تم عقدها مع ترامب نفسه في واشنطن وبيت لحم ونيويورك، وجلسات أخرى عديدة مع جاريد كوشنر ومبعوث الرئيس الأميركي للاتفاقات الدولية جيسون غرينبلات، في رام الله وواشنطن والعاصمة الأردنية عمان".
لا دراية لهم بتفاصيل الصراع
وخلافاً لفرق السلام السابقة، التي انحدرت في مجملها من الطبقات السياسية الأميركية التقليدية، فإن الفريق الحالي في مجمله من رجال الأعمال والمحامين.
وإن كان الوسطاء الأميركيون السابقون على دراية بالتفاصيل الدقيقة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فإن الفريق الحالي لا دراية له على الإطلاق بتفاصيل الصراع، بحسب المسؤول.
ونقل مسؤول فلسطيني ثانٍ عن أعضاء الفريق الأميركي الحالي، قولهم للفلسطينيين منذ الاجتماعات الأولى: "لا دراية لنا بتفاصيل الصراع ونريد الاستماع منكم إلى مواقفكم من كل القضايا المطروحة للنقاش، وما خطوطكم الحمراء وما تقبلون به وما لا يمكن أن تقبلوا به على الإطلاق".
وأضاف المسؤول، الذي فضَّل أيضاً عدم ذكر اسمه "قالوا لنا إنهم بصفتهم ينحدرون من قطاع الأعمال فإنهم لا يحبذون العمل بالطريقة التي عمل بها السياسيون الأميركيون السابقون، وعليه فإنهم لا يؤمنون بكلمة (عملية)، وإنما يفضلون كلمة (صفقة)، وهذا ما سيعملون من أجله".
كانت أولى القواعد التي وضعها الفريق الأميركي (الحالي) هي سرية المحادثات، وهو ما التزم به الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي إلى حد كبير حتى الآن.
وعلى ذلك فقد انحصرت اللقاءات بالفريق الأميركي والفريقين الفلسطيني والإسرائيلي.
وبدأت العملية بالكثير من الجلسات التي تم الاستماع فيها إلى تفاصيل الموقفين الفلسطيني والإسرائيلي، كل على حدة، من كل قضايا الحل النهائي، وهي "القدس والحدود والمستوطنات واللاجئين والأمن والمياه"، بحسب المصدر نفسه.
تشكيلة الفريق الأميركي
ترأس جاريد كوشنر الفريق الأميركي، الذي ضم أيضاً ممثل ترامب للمفاوضات الدولية، جيبسون غرينبلات، والسفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، ومساعدة مستشار الأمن القومي الأميركي، دينا باول.
وكوشنر هو رجل أعمال متخصص بالعقارات، وغرينبلات هو محام متخصص بالعقارات أيضاً، في حين أن فريدمان هو "محامي إفلاس".
أما باول، المسيحية ذات الأصول المصرية، فهي ذات خلفية سياسية.
لكن البيت الأبيض، أعلن في الثامن من الشهر الجاري، أن باول تعتزم الاستقالة من منصبها مطلع العام المقبل.
وما يجمع بين كوشنر وغرينبلات وفريدمان هو أنهم "يهود متدينون".
هذا الأمر، أشار اليه كوشنر نفسه، في ندوة عقدت في معهد سابان في واشنطن في الثالث من الشهر الجاري، وقال كوشنر في الندوة: "حاولنا، نحن الثلاثة اليهود المتدينون، والمصرية القبطية، القيام بالكثير من جلسات الاستماع مع الفلسطينيين، ومع الإسرائيليين لفهم ما هي قضاياهم، ما هي خطوطهم الحمراء، لماذا هي خطوط حمراء بالنسبة لهم، ومن ثمَّ نقرر كيف يمكن أن نجد مجالات للاتفاق المتبادل".
وأضاف: "نحن رجال أعمال.. نحن لسنا سياسيين".
وتابع كوشنر: "تعمدنا عدم وضع أطر زمنية، وعدم محاولة القيام بهذا الأمر بالطريقة التي تم القيام بها من قبل، حتى تكون لدينا مساحة أكبر وفرصة على أمل النجاح بها".
الموقف الفلسطيني
واستناداً إلى المسؤول الفلسطيني الكبير، الذي تحدث للأناضول فإن القيادة الفلسطينية، أوضحت للأميركيين أنها تؤمن برؤية "حل الدولتين"، بمعنى أن هناك دولة إسرائيل، وهي قائمة، و"نريد أن تقوم الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
وأضاف: "قلنا إننا نرفض الاستيطان، ونعتبر أن الاستيطان غير شرعي، وإننا على استعداد لإجراء تبادل محدود للغاية للأراضي، بالقيمة والمثل".
وتابع المسؤول الفلسطيني: "ذكّرْنا الجانب الأميركي بمبادرة السلام العربية التي تقول إنه إذا انسحبت إسرائيل من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة عام 1967، وتمت إقامة دولة فلسطينية، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه يستند إلى القرار 194، فإن الدول العربية ستقيم علاقات مع إسرائيل".
الموقف الإسرائيلي
ولم يتضح، ما هي المواقف التي طرحها الجانب الإسرائيلي على الفريق الأميركي.
ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال في أكثر من مناسبة إنه "لا عودة إلى حدود 1967، ولا عودة لأي لاجئ فلسطيني، وإن القدس بشطريها الشرقي والغربي عاصمة لإسرائيل".
كما قال إن إسرائيل "لن تتنازل عن مسؤوليتها الأمنية على كل الأراضي الفلسطينية".
وشدَّد مراراً أيضاً على ضرورة اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية في أي اتفاق.
حل القضايا الكبرى
وفي هذا الصدد، قال كوشنر في ندوة معهد سابان، إن فريقه يحاول التركيز على "حل المشكلة الأكبر"، في الصراع.
وأضاف: "نحن نحاول أن نركز على حل المشكلة الأكبر، وقمنا بالكثير من العمل في هذا المجال، كما تعلمون، يتحدث الناس عن ممارسات بناء الثقة، أنا لا أرى الكثير من الثقة، ولذلك أنا لست متأكداً".
وتابع: "كما تعلمون، يمكنك أن تفعل تدريبات الثقة للسنوات المائة المقبلة. لست متأكداً مما سيحققه هذا الأمر حقاً. يجب أن تركز على حل المشكلة الكبيرة".
خطة أميركية
في نهاية شهر أغسطس/آب الماضي، زار كوشنر مع فريقه الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، وأبلغ الطرفين بأن الولايات المتحدة الأميركية تعكف على صياغة خطة لإعادة تحريك عملية السلام، طالباً من الطرفين الانتظار لعدة أسابيع.
وأعاد الرئيس الأميركي على مسامع الرئيس الفلسطيني عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، في لقاءين منفصلين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي الرسالة ذاتها.
واستناداً إلى المسؤول الفلسطيني، فإن الرئيس الأميركي كرَّر الرسالة ذاتها على مسامع الرئيس الفلسطيني مطلع الشهر الجاري، عندما هاتفه لإبلاغه بقرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما أغضب الفلسطينيين.
وأقر كوشنر في حديثه، خلال الندوة، سالفة الذكر، بوجود خطة دون الكشف عن تفاصيلها.
وقال: "نحن نعلم ما في هذه الخطة، الفلسطينيون يعلمون النقاشات التي أجريناها معهم، والإسرائيليون يعلمون النقاشات التي أجريناها معهم".
لكن المسؤول الفلسطيني، قال إن الولايات المتحدة الأميركية، "لم تطرح على الفلسطينيين أبدا فحوى هذه الخطة".
من جانبه، كشف مصدر دبلوماسي غربي، أن كوشنر طرح بنود الخطة على أطراف إقليمية.
وذكر المصدر للاناضول أن الخطة تتضمن إنشاء "كيان فلسطيني في قطاع غزة والمناطق المصنفة (أ) و(ب) وبعض المناطق المصنفة (ج) في الضفة الغربية، مع سيطرة أمنية إسرائيلية وبقاء المستوطنات على حالها، وتقديم مساعدات مالية كبيرة لتحسين الوضع الاقتصادي الفلسطيني".
أما بخصوص قضايا الحل النهائي (القدس والحدود والمستوطنات واللاجئين والأمن والمياه)، فيقول المصدر الغربي، إن الخطة تنص على تأجيل مناقشتها، بما يقود لاحقاً إلى بعض خطوات التطبيع العربية مع إسرائيل".
وتعقيباً على ما ذكره المصدر الغربي، يؤكد المسؤول الفلسطيني الكبير رفض القيادة الفلسطينية لهذه الخطة، في حال كانت صحيحة.
وقال: "إذا ما كان هذا الكلام صحيحاً فإنه لا يوجد فلسطيني يقبل به، وهو بالتأكيد لا يمثل بأي حال (صفقة قرن) كما كان يقال".
والمناطق (أ) هي الخاضعة للسيطرة الفلسطينية الكاملة، أما المناطق (ب) فتخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية والأمنية الإسرائيلية، في حين أن المناطق (ج) التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية فتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة (مدنياً وأمنياً).
لطمة الاعتراف بالقدس
وفي ظلِّ الحديث عن تقديم خطة لاستئناف المفاوضات، فإن الرئيس الأميركي أقدم على خطوة لم تكن بالحسبان، إذ اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأعلن الشروع في نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
وفي إثر هذا القرار، فقد أوقف الفلسطينيون اتصالاتهم مع الإدارة الأميركية، ورفضوا استقبال نائب الرئيس الأميركي مايك بينس، الذي كان ينوي زيارة المنطقة في العشرين من الشهر الجاري.
وفي كلمة افتتاحية لاجتماع للقيادة الفلسطينية في رام الله، في الثامن عشر من الشهر الجاري، قال الرئيس عباس: "قلنا ونقول إن الولايات المتحدة اختارت ألا تكون وسيطاً بالعملية السياسية، ونحن نرفض أن تكون وسيطاً سياسياً وهي مع إسرائيل وتدعمها وتساندها".
وأضاف: "لا نقبل أن تكون الولايات المتحدة وسيطاً، أو شريكاً في عملية السلام… المجنون لا يقبل بذلك".
وفي هذا الصدد، فقد أوضح نبيل شعث، مستشار الرئيس الفلسطيني للعلاقات الدولية، أن القيادة الفلسطينية لم تقرر مغادرة عملية السلام، وإنما مغادرة الاحتكار الأميركي لما تسميه واشنطن رعايتها لعملية السلام".
وأضاف شعث في تصريح خاص لوكالة الأناضول: "نريد نقل العملية من الرعاية الأميركية إلى الرعاية الدولية".
أما وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، فقد قال في تصريح مكتوب سابق، حصلت الأناضول على نسخة منه: "ما يسمى بصفقة القرن أصبح من الماضي".
وكان مسؤولون فلسطينيون، قد قالوا للأناضول إن الإدارة الأميركية كانت قد وعدت الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، (قبل إعلان ترامب الأخير) بطرح خطة السلام مطلع عام 2018.
وليس ثمة إجابة واضحة، على كيفية تعامل الفلسطينيين والعرب والمسلمين مع الخطة الأميركية، إذا تم طرحها فعلاً مطلع العام الجديد، بدون التراجع عن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.