تسريب فيديوهات جنسية في مصر .. جسد المرأة أداة قمع سياسي
- درج الأحد, 17 فبراير, 2019 - 09:56 مساءً
تسريب فيديوهات جنسية في مصر .. جسد المرأة أداة قمع سياسي

[ تسريب فيديوهات جنسية في مصر : جسد المرأة أداة قمع سياسي ]

هناك مشاهد وإدعاءات لن ينساها المصريون بعد ثورة 25 يناير، بعدما أصبح للشارع المصري دوراً مؤثراً في الدّفة السياسية.. أبرز هذه الادعاءات ما صرح به الفنان المصري طلعت زكريا بعد أسبوعين من انطلاق ثور 25 يناير، وبالتحديد يوم 10 شباط/فبراير 2011 حينما قال في برنامج مع لاعب الكرة والإعلامي أحمد شوبير “ما يحدث في ميدان التحرير الآن طبل وزمر وشباب وبنات ومخدرات وعلاقات جنسية كاملة “.

 

كان لهذه الجملة وقع كبير على عموم المصريين وقتها، بين من بدأ يخاف نزول بناته إلى ميدان التحرير، وبين من أدرك حقيقة ما ترمي إليه تصريحات طلعت زكريا المنقولة من على لسان بعض ضباط الجيش، وهي أن اللعب بورقة الشائعات الجنسية سيتم استغلاله في السياسة، حيث تعد هذه الشائعات الأوقع تأثيراً على المصريين.

 

بعد هذا الواقعة بشهر وبالتحديد يوم 9 آذار/ مارس 2011 تعرضت 17 ناشطة من فتيات ميدان التحرير لواقعة” كشوف العذرية” حيث قامت قوات الجيش باحتجازهن وضربهن وإرغامهن على خلع ملابسهن لإجراء كشف عذرية لهن في غرفة مفتوحة الأبواب والشبابيك. هذه الواقعة روتها اثنتان ممن تعرضن لكشف العذرية داخل السجن الحربي في مصر سارة عبد الرحمن، وسميرة إبراهيم أجمعت كلتيهما على تعمد إذلال أجسادهن بعد إجبارهن على التجرد الكامل من ملابسهن للتأكد من عذريتهن.

 

جاء هذا الإرغام على التعري في محاولة لإذلال الجسد بناء على مواقفهن السياسية، فهذا الجسد ساهم بشكل فعال في زحزحة الوضع السياسي الذي لم يرغب النظام وقتها في العبث بثباته، فجاءت فكرة قمع جسد الأنثى كآلية أكثر حسماً في صراع السياسة، ولتصبحن عبرة لغيرهن ممن يتبنين نفس الموقف السياسي المؤيد للثورة.

 

لم يتوقف قمع الجسد سياسياً عند هذا الحد، بل تم اتهام سارة عبد الرحمن وسميرة إبراهيم وخمسة عشر ناشطة أخرى بتهمة الدعارة، التهمة التي تعد على رأس التهم المنبوذة اجتماعيا، رغم أن مكان القبض عليهن كان من قلب اعتصام 9 اذار/مارس.

 

بعد هذه الواقعة أيضا بدأت تتبلور منهجية التعامل مع الجسد الأنثوي كأداة للتنكيل بالخصوم السياسيين والتلويح بتلفيق قضايا الدعارة للتأثير على الشارع السياسي بصفتها أسهل وأسرع الأبواب.

 

الفيديو الذي كان الغرض منه توجيه صفعة للمخرج خالد يوسف لم يف فقط بغرض الجهة التي سربته بل تمادى ليفسح المجال أمام نقاشات وضعت جسد الفتاتين أمام منصات الرجم الإلكتروني

 

هكذا علق إبراهيم أصلان في كتابه “انطباعات صغيرة حول حادث كبير” على  واقعة “ست البنات” التي رآها كل المصريين على صفحات الجرائد وبالأخص في الصفحة الرئيسية لجريدة “المصري اليوم” منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر عام 2011لفتاة نزع عنها بعض أفراد الجيش ملابسها أثناء فض اعتصام بشارع القصر العيني، وتم ركلها في صدرها بحذاء العساكر.. كانت هذه أول واقعة علنية يراها الجميع لممارسة الجيش التنكيل بالجسد الأنثوي خارج جدران السجون الحربية. تحولت طريقة القمع هذه وقتها إلى إدانة واضحة للجيش مما أرغم أحد الألوية على الخروج والاعتذار، رغم كل محاولات بعض منافذ الاعلام وقتها إدانة الفتاة لأنها لم تكن ترتدي مزيداً من الملابس تحت عباءتها! ” وراجت عبارة “إيه اللي وداها هناك” على لسان عدد كبير من الاعلاميين والمؤيدين للنظام وقتها. العبارة نفسها ترددت بشكل ساخر من الطرف المؤيد للثورة والتغيير للتهكم من أساليب الغرض منها التخويف من النزول والتضامن”هناك” حيث يتم انتهاك الجسد.

 

ولأن جسد”ست البنات” كان في سياق جمعي ضمن تظاهرات وفي مقابلهم قوات قمع التظاهرات فهو بالتالي كان في بيئة صالحة لما أسمته نورا أمين في كتابها “تهجير المؤنث” بمصطلح “عراك الدلالات” ، وهو المصطلح الأكثر بلاغة في التعبير عن هذا الصراع القائم على أرض السياسة والحياة الاجتماعية بين الجسد الأنثوي والخصم السياسي، وهو عراك يسهل فيه البطش بالأنثى من خلال جسدها المحمل بالدلالات والمعركة تحسم لصالح الباطش المحمل بالدلالات المضادة ولأن الجسد الأنثوي لازال في الثقافة العربية والمصرية سهل إلصاق العار به فإن إلحاق الهزيمة به تعد سهلة ويسيرة.

 

إن تتبعنا سلسلة هذه الوقائع الشبيهة لن ننتهي، لكن مؤخراً يبدو أن اللعب على مسألة الجسد الأنثوي واستخدامه كأداة سياسية للتنكيل بالخصوم قد اتخذت منحى آخر، فلم تعد الشائعات مقنعة ولا تلفيق قضايا الدعارة على الورق كافية للتنكيل بالخصم، بل بات اللجوء إلى التسريبات المتعلقة بالفضائح الجنسية كمناورة جديدة لها فاعليتها الناجعة، خاصة إذا ارتبطت الشائعة بصورة أو بفيديو.

 

ففي عام 2014 عرضت النيابة أثناء محاكمة الناشط السياسي المصري علاء عبد الفتاح فيديو لزوجته وهي ترقص داخل حفل أسري خاص. الفيديو تم عرضه على شاشة داخل المحكمة في انتهاك واضح للحرية الشخصية والعائلية ، ورغم أن النيابة زعمت عرض هذا الفيديو كدليل إدانة ضد علاء عبد الفتاح، إلا أن السبب الرئيسي غير المعلن لعرضه هو الرغبة في  تلطيخ سمعة الناشط السياسي جماهيرياً وليس هو وحده بل كل نشطاء يناير.

 

التعامل مع جسد الأنثى وهي ترقص كذريعة لإلصاق العار ليس غريبًا، لا على السلطة السياسية، ولا على شريحة عريضة من المجتمع، فهذا الجسد الراقص يبدو منفلتًا من حالة التكيف التي يرغب النظام المتغلغل سياسيًا واجتماعيًا في فرضها، ويرغب في فرض حالة من الانضباط، ومن يتجرأ على الخروج عن سياق هذا الانضباط حتى لو كان هذا الخروج داخل المساحة الشخصية، وليس في المجال العمومي سيلاحقهم التهميش والتنكيل والنبذ السياسي.

 

مؤخراً ومع تصاعد وتيرة الجدل بخصوص التعديلات الدستورية المصرية ونية السيسي مد فترة رئاسته ظهر عدد من الأسماء والتصريحات للنائبين البرلمانيين خالد يوسف وهيثم الحريري، ترفض التعديلات الدستورية. وتوقع المتابعون لسياق التعامل مع المعارضين في مصر أن يتم قمع النواب المعارضين بطريقة ما، ولأن للنواب حصانة فكانت فكرة اعتقالهم مستبعدة حتى أتت طريقة الرد التي خلفت الجميع في حالة من الصدمة.

 

تم تسريب مكالمة تليفونية خاصة لهيثم الحريري مع امرأة متزوجة، ثم تسريب فيديو جنسي لخالد يوسف يجمعه مع فتاتين. الفيديو تم رفعه على أحد المواقع الإباحية وتم تداوله على مستوى واسع وعرض الاعلامي أحمد موسى صورا منه مما جعله حديث الساعة اعلامياً وفي السوشيال ميديا وفي الشارع.

 

هذا الفيديو الذي كان الغرض منه توجيه صفعة للمخرج خالد يوسف لم يف فقط بغرض الجهة التي سربته بل تمادى ليفسح المجال أمام نقاشات وضعت جسد الفتاتين أمام منصات الرجم الإلكتروني بعدما انتقل الجسد هنا من المجال الفردي الشخصي إلى المجال العمومي وباتت الاسقاطات الممارسة عليه أهم نظريا من فعل الممارسة الجنسية.       

 

أبرز هذه الاسقاطات ظهرت في رغبة السلطة ومن يمثلها في فرض حالة من التربية للجسد الأنثوي وكأن هناك رسالة واضحة ينبغي على هذا الجسد الأنثوي الالتزام بها، فالجسد الأنثوي لا ينبغي أن يطمح إلى أن يكون أكثر ليبرالية كجسد الذكر.

 

كما أن التركيز الجماهيري على الجسد الأنثوي داخل الفيديو أكثر من الجسد المذكر له تفسيره لدى نورا أمين في كتابها تهجير المؤنث والتي ترى أن ردود الأفعال العامة للجسد الأنثوي تختلف جذرياً عن ردود الأفعال حيال الجسد الذكوري. قد يكون الحكم على الجسد الأنثوي مصدراً للمضاربات وللتفاوض بالمقارنة بتقييم الجسد الذكوري”.

 

مستوى التداول الجماهيري سواء للفيديو أو للموضوع في حد ذاته جاء كنوع من الإشباع لحالة الوصائية المترسخة لدى الجماهير، وهذه الوصاية أخذت أكثر من منحى منه اللفظي والمعنوي والاعتداء المادي..

 

روت احدى ضحايا فيديو خالد يوسف المسرب أنها وأهلها تعرضوا لهجوم من أهالي المنطقة التي يقطنوها كما تعرضت سياراتهم للتهشيم وتم فصل شقيقها من عمله واضطرت الأسرة بكاملها إلى تغيير محل سكنها حتى يتجنبوا المزيد من الاعتداء. 

 

فيديو خالد يوسف وتسريبه كان مساحة ثرية استطاعت من خلالها السلطة إنجاح عملية البطش بأحد خصومها من خلال دغدغة مشاعر الجماهير الأخلاقية باعتبارها القوة العظمى الأكثر عنادا في المحافظة على التقاليد.     


التعليقات