المسرح البلدي.. رمز حرية التعبير في تونس
- الأناضول الجمعة, 15 ديسمبر, 2023 - 03:29 مساءً
المسرح البلدي.. رمز حرية التعبير في تونس

لو عاد بنا الزمن إلى العهود القديمة لقلنا إننا داخل "الأغورا" (ساحة) في أثينا، حيث يتحدث الفلاسفة وأهل السياسة والحكماء في شؤون المدينة.

 

لكننا حقيقة في مدارج المسرح البلدي بتونس العاصمة، الذي شيّده المهندس المعماري الفرنسي جان إميل رسبلندي في عام 1902.

 

فهذه المدارج الجميلة، المفتوحة على شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، تحولت إلى منبر لخطابات زعماء السياسة وقادة التحركات الاحتجاجية الاجتماعية.

 

**مربع الحرية

 

وائل نوّار، عضو مؤسس في مجموعة "قاوم" من أجل بديل اشتراكي (يسار) قال لمراسل الأناضول على مدارج المسرح البلدي: "يمكن أنا أكثر شخص أتى إلى هذا المكان مع مجموعة من الرفاق للقيام بتحركات في مواضيع مختلفة".

 

وأوضح: "علاقتي بمدارج المسرح كانت في مرحلتين، الأولى مرحلة افتتاك (الحصول على) مربع الحرية وبدأت في عهد بن علي".

 

في 14 يناير/ كانون الثاني 2011، أطاحت ثورة شعبية بالرئيس التونسي آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011)، وامتدت الاحتجاجات إلى دول عربية أخرى، فأسقطت الأنظمة الحاكمة في مصر وليبيا واليمن.

 

نوّار تابع: "كان حلمنا أن نوصل المسيرات إلى شارع الحبيب بورقيبة. نقف على مدرجات هذا المسرح الكبير لنقول إننا ضد بن علي ومع الحرية والديمقراطية. ونجحنا في بعض المسيرات الكبيرة، ولكن عموما لا يتركوننا ندخل شارع الحبيب بورقيبة".

 

وعن المرحلة الثانية، قال: "بعدها جاءت الثورة ودخل كل الشعب التونسي إلى شارع بورقيبة أمام (وزارة) الداخلية وأمام المسرح، وأصبح رمزا لمربع الحرية، ومن هنا أتت رمزية المسرح".

 

وأردف نوّار أن "التحركات في الأحياء الشعبية ومطالب تجريم التطبيع (مع إسرائيل) والعدالة والكرامة كل المطالب تُطرح هنا، وكان الناس يأتون من الأحياء الشعبية ومن كل مكان إلى قلب المدينة ليقولوا هذه مطالبنا".

 

**احتفالات واحتجاجات

 

"المسرح هو مكان رمزي بالنسبة لنا".. هكذا بدأ وسيم بن مسعود، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للطلبة (نقابة خاصة)، حديثه للأناضول.

 

وتابع: "نحن كاتحاد وكطلبة جميعا بعد الثورة التونسية اعتدنا كل سنة الاحتفال في هذا المكان بعد خروج نتائج الانتخابات الطلابية".

 

بن مسعود أضاف أن "الاتحاد وجميع المنظمات الطلابية تنزل إلى هذه المدارج للاحتفال بانتصار نقابي أو الفوز بنتائج انتخابات المجالس العلمية أو للاحتجاج، وهو المكان الرمزي وسط شارع الثورة (الحبيب بورقيبة)".

 

وزاد قائلا: "نحتفل بانتصاراتنا الدائمة في انتخابات المجالس العلمية منذ 10 سنوات هنا".

 

**منصة للخطابة

 

أما عبد الرؤوف بالي، عضو نقابة الصحفيين التونسيين السابق، فقال إن "هذه الظاهرة انطلقت منذ يناير 2011، وفي السابق كان ممنوع التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة".

 

وشدد بالي، في حديث مع الأناضول، على أن كل التظاهرات في زمن بن علي، التي أرادت الوصول لشارع الحبيب بورقيبة، تم "الاعتداء عليها".

 

وتابع: "ما بعد 14 يناير 2011، أصبح شارع الحبيب بورقيبة هو الشارع الرمز في تونس للتحركات الاجتماعية، وبالخصوص مدارج المسرح البلدي التي تحولت إلى منصة للخطابة".

 

بالي أردف: "كل قيادات التحركات السياسية والاجتماعية وحتى الفنية والثقافية أصبحت تحركاتها مركزة على تخصيص حيز كبير لمدارج المسرح البلدي، خاصة عندما تكون هناك خطب أو تجمعات لرفع شعارات معينة".

 

وأردف: "طيلة 13 سنة، تحصّل المسرح البلدي على تلك الرمزية، حيث إنه في أغلب الأحداث لا نتحدث عن الشارع الرمز، شارع الثورة أو شارع الحبيب بورقيبة، بل أصبحنا نتحدث عن المسرح البلدي ومدارج المسرح البلدي".

 

ومضى قائلا: "نحن بصد خلق رمزية جديدة لهذا الفضاء، حيث خرج من طابعه الثقافي الذي بُني من أجله وأصبح رمزا سياسيا والشعار الأبرز لكل التحركات الاجتماعية والسياسية في تونس".

 

**تضامن مع فلسطين

 

مشاركا بالي الرأي بشأن المسرح البلدي، قال بن مسعود إنه "منبر الجماهير بصفة عامة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، والاتحاد (العام للطلبة) دائما يوجد هنا مثل كل المنظمات الأخرى، وهذا يمثل رمز الحرية بالإضافة إلى رمزيته للفن كمسرح".

 

وأضاف أن "الجميع الآن ينزل إلى المسرح البلدي للتضامن مع القضية الفلسطينية".

 

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين أول الماضي يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة خلّفت حتى الخميس 18 ألفا و787 شهيدا و50 ألفا و897 مصابا، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب مصادر فلسطينية وأممية

 

وبالنسبة لتركز التحركات المؤيدة للشعب الفلسطيني في مدارج المسرح البلدي، قال بالي: "للأسف هذا صحيح، فمن المفترض أن التظاهرات الداعمة لفلسطين والمناهضة للجرائم الصهيونية في غزة، تتجه إلى السفارات الداعمة لهذا الكيان (إسرائيل) والمشاركة في تلك الجرائم، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.. وسفارة فرنسا لا تبتعد كثيرا عن مكان المسرح البلدي".

 

واستدرك: "لكن الشباب أحيانا فرض (تمكن من) التوجه إلى السفارة الفرنسية والسفارة الأمريكية، في غياب دعوة من أغلب الأحزاب إلى التوجه للتظاهر أمام السفارات".

 

**منبر تحت الرقابة

 

وبحسب نوّار، فإنه "للأسف المسرح مثل أشياء أخرى، تم ابتلاعه من المنظومة التي سمّت نفسها منظومة الانتقال الديمقراطي وأصبح مجرد منبر متحكم فيه".

 

وتابع: "تجد فيه أنصار (حزب) الحرية والعدالة والاشتراكية وأنصار التطرف والديكتاتورية والعمالة، وبالتالي فقد رمزيته، وتحول إلى مربع متحكم فيه وصورة تريد المنظومة تصنعها لتقول أنا ديمقراطية".

 

"ولو تقوم بتصوير محيط ساحة المسرح البلدي، ستجد حواجز حديدية هنا وهناك ورجال أمن في كل مكان وكاميرات في كل زاوية.. أصبح مكان تشعر فيه بالاختناق ومتحكم فيه (...) وكأنهم يريدون عزل السياسيين عن الشعب"، وفقا لنوّار.

 

وأردف: "نحن في" قاوم" أصبحنا في المدة الأخيرة نعمل على تكسير هذا الحاجز وأن نعود بالتحركات إلى الأحياء الشعبية والمناطق الداخلية، وإن جئنا إلى شارع بورقيبة نحاول التوجّه إلى سفارة فرنسا وليس إلى مدارج المسرح.. ذهبنا للاحتجاج أمام السفارات والشركات والوزارات".

 

**لا يزال جذابا

 

لكن بن مسعود اختلف مع نوّار بقوله: "لا تزال لمدرجات المسرح البلدي جاذبية وشاهدنا خلال العدوان الإجرامي الصهيوني الإرهابي على إخوتنا في غزة أن كل الاحتجاجات التلميذية والطلابية والعمالية والسياسية، وحتى التي لا تؤطرها أي جهة، تقصد المسرح البلدي".

 

غير أن نوّار رأى أن "كثيرا من الناس يأتون إلى المسرح لتلك الجاذية، ولا يزالون يعتبرونه رمز الحرية والثورية ومكان التقاء الجميع، ولكن هناك أناس آخرون يرونه منطقة مرفهة للممارسة السياسية الآمنة والخطاب الاستعراضي".

 

وختم بأنه "إلى حد الآن يجذب المسرح المسيرات الطلابية، وإلى حد اللحظة لو يقع حدث قوي في تونس يتطلب الاحتجاج، سيجتمع الجميع في المسرح البلدي الذي تحوّل إلى نقطة جذب".


التعليقات