قصة ثأر بين قبيلتين أكلت الأخضر واليابس
العدين.. مدينة مليئة بالشجن المتخفي وراء لعلعة الرصاص
- محمد عبده الشجاع الإثنين, 09 أبريل, 2018 - 07:03 مساءً
العدين.. مدينة مليئة بالشجن المتخفي وراء لعلعة الرصاص

[ اشتهرت العدين بمقوماتها الطبيعية ]

ظلت العدين مثل كثير من المديريات والمناطق اليمنية، تعج بالسلام والسكينة، وحركة الناس، إلا من "شرائع" بين الورثة على الأرض وبعض الحوادث العابرة، وعساكر معتقين تكيفوا مع واقع مليء بمتناقضات كانوا جزءًا فاعلاً في صناعتها، وظلت الشريان الأقوى على دفع الدم إلى قلب المحافظة صعوداً وهبوطا.

تم تقسيمها في العقدين الأخيرين إلى أربع مديريات: "العدين، الحزم، مذيخرة، الفرع" وقد عانت العديد من القرى في هذه المديريات خلال العقود الماضية، ابتداءً من حروب المناطق الوسطى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، بين الجبهة الوطنية المدعومة من نظام الجنوب من جهة، والجبهة الإسلامية والدولة من جهة أخرى.

كما عانت نقصاً في الخدمات، وشحة في المياه، وحالات الفقر، والخدمات الصحية، ووعورة الطرق، وبالمقابل كان هناك حراك لا أقول محدوداً، وإنما بطيء، سواء من قبل الدولة أو المنظمات، ومؤخراً كانت هناك العديد من المشاريع الخدمية تنتظر بدء العمل، والبعض ينتظر استكماله، غير أن تسارع الأحداث ودخول اليمن "معترك راهن" ليس له أفق، أدى إلى توقف كل شيء.

المغتربون والوطن

برغم كل شيء، فقد أظهر المغتربون وبعض الشخصيات تفاعلاً غير عادي، ابتداءً من عمل صناديق خيرية لرصف مسافات مهمة من الطرق الوعرة، والتكفل برواتب المدرسين في بعض المدارس مؤخراً، وتوزيع السلال الغذائية للحالات المعسرة، ودعم وتشجيع فئة واسعة من الطلاب، في مراحل أساسية وجامعية.

دور المنظمات المرتبطة بالإغاثة فشل جزئي

خلال الثلاثة الأعوام الأخيرة، فشلت المنظمات في تغطية حاجات الناس مقابل ما يعلن عنه من كميات هائلة وضخمة من السلال الغذائية، وبحكم قربها من ميناء الحديدة؛ الذي يستقبل معظم إن لم يكن كل المعونات التي تأتي من الخارج، والذي تم إحراق مخازنه خلال الأسبوع الماضي، بفعل فاعل بالتأكيد، وتغطية لفساد بلغ عنان السماء.

هذه المديريات بقدر ما ارتبطت بالتفاعل الديمقراطي منذ الثمانينيات، حيث "انتخابات المجالس المحلية"، ثم بعد قيام الوحدة، وحرب الخليج الأولى بدأت "الانتخابات النيابية"، ثم  "الرئاسية"، إلا أن البيئة ظلت مرتبطة بالمشيخ، أياً كان ومن أي حزب، وبعضو مجلس النواب، مع بعض الصلاحيات التي بدأت تشكل حالة من حالات المدنية.

تم تعيين عبد القادر هلال محافظاً للمحافظة مع مطلع الألفية، قبل أن يصبح محافظاً لـ"حضرموت"، ثم يعود إلى صنعاء؛ ليلقى حتفه من قبل طيران التحالف السعودي في الصالة الكبرى، مع مئات من الحاضرين في عزاء وفاة والد وزير الداخلية قبل عامين، في سابقة خطيرة تجاوزت كل أعراف الحروب.

تجرأ "هلال" وقام بحبس الشخصية الأبرز على مستوى المحافظة، والشيخ الأول في مديرية العدين، صادق بن علي محسن باشا، الذي أبدى تجاوباً مع الأمر يومها، كأي مواطن يخضع لقوانين الدولة، وهو تصرف لا يقدم عليه إلا شخص له باع طويل وخبرة في الحياة.

كان التعامل بهدوء كفيلاً بأن يأخذ الحدث طابع الدبلوماسية، وتم تسوية الأمر، لكنها كانت سابقة في نظر البعض، وقراراً شجاعاً لم يقدم عليه أحد، منذ تولي الرئيس علي عبدالله صالح الرئاسة نهاية السبعينيات، أو قل منذ توقف الصراع بين الجمهوريين والملكيين، وصعود عبد الله السلال، أول رئيس للجمهورية بعد الثورة، ومن ثم عبد الرحمن الإرياني إلى سدة الحكم، باستثناء يحيى المتوكل الذي توفي في إحدى حوادث السير، والذي حاول أيضا إزاحة دور المشيخ عن المشهد، قبل أن يتم إبعاده هو الآخر من على رأس محافظة "إب"، بطلب من الشيخ  محمد أحمد منصور، مستغلاً زيارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كما تقول الرواية.

فبعد أن ألقى قصيدته في مدح زايد، قام هذا الأخير بنزع ساعته وتقديمها كهدية، إلا أنه رفضها طالبا منه رأس "المتوكل".

محمد أحمد منصور، الرجل الذي ارتبط اسمه "بالشِّعر والأدب" من جهة، والعنجهية والبطش من جهة أخرى، متفوقاً على أقرانه من المشايخ  في المجالين، في إطار المحافظة، قبل أن تقود الحائزة على جائزة "نوبل للسلام" فيما بعد توكل كرمان حملة ضده وضد تسلطه، فبدأ الإعلام يسلط الأضواء على هذا الحدث كقضية "رأي عام"، وبكثافة، ليعقبها بعد ذلك أحداث الربيع العربي،لذا تعتبر خيمة "مهجري منطقة الجعاشن" التابعة إدارياً لمديرية "السياني"، والتي نُصبت قرب "الجامعة الجديدة" هي؛ "النواة" الأولى لبدء الاعتصامات في الشوارع والأحياء.

كانت المطالب مشروعة، وإن أخذت طابعاً سياسياً، وصدىً واسعاً في الإعلام اليمني والعربي، ولدى المنظمات، قبل أن يتم تسوية الأمر جزئياً، حتى حل "الربيع العربي"، ومن المفارقة أن ابن الشيخ محمد أحمد منصور كان من أوائل الذين نزلوا إلى الساحة وانظم إلى صفوف الثوار، بل وبدأ بتشكيل حزباً سياسياً جديداً يضم العديد من الشخصيات "المعتقة" بالفساد والعمر الوظيفي، أبرزهم عبد الملك السياني أحد وزراء الدفاع في عهد صالح، وأبرز من عقدوا صفقات السلاح مع الدول والشركات حينها، رغم أنه وعلى لسان الكثير من المتابعين، كان الأولى به أن يثور على أبيه أولاً، ويصحح مساره وتاريخه.

كما أنه كان يومها متهماً بقضايا فساد في "مصنع البرح"، على اعتبار أنه كان المدير العام للمصنع، وقد أثيرت ضجة حول ذلك انتهت بالصمت.

الطبيعة والإنسان

تميزت العدين، بزراعة بعض المحاصيل التي بدأت منذ عقود بالتلاشي التدريجي والاختفاء، ولعل أهم هذه المحاصيل شجرة "البن" التي تعد من أجود أنواع البن على مستوى اليمن، حتى إنها كانت الأولى بحسب الرحالة والمؤرخين، أو على درجة متقاربة مع أفضل أجود البن في مناطق اليمن "أوصاب، وريمة، وبني حماد، وبني مطر".

يقول المواطن محمد محمد المواز "خلال السنوات الأخيرة، عمد الكثير من الرعية إلى اقتلاع قصب السكر، والبن، والاستغناء عن معظم الفواكه والخضروات، واستبدلوها بشجرة القات"، ثم يضيف قائلاً: "إنه لشيء مؤسف ومحزن ووجع كبير أن يحدث ذلك على مرأى ومسمع".

تمتلك المديرية مقومات سياحية فريدة، فتوجد فيها الينابيع الحارة والباردة، والتي كانت مصيفا سنويا، ووجهة يرتادها الناس رجالاً ونساء، في أوقات محدودة، تأتي مع نهاية موسم الحصاد، وكانت تأتي كتكليل لجهود عام كامل من العمل والمثابرة، وكانت تأخذ طابعاً أريحياً يميل إلى النقاهة، وشيء من التعبير عن المحبة، خارج إطار الروتين اليومي، بين الزوج وزوجته.

كما أن بها غابات صغيرة، والتي من خلالها تم إعلان منطقة "عنة" محمية طبيعية، تمتد حتى تخوم مدينة "زبيد" التاريخية أو تهامة عامة، وتم ذلك بعد نزول ميداني، ورفع تقارير عديدة دفعت باتجاه اعتمادها محمية، وكانت نقطة جيدة ورد اعتبار للأماكن التي تستحق الحماية، وهي فكرة قديمة جديدة، بدأت مع الرئيس الراحل إبراهيم محمد الحمدي.

اليوم وبعد أن بدأ مركز المديرية بالتوسع الذي تتخلله العشوائية، تم قطع واقتلاع بعض الأشجار، أهمها شجر الحُمَرْ "التمر الهندي" والمعروفة بـ"حمرة الأعروش" وتعتبر هذه الأشجار جزءًا من المحميات، وإن كانت بعيدة قليلاً عن المحمية الرئيسية، ومن المعالم التي تميزت بها المنطقة، ناهيك عن أنها أشجار معمرة، بعضها يتجاوز السبعة قرون.

كان يستظل تحتها المسافرون والرحالة، وكانت حتى فترة قريبة، مجلس يجتمع فيه الأعيان لحل بعض القضايا الاجتماعية، والصلح بين الناس، وتعتبر من الأشجار المشاعة منذ فترة وليست مملوكة لأحد، وحتى ثمارها، فهي تقع في "مشرب الراعي" كما يسمى في "العرف الشرعي".

لكن يبدو أن أولاد المغربي وورثته، وابرزهم مدير الناحية عباس محمد، وأولاد "أبو زيد"، هم من قاموا بقطع تلك الشجرة، أو سمحوا بذلك، كونها تقع على طرف المشرب، في أسفل "جبل الصبايح" الذي هو ملك ورثة المغربي أنفسهم.

شواهد لا تتوقف

لا يتوقف الأمر عند لحظة معينة، فقد ظل وادي "عَنَّة" ووادي "الدور" نسبة إلى عصفور الدوري ربما، ظلا شاهدين على تلك البيئة والطبيعية الخلابة، التي تصبح جنة لا نظير لها في فصل الصيف، من زقزقة العصافير، وتنوع في الأشجار المثمرة والغير مثمرة، كالجوافة والمانجا، وغيره من الخضروات والفواكه.

لكنها مثل غيرها من القيعان والمدرجات، التي تعرضت لكثير من التصحر وزحف شجرة القات، لتنطبق الآية الكريمة هنا والتي جاءت بصيغة التساؤل: "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير"؟.

العدين اليوم

اليوم لم تختفِ زقزقة العصافير، ولا انقطع خرير الماء، ولا خفت صوت البتول، ولا تلاشى السلام، ولا توقفت هذه الجغرافيا عن رفد المشهد بالمبدعين، في كل المجالات، فأينما توجهت وجدت الكاتب والشاعر والثائر، والمثابر، والإعلامي، والفنان، والزاهد، والتربوي، والفلاح، والطبيب، والقاضي، والسياسي، لكن المؤسف له حقا؛ هو انبعاث روائح البارود، وسقوط الأرواح بالعشرات، وفرض الفكر الحوثي، ونشره بين الناس، عن طريق دورات ثقافية، ودواعٍ أمنية، وكأننا أمام دين جديد ودعوة أجد.

صوت الرصاص وحرائق البارود

عمت الفوضى أرجاء المديرية وما حولها من مناطق وقرى، تفاقم الأمر مع انسلاخ جسد الدولة؛ باجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء ووصولهم حتى عدن.

اتسعت الشكوى ضد بعض مدراء الأمن الذين تعاقبوا على هذه المديرية، وأصبح اليوم الأمر معقداً جداً، فقد عادت النقاط المليشاوية إلى القرى تحت "ذريعة" حفظ الأمن واستقراره من الدواعش والقاعدة والمرتزقة.

وبدأت جماعة الحوثي تستقطب بعض الشباب إلى مراكزها الثقافية مستغلة فراغاً شاسعاً في بنية المجتمع بسبب الفوضى والانفلات، وتطلب من بعض الوجاهات القديم منها، والصاعدة أو الناشئة؛ رفد الجبهات بالمقاتلين، والقوافل الغذائية، برغم أن هناك أسرًا لا تجد ما تسد به الرمق.

مشكلة المشاكل آل الحذيفي وآل الحاتمي

بين 2010م و2011م وبعد مشوار طويل من الصراع الخفي تارة، والمعلن تارة أخرى، نشبت الأحداث بين الأسرتين، بدأت على "مشرب"، والحقيقة لم يكن هذا المشرب أو طريق السيل إلا سبباً متأخراً، فكل شيء كان يختمر بانتظار الانفجار الكبير، كما يسميه الفيزيائيون، فقد سبق هذا أحداثا عديدة ساعدت على خروج الصراع إلى العلن.

خاصة وأن جيلاً جديداً نشأ على قصص وحكايات قديمة، جيل متحمس للثأر والظهور من الطرفين، دون عمل أي حساب للعواقب.

تجذير المشكلة

يرجع البعض أن سبب الخلاف قديم جداً، لكنه ظل خفياً قبل أن يظهر إلى السطح بكارثة من الضحايا الذين لا ذنب لهم إلا "الانتماء" لهاتين الأسرتين، ومن أجل تجذير القضية، ومعرفة أسباب النزاع، تعتقد أسرة الحاتمي أن أسرة الحذيفي استطاعت بعد فترة وجيزة من وصولها من خارج المنطقة؛ الاندماج مع المجتمع، وبدأت المصاهرة بينهم والأنساب، وبدؤوا بالسيطرة على الأرض، بطرق شرعية وغير شرعية، وكل تلك التكهنات ظلت محكاً، وسبباً يبرز مع أبسط خلاف.

غير أن المنطق والعقل يقولان، بأن هذا ليس مبرراً كافياً إن صح، لإقامة حرباً ظروساً لا تبقي ولا تذر، فمن المعروف أن معظم الأسر اليمنية لم تستقر في مكان واحد، لسبب أو لآخر، وأن هناك الكثير ممن يطلق عليهم "بالنقائل".

على سبيل المثال محافظة "إب" فيها العديد من الأسر التي جاءت من محافظات أخرى، وكذلك "المحويت" و"تعز"، والحال ينطبق على معظم المناطق والمحافظات.

كانت الدولة حاضرة، والمشايخ أيضا؛ لحل أي خلاف، وكان التقاعس والتعصب حاضراً أيضا لطرف ما على حساب الآخر، سواء من المشيخ أو الدولة، وهذا ما يُحدث فجوة دائمة في حل النزاعات بصورة سريعة.

بين عامي 2010 و 2011 تم التدشين، سقط شاب من أسرة الحاتمي شبه ميت، لفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى، إثر تعرضه لصعقة تيار الكهرباء العمومي، الذي تم توصيله إلى المنطقة حديثاً، فتم اتهام أحد الخصوم من الطرف الآخر بأنه من دفعه للصعود لإصلاح التيار؛ مع سبق الإصرار والترصد، وأنها كانت حيلة منه كونهم كانوا على خلاف، وأنه كان على علم بأن تيار الكهرباء العمومي موصل حينها.

تم الاستجواب وسماع شهادة الشهود، فأدلى أحد الشهود من آل حاتم وهو تاجر كبير في السن، لديه دكان مواد غذائية، مؤكداً أن المتهم كان يعلم بأن التيار الكهربائي يعمل وقد دفع به قاصداً القضاء عليه.

ظلت النفوس مشحونة حتى جاء الوقت المناسب، مر المتهم بسيارته ذاهباً لإسعاف أحد أقربائه فوجد الرجل الذي شهد ضده يحفر طريقا للسيل تجاه أرضه، نزل من السيارة معترضاً وحدث بينهم ما حدث، حتى النساء شاركن في الاشتباك.

بعدها عاد المتهم للانتقام ومعه مجموعة من الناس الذين حشدهم، قام بإطلاق النار بكثافة على منزل التاجر الحاتمي، والذي كان غائباً حينها، وقام بإحراق الدكان بما فيه من بضاعة، وأنابيب غاز، ودفاتر الديون التي كانت لدى الناس منذ سنوات.

وهنا تصاعدت حدة المشكلة، تدخل بعض المصلحين المناصرين لآل حاتم قادمين من منطقة "نهم" في محافظة صنعاء، إلا أن آل الحذيفي وبمجرد وصولهم قاموا بإطلاق النار على بيوت الحتيمة، وقيل إنه كان قد تم عمل صلح على إثره يتم تعويض التاجر بمبلغ مناسب، وإنهاء المشكلة، وتم التوقيع على حكم الصلح، إلا أن ذلك فشل تماماً.

صادف بعدها موت عضو مجلس النواب الشيخ محمد حمود الحذيفي، المرشح عن الدائرة "98"، وهو من الشخصيات ذات المواقف الشجاعة والإنسانية، والذي امتاز بالبساطة والتواضع، والحكمة، و تبعه موت الشيخ مكين عبد الواحد الحذيفي في حادث سير، وهو عضو المجلس المحلي عن المنطقة التي نشبت فيها الخلافات "رُمُاضة".

بدأ الحشد للرجال والسلاح وتم الاستعانة بالأنساب من كلا الطرفين، وخسر الطرفان أموالاً طائلة، وأرواحاً كثيرة سنذكرها لاحقاً، بلغ عدد القتلى من آل حاتم أربعة حتى ذلك الحين، ولا أحد سقط من الطرف الآخر (مشايخ آل الحذيفي)، وكان يمكن احتواء الأمر حتى بعد هذا العدد من القتلى.

بعد ذلك أخذ الحدث منعطفاً أخطر، وبدأ التحشيد، تساقطت الأرواح من الطرفين ليتجاوز عدد الذين سقطوا أكثر من 15 قتيلاً وعشرات المصابين، من الأطفال والنساء والشيوخ، كل ذلك كان بصورة متفرقة وخلال سبع سنوات متتالية.

وبدأ تخريب المنازل، واشتغلت القناصة، والكلاشينكوف، والرشاش 12 سبعة، وردمت الآبار، وحُجرت الأرض، وانقطعت السبل، واعتُرض طريق النساء والأطفال، كان آخرها احتجاز أشخاص من أسرة الحذيفي ثوراً يتبع أحد الفلاحين الذي لا علاقة له بالجميع، بحجة أن أحد أبناء الرجل استخدم سيارته لإسعاف أحد الجرحى، كذلك تم إصابة إحدى النساء إصابة بالغة بطلقة قناصة، كل ذلك كان في غياب الدولة تماماً إلا من إجراءات روتينية لا ترقى أبداً.

فبعد أن توفي الشاب فايز عبدالقوي لطف الحاتمي، تم القبض على المتهم بأنه وراء موته وإيداعه السجن، ظلت القضية في المحافظة دون حلها حلاً جذرياً، ولم تتكلل بالنجاح، ومن تحكيم إلى آخر، تدخل  وكيل محافظة تعز حينها (ع ق أبو حاتم)، والشيخ (ج ص ب)، توصلوا إلى هدنة أكثر من مرة بجهود بعض الذين يريدون إيقاف هذا العبث، إلا أنه وفي كل مرة يتم اختراق الهدنة من أحد الطرفين، ليعود مسلسل القتل من جديد.

خلاصة المعارك قتلى بالجملة

قتل عبدالكريم أمين علي ياسين الحاتمي بعد هدنة لم تستمر طويلاً، فاشتعلت الفتنة من جديد، وتم تبادل إطلاق النار وأصيبت العشرات من النساء، ثم قتل الطفل قصى عبدالحافظ الحاتمي، وتدخل بعض المشايخ تم عمل هدنه لمدة سنة كي تهدا النفوس، ليتم بعدها حل المشكله، لكن طرفي النزاع أفشلاها.

قتل عبدالملك خالد الحذيفي، فتجمع آل الحذيفي من جديد للثأر، بمساندة بعض الأطراف والأشخاص من مناطق أخرى، وبدأت عملية التهجير، والاشتباكات العنيفة، من الطرفين، وتم استخدام أنواع الأسلحة، وبكثافة عالية توحي بأنك في الحرب العالمية الثانية.

زاد الأمر سوءا، قتل بعدها وفي يوم "عيد الأضحى" الشاب عبدالحافظ عبدالله قاسم الحاتمي ثم تبعه قايد بن قايد الحاتمي، وتم السعي للصلح من جديد خارج الوطن وتحديداً في "الرياض"، وبحضور الشيخ الدعام والقاضي حمود الهتار، إلا أن صيغة الصلح لم تكن مناسبة، تم تأجيل الأمر لإعادة النقاش، وصياغة نقاط الحكم من جديد، غير أنه في اليوم التالي تم قتل محمد بن محمد عبدالواحد الحذيفي، واشتعلت الحرب من جديد أيضاً، ومن جديد تم عمل صلح وهدنة، وحدد وقت لتنفيذ البنود.

تم دفن القتيل قايد بن قايد، بالمقابل تم التقطع للجنة المنفذة للحكم، حتى أصبح التحكيم والمحكمين غير قادرين على تنفيذ أي بند، ففي ثاني يوم عيد الفطر  قتل عبدالواحد مكين الحذيفي وتبعه أحمد مكين الحذيفي ثم بن فيصل محمد هزاع الحذيفي.

تتابع سقوط الضحايا فكان التالي مهيب علي عبده الحاتمي ثم ماجد نجيب الحذيفي ثم علي قاسم غالب الحاتمي ثم نجيب مارش الحذيفي ثم بليغ حمود الحاتمي، وهذا الأخير تم  تصفيته ذبحاً ولما أبدى مقاومة، تمت تصفيته بالرصاص المباشر في محافظة حضرموت.

ألقي  القبض على أحد المتهمين في الحادثة وإيداعه السجن، حاول آل الحذيفي إخراجه، لكنهم عجزوا عن ذلك.

تقول آخر "إحصائية" إن عدد القتلى بلغ "ثمانية عشر"، بينما تجاوز عدد الإصابات والإعاقات "المئة وعشرين".

حلول غائبة

في فترات ما، قبِل كِلا الطرفين بالتحكيم والهدنة، لكن الجهل والغرور، والشعور بالانكسار يعيد المشكلة إلى نقطة البداية في كل مرة، برغم كل الدعوات، والمناشدات من أشخاص وأطراف عديدة؛ إلى إيقاف هذا العبث، إلا أنه لا مجيب، ما زاد الطين بلة، هو غياب الدولة التام، بعد أن كانت متقاعسة، واتهام المحافظ شخصياً بعدم المبالاة، بل والتعصب مع طرف معين.

مع ذلك نلامس يومياً أن أمل الناس لم يتلاشى في "بلاد الحذيفي"، ومنطقة "رماضة"؛ بعودة الهدوء، واستتباب الأمن، وإيقاف الحرب الدائرة بين الأخوة الأعداء، وهذا لن يكون إلا باثنتين:

*تحرك الدولة لإثبات وجودها، والوقوف إلى جانب المواطن الذي أصبح مقيدا بالخوف، محدود الحركة.

*تحرك كل الشخصيات الاعتبارية، داخل المحافظة والمديرية، سواء التي شاركت في الحل قبل ذلك، أو التي دخلت مؤخراً، لفرض شروط صارمة على الأسرتين دون أي استثناءات أو تأجيل.

ما لم فإن الحال سيستمر كما هو، وسيظل يشعر آل حاتم بأنهم ضحوا كثيراً، وسيبقى آل الحذيفي معتقدين أنهم لم يصلوا بعد إلى الانتصار الكبير، وأن الثأر ما زال يسري في العروق.

علماً أن في الطرفين أناس غير راضين بما يحدث على الإطلاق، لكن الكلمة الفصل لمن يقود المعركة، ويغذيها بالدعم، وهذا هو حال البلاد بأسرها للأسف.

شخصياً زرت المنطقة لحضور إحدى المناسبات، وكان لا يزال القتيل فردا واحداً، وقد أدليت برأيي، وحذرت الحتيمة من توسع المشكلة، وكتبت يومها مقالة في صحيفة "اليمن اليوم" تحت عنوان "بداية الشر مشرب أما النهاية مقاتيل"، غير أن غياب العقلاء، والتعامل مع الأمر بتعال وعنجهية، أفقد الكثير من التصرف بصوابية.


التعليقات