[ لم تستفد الشرعية من ميناء عدن بالشكل المطلوب - أرشيفية ]
لا يزال ميناء عدن مثار جدل واسع، وتحديدا منذ أن تم تسليمه -بحسب اتفاقيه مبرمة بين البلدين- لشركة موانئ دبي العالمية عام 2008 وحتى اليوم مع هيمنة دولة الإمارات العربية المتحدة عليه، بعد انطلاق عاصفة الحزم عام 2015.
في وقت سابق، ونظرا لعدم التزام شركة موانئ دبي ببنود الاتفاقية المبرمة مع اليمن، والتدهور الكبير في الميناء لصالح ميناء دبي، أدى ذلك إلى تصاعد غضب اليمنيين الذين طالبوا بإلغاء الاتفاقية معها.
واشتدت الاحتجاجات عام 2011، وتم عقب ذلك منح شركة موانئ دبي فرصة أخرى لتنفيذ بعض البنود المتفق عليها، لكنها تنصلت منها، فألغت الحكومة عقد تأجير الميناء لها عام 2012.
ومع استمرار تدهور وضع الميناء خاصة بعد اندلاع الحرب عام 2015، برزت دعوات لتنفيذ الاتفاقية المبرمة بين اليمن والصين عام 2015، والرامية لتشغيل الميناء، يقابلها مخاوف من الأطماع الاستعمارية التي ستكون ضحيتها البلاد.
وتبلغ تكلفة مشروع تطوير وتشغيل ميناء عدن 570 مليون دولار ستمولها الصين، ويهدف إلى توسيع وتعميق محطة الحاويات، كما يتضمن بناء رصيف إضافي بطول كيلومتر وعمق 18 مترا, وتعميق وتوسيع القناتين الملاحية الخارجية والداخلية، الأولى بطول 7400 متر وعرض 250 مترا وعمق 18 مترا، والقناة الثانية بطول 3800 متر وعرض 230 مترا وعمق 18 مترا.
وحتى اليوم لم تستفد الحكومات بشكل كبير من ميناء عدن، ولا مضيق باب المندب الإستراتيجي، وهو ما يضعها محل انتقادات واسعة، خاصة مع تفاقم معاناة المواطن اليمني.
رغبة صينية حذرة
تحاول الحكومة اليمنية اللعب في مربع المراوغة السياسية، في محاولة للضغط على الإمارات. ففي منتصف الشهر الفائت، أجرى الرئيس عبد ربه منصور هادي، ونائبه الفريق الركن علي محسن الأحمر، ووزير الخارجية، لقاءات منفصلة مع القائم بأعمال السفير الصيني، تركزت جميعها على العلاقات بين البلدين، وتناول التطورات الراهنة، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول مغزاها.
وفي هذا الإطار، يؤكد الصحافي المختص بالشؤون الاقتصادية فاروق الكمالي أن عيون الصين على ميناء عدن، وتسعى للحصول على امتياز إدارته وتشغيله ضمن مشروع طموح في التوسع البحري والسيطرة على موانئ خليج عدن ضمن مبادرة "طريق الحرير".
ويعتقد في تصريحه لـ"الموقع بوست" أن الصين لن تدخل حالياً في مواجهة مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ويسيطر على المنافذ البحرية اليمنية.
وحول لقاء الرئيس هادي بالسفير الصيني مؤخراً، يتوقع الكمالي أن يتعلق بالمشروع الصيني لتطوير ميناء عدن والذي كان متوقعاً البدء في تنفيذه مطلع 2015، وتم تجميده بسبب الحرب والوضع الأمني غير المستقر.
ويشير إلى أن المشروع ضخم ويموله بنك الاستيراد الصيني بقرض يبلغ 507 مليون دولار، وسيعمل على توسيع وتطوير ميناء عدن وخدمات الترانزيت وفقا للمعايير العالمية.
الضغط على الإمارات
وتعاني الحكومة اليمنية -التي لا تضطلع بمهامها من العاصمة المؤقتة عدن- من تقويض جهودها في جنوب البلاد الخاضع لسيطرة الإمارات، وفق تقارير أممية.
ويعتبر الباحث والمحلل العسكري علي الذهب أن تحركات الحكومة الأخيرة مع الصين، هي إثارة سياسية وعمل موازٍ لما قامت به حكومة أرض الصومال، بعد دعوتها لفسخ العقد مع مؤسسة موانئ دبي.
وتهدف تلك الإثارة السياسية للضغط على الإمارات، وعرقلة مساعيها تجاه دعمها لما يسمى بـ"المجلس الانتقالي" الذي تسعى لأن يشكل سلطة موازية للحكومة الشرعية، تكرارا لذات السيناريو الذي نفذته أبوظبي بالصومال، وتمكنت من خلاله الحصول على امتيازات تشغيل ميناء بربرة.
ويلفت الذهب إلى عدم امتلاك الشرعية لسلطة حقيقة تمكنها من التعاقد مع الصينيين بخصوص الميناء، بسبب التعقيدات التي تشهدها البلاد، مؤكدا عدم قدرة الحكومة على إبرام أي عقد معهم في وضعها الحالي دون رضا التحالف العربي.
مخاوف وحلول
وبرغم التفاؤل الكبير بالنقلة النوعية التي قد تحدث في ميناء عدن جراء قيام الصين بتشغيله، هناك كذلك مخاوف من أطماع الصين والتي قد تضر باليمن.
إزاء ذلك، يؤكد الذهب أن نفوذ الإمارات في القرن الأفريقي وتحديدا في أرتيريا، يأتي بدعم من أمريكا وبريطانيا، وفي إطار مواجهة نفوذ الصين وتركيا وإيران في المنطقة، وتحديدا في جنوب السويس والقرن الأفريقي.
ويبيَّن أن تلك التكتلات الدولية تُظهر في الواجهة قوى إقليمية، لترفع الحرج عن شعوب تلك الدول، مؤكدا أنها قوى استعمارية مُقنَّعة بقوى إقليمية.
واقترح المحلل العسكري على الرئيس هادي القيام بعمل دبلوماسي واسع، يكسر احتكار الإمارات لمواني دبي، ولا يُخرج من خلاله شركاءه بالتحالف العربي من الاستثمار في الموانئ، ويسمح بذات الوقت لشركاء آخرين كالصين بالاستثمار في الميناء، بعد عمل إعلان دولي لتشغيله.
وتحدث كذلك عن إمكانية اللجوء لحلول أخرى، أبرزها إعادة تفعيل مؤسسة مواني خليج عدن التي تضم عدة موانئ أبرزها عدن، وإعادة تشغيلها مع دعمها ماليا بشكل كبير، وتعزيز عملها بتحالف داخلي يأتي في إطرار قوات خفر السواحل أو البحرية اليمنية.
أهمية الميناء
ويُعد ميناء عدن من أكبر الموانئ الطبيعية فـي العالم وأقدمها، ويتميز بأنه محمي طبيعياً من الأمواج والرياح الموسمية الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية، وذلك لوقوعه بين مرتفعي جبل شمسان، على بعد 553 متراً، وجبل المزلقم على بعد 374 متراً، مما يمكنه من العمل دون توقف طوال العام.
كما يغطي الميناء مساحة مقدرة بـ8 أميال بحرية من الشرق إلى الغرب، و5 أميال بحرية من الشمال إلى الجنوب.
ويطل على البحر العربي وخليج عدن، وهو محطة في طريق الملاحة البحرية الدولية المطلة على مضيق باب المندب وخليج عدن والتي تربط الشرق بالغرب، وهو ما جعله مثيرا لأطماع الكثير من القوى والدول الاستعمارية.
يذكر أن أبرز موانئ البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي هي: الحديدة، ورأس عيسى، والمخاء، والصليف، وعدن، والمنطقة الحرة بعدن، وبلحاف، وقنا، والشحر، والمكلا، ونشطون، وسقطرى.