أربع سنوات حرب.. كيف انقلب التحالف العربي على السلطة اليمنية الشرعية؟
- عبد السلام قائد الإثنين, 25 مارس, 2019 - 08:00 مساءً
أربع سنوات حرب.. كيف انقلب التحالف العربي على السلطة اليمنية الشرعية؟

[ التحالف يتسبب في تمزق اليمن وإضعاف السلطة الشرعية بعد أربع سنوات من التدخل العسكري ]

بعد أربع سنوات من تدخل التحالف العربي، أو التحالف السعودي الإماراتي، في الأزمة اليمنية، منذ اندلاع عملية "عاصفة الحزم" العسكرية في 26 مارس 2015، ودخول الحرب عامها الخامس، تبدو نتيجة التدخل وكأنها انقلاب ثان قام به التحالف العربي على السلطة اليمنية الشرعية، أو انقلاب متمم للانقلاب الحوثي، ذلك أن ما كان يريد الحوثيون تنفيذه في جنوب اليمن والمحافظات التي لم يسيطروا عليها أو دحروا منها، فقد نفذ التحالف ما هو أسوأ منه بكثير، وحتى انتهاكات حقوق الإنسان في السجون الإماراتية في اليمن أسوأ من مثيلاتها في سجون الحوثيين.

 

وبعد أربع سنوات من الحرب، صار الوضع في اليمن كما يلي: لا السلطة اليمنية الشرعية قادرة على بسط سيطرتها على مختلف أنحاء البلاد، ولا جماعة الحوثيين الانقلابية قادرة على إتمام الانقلاب والسيطرة على بقية المحافظات التي لم تسيطر عليها بعد، ولا الحراك الجنوبي الانفصالي قادر على إعلان الانفصال وبناء دولة مستقرة، ولا نظام علي صالح وعائلته قابل للتأهيل والعودة للسلطة، ولا يوجد حتى الآن طرف قوي قادر على إعادة ترميم السلطة وبسط سيطرة الدولة على كل أنحاء البلاد، ولا توجد صيغة مقبولة للتوافق بين مختلف القوى لتشكيل حكومة وفاق وطني وتضع تصورا للمرحلة القادمة.

 

هذه الحالة من الارتباك في الجانب العسكري، ألقت بظلالها الكئيبة على الجانب السياسي. فحزب المؤتمر الشعبي انقسم إلى عدة أجنحة، وتشتت تقرببا بين مختلف أطراف الصراع المتناقضة داخليا وخارجيا، ووضع رجلا في الشرعية وأخرى في الانقلاب، كنتيجة طبيعية لتشتت تركة "الرجل الميت" (علي صالح) بين ورثة مراهقين، بل فقد كان حزب المؤتمر أكثر من تضرر من "عاصفة الحزم"، وجماعة الحوثيين أكثر من استفاد منها.

 

أما حزب الإصلاح، الذي ما زال متماسكا، فهو يتلقى الدعم من السعودية، ويتلقى الطعنات المؤلمة من حليفتها الإمارات. وبقية الأحزاب، كالاشتراكي والناصري والبعث، تمزقت ووضعت رجلا في الشرعية والأخرى في الانقلاب، وتحولت من العمل السياسي إلى عمل "الضرائر"، كل ذلك في ظل غياب أي أمل في إمكانية الحسم العسكري ضد الانقلاب، أو الحل السياسي للأزمة. فكيف حدث ما حدث؟ ولماذا؟

 

- توازن الضعف

 

رغم أن الهدف المعلن للتحالف العربي، بخصوص تدخله في اليمن، ينحصر على دعم وإسناد السلطة الشرعية للقضاء على الانقلاب، إلا أن المتابع بدقة للأداء العسكري والسياسي للتحالف، سيجد أنه يعمل على تكريس ما يمكن وصفه بـ"توازن الضعف" بين مختلف أطراف الصراع في البلاد، ويتضح ذلك من خلال العديد من الخطوات العملية، سنوجزها فيما يلي:

 

- حرص التحالف في بداية عملية "عاصفة الحزم" أن يدمر أهم مخازن الأسلحة الثقيلة التابعة للألوية العسكرية الموالية لعلي عبد الله صالح وعائلته، وأيضا الألوية التي سيطر عليها الحوثيون، وكان الدمار الأكبر من نصيب القوات التي كانت تعرف بـ"الحرس الجمهوري"، والتي يبلغ عددها 44 لواء عسكريا، وشمل التدمير الصوارخ والطائرات والمطارات العسكرية والرادارات والدبابات والمدفعية وغيرها، مما شكل إرباكا كبيرا وصدمة عنيفة للانقلابيين، الذين كانوا يراهنون على تلك الأسلحة للقضاء على خصومهم، والسيطرة على مختلف أنحاء البلاد، وقد لقي تدخل التحالف العربي في بداية الأزمة ارتياحا شعبيا كبيرا، كونه تمكن من كبح جماح الانقلابيين، وقدم الدعم للجيش الوطني والمقاومة الشعبية، لكن بعد انحرافه عن أهدافه أثار السخط الشعبي ضده.

 

- في مقابل ذلك، عمل التحالف العربي، وبالتنسيق مع السلطة الشرعية، على تشكيل جيش وطني لمحاربة الانقلابيين، وتسليحه بأسلحة حديثة لكنها محدودة، حيث لا يشمل تسليحه بأسلحة نوعية مثل الطائرات الحربية والصواريخ ذات المدى والتأثير الكبير. وتتحدث بعض المصادر عن أن التحالف العربي لم يسمح للسلطة الشرعية بشراء وحيازة أسلحة حديثة ونوعية، وأيضا عدم السماح لها بالانفراد باتخاذ القرار العسكري أو وضع الخطط العسكرية في مختلف الجبهات، وأيضا مصادرة كل ما يتعلق بالقرارات السيادية، ووصل الأمر لدرجة التحكم بالرئيس عبد ربه هادي وأعضاء الحكومة حتى بخصوص الزيارات إلى داخل البلاد والتحركات الدبلوماسية خارجها.

 

اقرأ أيضا: ملفات مفتوحة.. كيف يبدو الوضع في اليمن بعد دخول عملية "عاصفة الحزم" عامها الخامس؟

 

- فشلت مساعي التحالف العربي في محاصرة الحوثيين ووضع حد لتهريب السلاح لهم من إيران، وكان لافتا أن جماعة الحوثيين ازدادت قوة بعد تدخل التحالف العربي، قياسا بما كانت عليه قبل "عاصفة الحزم"، وأطلقت عددا كبيرا من الصواريخ البالستية على الأراضي السعودية، وما كان لها أن تكتسب هذه القوة والنفوذ لولا طول أمد الحرب وتراخي التحالف العربي في القضاء عليها.

 

- تعمد التحالف العربي إنهاك السلطة الشرعية وتأليب الرأي العام ضدها، من خلال منعها من العودة والاستقرار الدائم في البلاد، وتخديرها بالمناصب والرواتب بالعملات الأجنبية وتوفير وسائل الإقامة المريحة، وتشكيل مليشيات مناطقية وانفصالية مناهضة للسلطة الشرعية في مختلف محافظات جنوب البلاد، مع عدم السماح لها بإعلان انفصال الجنوب، وعدم تسليحها بشكل يمكنها من فرض الأمر الواقع بالقوة، فضلا عن كونها ذات نزعات مناطقية، ولا يوجد أي رابط يربط بينها.

 

- تؤدي كل من السعودية ودولة الإمارات أدوارا متناقضة ظاهريا لإضعاف السلطة الشرعية، فالسعودية تدعم السلطة الشرعية والإمارات تدعم المليشيات الانفصالية والتخريبية ضدها، والهدف لفت الأنظار عن أجندة الدولتين في اليمن بقدر المستطاع. كما تعمد التحالف إنهاك أبرز حلفاء السلطة الشرعية، وهو حزب الإصلاح، فالسعودية تدعم الحزب ضد الحوثيين، ودولة الإمارات تدعم المليشيات الانفصالية في الجنوب ضد الحزب، من خلال اغتيال قياداته وناشطيه وشيطنته إعلاميا.

 

- حرص التحالف العربي على ركود الكثير من الجبهات، ويمنع تقدم الجيش الوطني في بعضها من خلال هجمات جوية تأديبية راح ضحيتها عدد كبير من قيادات وجنود الجيش الوطني، والزعم بأنها كانت خاطئة، مع أن بعضها بعيدة جدا عن خطوط التماس، مثل مجزرة معسكر "العبر" في محافظة حضرموت، والتي راح ضحيتها عدد من خيرة الضباط اليمنيين الذين كانوا في اجتماع يتدارسون فيه خطط تأسيس جيش وطني حقيقي بعد اندلاع عملية "عاصفة الحزم" بمدة قليلة، وغيرها كثير.

 

- أجندة مفتوحة

 

حرصت كل من السعودية ودولة الإمارات، منذ تدخلهما في اليمن، على إضعاف مختلف الأطراف المتصارعة في البلاد حتى وصلت إلى مرحلة توازن الضعف، بهدف تهيئة البيئة الملائمة التي تضمن للدولتين تحقيق أجندتهما في البلاد، ولذا فإن إضعاف مختلف أطراف الصراع كفيل بإضعاف اليمن ككل، حتى في حال انتهاء الحرب سواء بحل سياسي أو حسم عسكري.

 

ورغم أن أجندة الدولتين في البلاد صارت معروفة، غير أنه لا يمكن الجزم بأن تلك الأجندة هي كل ما لديهما، ذلك لأن تعدد مسارات إضعاف البلاد وإنهاك مختلف الأطراف الفاعلة فيها، يعني بأن الأجندة والأهداف ستظل مفتوحة ومتعددة الخيارات، بسبب تشتت الرؤية وحالة الارتباك وعدم اليقين بمآلات الأوضاع في اليمن والإقليم بشكل عام، خاصة في ظل التقلبات التي تشهدها العلاقات والتحالفات الدولية، وبقاء كل أزمات المنطقة مفتوحة بدون حسم نهائي، فضلا عن تعدد الفاعلين الدوليين والإقليميين الأقوياء ودورهم المؤثر فيها، كما هو الحال في الأزمة السورية.

 

وفيما يلي أهم أجندة كل من السعودية والإمارات في اليمن:

 

- السيطرة على الموانئ والمطارات والمدن الحيوية وذات الأهمية الإستراتيجية.

 

- إضعاف مختلف الأطراف الفاعلة في البلاد، وتفكيك التحالفات التقليدية وزرع العدوات فيما بينها، وصياغة تحالفات هشة مبنية على أواصر مناطقية أو قبلية ما دون وطنية ومعادية للدولة.

 

- تعزيز التحالفات مع جماعات ومليشيات انفصالية أو لا تؤمن بفكرة الدولة، لاستخدامها في مهام آنية أو مؤجلة وفقا للمستجدات وضرورات المصلحة.

 

- الحرص على إطالة أمد الحرب في اليمن من أجل إنهاك أبرز طرفيها: السلطة الشرعية وحزب الإصلاح من جانب، ومليشيات الحوثيين الانقلابية من جانب آخر، وإذا حاول أحد الطرفين تحقيق تقدم ميداني يبدو كمؤشر على بداية الحسم لصالحه، فإن الطيران الحربي للتحالف سيكون له بالمرصاد، حتى وإن كان الجيش الوطني، والشواهد على ذلك كثيرة.

 

- تفكيك المجتمع اليمني وهدم خارطته السياسية والعسكرية والاجتماعية من الأعلى ومن الأسفل، ثم إعادة هندسته من جديد، وفقا لما تقتضيه أجندة الدولتين ومصالحهما.

 

- البحث عن أو العمل على إعداد حاكم أو فصيل سياسي ليحكم البلاد بعد حالة التيه والشتات بمواصفات خاصة تضمن استمرار البلاد في عهده كدولة تابعة للسعودية والإمارات، أي أن يكون بمواصفات "مندوب سامي" للدولتين في البلاد وليس حاكما قويا لبلاد ذات سيادة، وأن يحافظ على البلاد كـ"دولة طافية"، بحيث لا تغرق في الفوضى حتى لا تتضرر السعودية والإمارات بسببها ولا تتفوق وتزدهر حتى لا تشكل تهديدا للدولتين ولمصالحهما.

 

وهكذا يتضح أن أهداف السعودية ودولة الإمارات من تدخلهما العسكري في اليمن تتجاوز القضاء على الانقلاب والنفوذ الإيراني في اليمن، وتتجاوز أيضا الارتدادات العكسية للثورات المضادة لثورات الربيع العربي، وتتجاوز طموحات اليمنيين في بناء يمن اتحادي ديمقراطي جديد، وتتجاوز أيضا أنماط العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين القائمة على التعاون من أجل المصالح المشتركة، بعد انتهاء زمن الاحتلالات العسكرية وريادة مفاهيم السيادة الوطنية، كما أنها تتجاوز العقل والمنطق، عندما تحاول دولة صغيرة، مثل الإمارات، ابتلاع أو احتلال دولة أكبر منها مساحة وسكانا وينتشر فيها السلاح بكثرة، مستغلة لحظة ضعف وانقسام داخلي لن تدوم إلى الأبد.


التعليقات