[ التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية ]
أثار الحراك السياسي في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب اليمن) بإشهار التكتل الوطني الجديد للأحزاب والمكونات السياسية العديد من التساؤلات حول دلالات التوقيت وأسباب هذا الحراك، الذي بدا في ظاهره توحيد القوى السياسية اليمنية لاستعادة الدولة وإنهاء انقلاب جماعة الحوثي.
وشهدت عدن أمس الثلاثاء إشهار التكتل الوطني السياسي الذي ضم 23 حزباً ومكوناً سياسياً ويترأسه أحمد عبيد بن دغر رئيس مجلس الشورى ورئيس الحكومة الأسبق.
وأكد بيان التكتل، أن باعثه الأساسي هو تعزيز الاصطفاف الوطني من أجل إنهاء انقلاب مليشيات الحوثي واستعادة الدولة، وأنه ليس موجها ضد أحد من شركاء العمل السياسي.
وقال بن دغر، إن قيام هذا التحالف السياسي الوطني العريض يعد خطوة هامة تهيئ لمناقشات سياسية وتهدف إلى تعزيز الاستراتيجيات القائمة على الاجماع الوطني والوصول إلى حوار يمني ـ يمني يفضي إلى حل شامل وعادل، ينهي الانقلاب ويستعيد الدولة، ويؤسس لعهد جديد.
ويأتي إشهار التكتل الجديد في وقت حرج وسط مشهد سياسي مضطرب تتداخل فيه المصالح المحلية والإقليمية، وتشهد فيه البلاد إخفاقات عسكرية وسياسية واقتصادية على كافة المستويات.
يذكر أن التكتل بدعم ورعاية المعهد الديمقراطي الأمريكي، والوكالة الأمريكية للتنمية، ما يفسره البعض رغبة واهتمام دولي بتعزيز دوره، لكنه يُثير عدة تساؤلات حول مدى استقلالية التكتل بالقرار الوطني، خصوصا في ظل التدخلات الخارجية، ومدى قدرته على تقديم رؤية وطنية خالصة تمثل إرادة اليمنيين وتلبي تطلعاتهم دون الخضوع لأجندة خارجية.
وتوالت ردود فعل الأطراف اليمنية بين التأييد والرفض، لتلك التكتل، غالبية المكونات باركت المولود الجديد، وتراه خطوة جيدة في تصحيح المسار والخروج من دائرة التيه والانقسام وتعمل على وحدة الصف لاستعادة الدولة، بينما هناك أطراف رفضت المشاركة في التكتل وقالت إنه لم يبن على أسس سليمة، من هذه الأطراف المجلس الانتقالي ومؤتمر حضرموت الجامع، وتحالف أحزاب منضوية مع جماعة الحوثي.
ويعكس التكتل أيضا خلافا بين السعودية والإمارات، على إثر إعلان المجلس الانتقالي المدعوم من أبوظبي رفضه المشاركة في التكتل، كما وصفه بألفاظ نابية، مهددا بالانسحاب من الحكومة وإسقاط مجلس القيادة الرئاسي.
ترحيب ودعم أمريكي
وفي السياق رحب السفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فاجن بالتكتل الوطني الجديد للأحزاب والمكونات السياسية المعلن تشكيله في عدن، وقال إنه "يمثل اليوم لحظة محورية في التاريخ السياسي لليمن".
وأكد السفير -الذي حضر أمس فعالية إطلاق التكتل السياسي الجديد في عدن في بيان له نشرته السفارة على منصة (إكس)- على أهمية الكتلة الجديدة. وقال: "لقد أظهرت هذه الكيانات الـ 22 للجميع، والأهم من ذلك للشعب اليمني، أن هناك أملًا في يمن سلمي ومزدهر، يقوده اليمنيون من أجل اليمنيين".
وحسب بيان السفير فإن الأحزاب والجماعات السياسية اليمنية قد اجتمعت في الأصل في أبريل للمشاركة في حوار سياسي لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، وهو الأول من نوعه منذ أكثر من عشر سنوات.
وتابع فاجن قائلا: "خلال الحوار، اتفقت الأحزاب والجماعات المشاركة على تشكيل كتلة وطنية واسعة ملتزمة بصياغة رؤية مشتركة ليمن سلمي مع احترام التنوع السياسي في اليمن".
خطوة في الاتجاه الصحيح
من جانبه اعتبر حزب التجمع اليمني للإصلاح إعلان التكتل الوطني خطوة في الاتجاه الصحيح ومفتاحاً رئيسيا للحل الذي طال البحث عنه.
وقال نائب رئيس الدائرة الإعلامية، للحزب عدنان العديني، إن "الواقع السياسي اليمني أثبت حاجةً ماسة منذ فترة - وليس من اليوم - لتوحيد الجهود والطاقات صوب الغاية التي يتطلع إليها شعبنا؛ وهدفه المنشود باستعادة الدولة المختطفة".
وأشار إلى أن المسار السياسي حتماً سيقود إلى حل للمشكلات؛ وفي أسوأ الأحوال لن يكون مشكلة بذاته كما هو الحال مع ما عداه من خيارات، مؤكدا أن الأحزاب السياسية اليمنية ومثلها القوى والمكونات الأخرى الفاعلة ما زالت قادرة على إنتاج أفكارا للحل.
وأكد أن التوافق الذي شهدته مدينة عدن أمس هو خطوة في الاتجاه الصحيح، مضيفاً "وفوق أنه استجابة لحاجة اللحظة، هو حل أيضا، أو على أقل تقدير مفتاحاً رئيسيا للحل الذي طال البحث عنه".
رفض انتقالي
من جهته أعلن المجلس الانتقالي رفضه المشاركة في تكتل الأحزاب السياسية المنعقدة في العاصمة المؤقتة عدن جنوب اليمن.
ووصف رئيس الهيئة السياسية ووحدة شؤون المفاوضات بالمجلس الانتقالي التكتل الوطني السياسي بـ "الفأر الأجرب"، وهدد بالانسحاب من الحكومة وإسقاط مجلس القيادة الرئاسي.
وقال الخبجي "ورشة عمل انتهت بولادة فأر أجرب في بيئة طاردة، زاعما أن ذلك استهداف للمجلس الانتقالي، ويشكل خطراً على ما سماه جدار التوافق والشراكة مع المجلس، التي لم تعد قابلة للاستمرار بعد ولادة هذا الفأر الأجرب ما يسمى أحزاب اليمن الاتحادي.
كما زعم أن المضي قدماً في هذا المسار لا يعني سوى بداية النهاية لهذه الشراكة، مما سيؤدي حتماً إلى سقوط الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي والهيئات المساندة.
وتظاهر العشرات من أنصار الانتقالي، أمام ساحة فندق كورال بمدينة عدن، رفضا لإعلان التحالف الجديد للأحزاب السياسية اليمنية، كما رفعوا علم التشطير ورددوا هتافات معارضة للتكتل الحزبي الجديد قبيل الإعلان عنه.
هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي، هو أيضا هاجم التكتل الوطني، كما وصف فعالية الإشهار بـ "قلة الأدب".
وقال بن بريك في تدوينة على منصة (إكس)، إن استفزاز ما سماه شعب الجنوب بمثل هذه الاجتماعات واللقاءات على أرض الجنوب التي رويت بدماء الشهداء والجرحى وعرق الأبطال لن يفيد بشيء.
وأضاف "على الساسة وبالأخص الشماليين ترك قلة الأدب مع الشعب الجنوبي وإلا فالشعب قادر على التعامل معهم بما يتناسب مع قلة أدبهم" حد قوله.
غير مبني على أسس سليمة
بدوره أعلن مؤتمر حضرموت الجامع، رفضه القاطع الانضمام للتكتل الوطني للأحزاب الذي عقد في عدن برعاية ودعم المعهد الديمقراطي الأمريكي.
وقال المؤتمر الجامع في بيان، "إن المشاركة في هذا التكتل لم تكن مبنية على أسس سليمة ومراعاة حضور الجامع، وأن أي حضور أو التوقيع عليه لا يمثل مؤتمر حضرموت الجامع الذي له أهداف واضحة وهيئات مختصة تعرض عليها جميع وثائق أي مشروع بموجب نظامه الأساسي لإقرار ذلك".
مخطط أمريكي
في حين أدان تحالف الأحزاب والقوى السياسية المناهضة لما يسمى "العدوان"، (منضوي تحت حكم الحوثيين) انتحال صفات قيادية للأحزاب السياسية اليمنية الوطنية من قبل أشخاص عرفوا بما وصفته بـ"الخيانة والعمالة وتأييد العدوان".
وقال تحالف الأحزاب في بيان نشرته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) نسخة صنعاء إن من يمثلون الأحزاب الوطنية هم القيادات التي اصطفت مع وطنها وشعبها في مناهضة ومواجهة العدوان.
وزعم البيان أن المخططات التآمرية على اليمن والدور الأمريكي التخريبي المباشر والمستمر في عرقلة العملية السياسية من خلال التحركات والاجتماعات التي عقدت مؤخراً في عدن المحتلة بهدف محاولة خلق غطاء سياسي جديد لإعادة العدوان على الوطن واستمرار الحصار.
واعتبر التحركات الأمريكية في البيئة السياسية المزيفة، محاولة إعادة إحياء أدواتها المحلية البائرة والمنتهية الصلاحية من من سمتهم بالمرتزقة والخونة والعملاء، تحت مسمى تكتل الأحزاب اليمنية، وحبراً على ورق كسابقاتها لا قيمة ولا شرعية لها ولا تأثير.
تآمر أمريكي إسرائيلي
إلى ذلك قالت ما تسمي نفسها "أحزاب اللقاء المشترك" التي تستحوذ جماعة الحوثي على تسمياتها، بعد السيطرة على مقراتها في العاصمة، وانقسام قيادتها إلى فريق تابع للجماعة وآخر تابع للحكومة الشرعية- إن إشهار التكتل الوطني للأحزاب في عدن خطوة تآمرية أمريكية إسرائيلية.
وقالت الأحزاب في بيان لها، إنها تدين بشدة وقائع اجتماع ما سمى تكتل الأحزاب والتنظيمات السياسية في عدن، وما تمخض عنه من توقيع عدة أحزاب لتأسيس ما سماه "التكتل المشبوه برعاية أمريكية".
وأضافت أن "إقحام أسماء ثلاثة من أحزابها المتواجدة قياداتها ومقراتها في صنعاء وهي (التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري – اتحاد القوى الشعبية – البعث العربي الاشتراكي) في ذلك التكتل مدان ومرفوض ولا يعبر عن موقف أحزابنا لا من قريب ولا من بعيد".
واعتبرت القيادات الحزبية الموالية للحوثيين تلك الخطوة بأنها "تأتي ضمن مسلسل التآمر ورسم الخطط العدائية الجديدة التي تستهدف بلدنا وأمننا ونسيجنا الاجتماعي الذي يصب في خدمة أجندة العدوان على اليمن وأمنه وسيادته"، حسب تعبير البيان.
رغبة سعودية
المحلل السياسي ياسين التميمي، قال إن التكتل يعكس رغبة سعودية لبناء اصطفاف شكلي لتمرير المهام والاستحقاقات التي ثبت أنها لم تكن تهتم بالإجماع الوطني على كل حال، قبل أن يتكرس توجه لتقليل دور الأحزاب وربما تحييدها من جانب دولتي التحالف (السعودية والإمارات) وملئ الفراغ من خلال المجالس الجهوية وتمكين المكونات ذات الأجندات المتصادمة مع الإجماع الوطني.
وأضاف أن التكتل الوطني للأحزاب والقوى السياسية استوعب المكونات الجديدة والأجنحة السياسية للتشكيلات المسلحة، فيما بقي المجلس الانتقالي بعيداً عن هذا التكتل، ولا أدري ما هي الحكمة، خصوصاً أن هذا التكتل يتطابق مع التحالف السياسي الحاكم الذي تتشكل منه السلطة الشرعية، أم أنه يكتفي بالدور المعطل لهذه السلطة ولا طاقة له باستيعاب المواقف السياسية للتكتل التي ستدور في الغالب حول الدولة اليمنية ووحدتها وسلامة ترابها الوطني".
وتابع "لقد عكف المعهد الديمقراطي الذي يقع تحت تأثير الأجندة السياسية للحزب الديمقراطي الأمريكي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (حكومية)، منذ سبعة أشهر تقريبا على إنشاء تحالف سياسي تفاوضي".
ويرى أن أولويات الأحزاب المشاركة في الجلسات التحضيرية لم تكن واضحة بقدر وضوح أولويات الجانب الأمريكي، الذي يريد موقفاً سياسيا يعكس حالة من الإجماع ويتجه نحو الأولويات التفاوضية مع جماعة الحوثي، بحيث تتعطل كل الخيارات الممكنة لاستعادة الدولة، ويصبح المرور إليها فقط من خلال نافذة المفاوضات المكلفة وغير المضمونة من الحوثيين".
وأكد التميمي أن المعهد الديمقراطي يعكس إرث الحزب الديمقراطي المتصالح مع الوجود الحوثي في العاصمة صنعاء وهيمنته على الدولة اليمنية".