ملاحظة المحرر: هذا هو القسم الأول من مقال يتألف من جزأين.
في عام 1988، عندما كنتُ في سن السادسة عشرة، غادرتُ اليمن بتذكرة ذهاب فقط إلى الولايات المتحدة وقد وضعتُ في اعتباري تحقيق هدف واحد فقط: الحصول على تعليم عالي الجودة، والحصول على شهادة جامعية والعودة للعيش مع عائلتي وخدمة بلدي. بعد حصولي على درجة البكالوريوس في الكيمياء، فكرتُ في العودة إلى اليمن، لكن فرص العمل هناك كانت ضعيفة. وإذ اكتشفت شغفي بالبحث قررتُ متابعة الدراسات العليا وحصلت على درجة الدكتوراه في الكيمياء الحيوية عام 2000. كانت السنوات القليلة الأولى بعد التخرج صعبة. كنتُ أشعر على الدوام بالتشتّت بين الشعور بالذنب بسبب التخلي عن بلدي وأهلي، ورغبتي في متابعة شغفي وحماية الاستثمارات والإنجازات التي حققتها خلال السنوات الإثني عشر التي أمضيتها في الولايات المتحدة.
في عام 2000، قبِلتُ عرض عمل في مركز الأمراض العصبية في كلية الطب بجامعة هارفارد. لقد غيرت هذه التجربة حياتي ومهدت الطريق لي للحصول على منصب في هيئة التدريس ولإطلاق برنامج بحثي مستقل في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا. واليوم، بعد مرور 32 عامًا من هجرتي من اليمن ما زلتُ أعيش وأعمل خارجها.
ليست هذه قصتي لوحدي، بل قصة آلاف الطلاب والعلماء والمهندسين والأطباء العرب الذين غادروا بلادهم على أمل العودة والمساعدة في جعلها دولًا أفضل. كما أنها أيضًا قصة مئات الآلاف من الطلاب والمهنيين الذين فروا من أوطانهم بسبب الحروب والصعوبات الاقتصادية والاضطهاد السياسي أو الديني. لقد غادروا جميعًا بحثًا عن مكان يمكنهم فيه أن يكونوا آمنين، ويحققوا طموحاتهم، ويؤمنوا حياة أفضل لأنفسهم وعائلاتهم.
كشفت دراسة استقصائية أجرتها الفنار للإعلام العام الماضي أنه إذا أتيحت فرصة الهجرة، فإن 91 في المئة من الباحثين العاملين في الدول العربية سيهاجرون، مع تفضيل أوروبا أو أمريكا الشمالية في الأساس.
والنتيجة؟ يعمل في الغرب مئات الآلاف من الأطباء والعلماء والمهندسين الذين تحتاج إليهم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كثيرًا وليست لديهم نية العودة إلى بلدانهم الأصلية. ارتفعت هذه الأرقام بقدر كبير في السنوات الأخيرة تزامنا مع انتشار الصراعات وعدم الاستقرار، حتى في البلدان التي مثلت لعقود مراكز التعلم الرئيسة في المنطقة. كما كشفت دراسة استقصائية أجرتها الفنار للإعلام العام الماضي أنه إذا أتيحت فرصة الهجرة، فإن 91 في المئة من الباحثين العاملين في الدول العربية سيهاجرون، مع تفضيل أوروبا أو أمريكا الشمالية في الأساس. (اقرأ التقرير ذي الصلة: استطلاع جديد: الهجرة حلم الباحثين العرب). وقد بينت الدراسة أن أكثر من 50 بالمئة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودوا إلى العمل في وطنهم أو المنطقة. علاوة على ذلك، في السنوات الأخيرة، يخطط المزيد من الأشخاص للانتقال إلى الخارج دائمًا.
ما الذي يمكن عمله لمعالجة مشكلة هجرة العقول؟ من بين وجهات النظر المثيرة للاهتمام، التي يمكن من خلالها إيجاد حلاً لهذه المشكلة، التفكير بالأسباب وراء عدم تدفق المواهب من البلدان النامية في المنطقة ليس إلى الغرب فحسب، بل إلى الدول العربية الغنية المجاورة أيضًا، مثل دول مجلس التعاون الخليجي.
بين عامي 2005 و2013، شهدنا إنشاء جامعات ومراكز أبحاث وطنية جديدة وممولة تمويلًا جيدًا في الخليج، مثل مؤسسة قطر والمدينة التعليمية في قطر ،جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (KAUST) في المملكة العربية السعودية، ، ومؤخرًا جامعة خليفة في الإمارات العربية المتحدة. بالإضافة إلى إنشاء أفرع للجامعات الغربية المرموقة في المنطقة وإنشاء مؤسسات وطنية لتمويل العلوم والبحوث، أرسَل ذلك إشارة قوية إلى أنَّ هذه البلدان ملتزمة بإنشاء بيئات تعزز روح المبادرة والابتكار. وهكذا، أصبحت دول مثل قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات أكثر جاذبية للخريجين الشباب والعلماء والأطباء وغيرهم من المهنيين العرب الذين يعيشون في الدول الغربية. يشكل المغتربون العرب اليوم نسبة كبيرة من القوى العاملة في دول الخليج ويؤدون أدوارًا أساسية في تنمية القدرات البشرية والمؤسسات العامة والخاصة هناك.
يرى هلال الأشول، عالم الأعصاب اليمني المولد ويعمل في سويسرا، في دول مجلس التعاون الخليجي علاجًا محتملاً لوقف استنزاف المواهب العربية إلى الغرب. (الصورة: بإذن من المؤلف).
تعدُّ دول مجلس التعاون الخليجي نقطة جذب لعدد كبير من المغتربين العرب الذين يتوقون للعودة إلى المنطقة. تشجعهم على ذلك جزئيًّا المداخيل الجذابة وإتاحة الفرصة لأفراد الأسرة للوصول إلى تعليم وتدريب عالي الجودة، مع الحفاظ على قربهم من أسرهم وثقافتهم. ولكن هناك أيضًا جوانب سلبية أهمها الافتقار إلى الأمن الوظيفي (على سبيل المثال، مسارات التثبيت الوظيفي) والآفاق القاتمة للحصول على إقامة دائمة أو المواطنة وتكافؤ الفرص لأبنائهم وأزواجهم.
هل يمكن القول إنَّ دول الخليج قد ساهمت في هجرة الأدمغة من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ غالبًا ما تكون دول مجلس التعاون الخليجي “مستخدمين نهائيين” لأعضاء هيئة التدريس المدربين في أماكن أخرى، وتستفيد من الاستثمار الذي تقوم به البلدان الأصلية لتدريب سكانها دون الاعتراف بهذه المساهمات أو رد الجميل.
ردًّا على هذه المزاعم، يُقال إن تحويلات المغتربين العرب في الخليج تساهم في التنمية الاقتصادية لبلدانهم الأصلية. ولكنَّ ما تتجاهله هذه الحجة هو أن الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية التي يمكن جنيها من الاحتفاظ بالمواهب المحلية تفوق بكثير تلك الخاصة بالتحويلات. لكن الشرط الضروري يتمثل في دعم المواهب المحلية والسماح للناس بممارسة مهنتهم والابتكار في وطنهم – وهذا هو التحدِّي.
بهذا الصدد، أودُّ أن أقترح صيغة جديدة من شأنها أن تسمح لدول مجلس التعاون الخليجي بالمساهمة بنشاط ليس في إبطاء هجرة الأدمغة من المنطقة فحسب بل وتحويلها إلى “أدمغة مكتسبة” من شأنها أن تعود بفوائد كبيرة على جميع البلدان في المنطقة. في هذا السيناريو، يمكننا التفكير في دول مجلس التعاون الخليجي على اعتبارها خزانات تساعد في الحفاظ على مجموعة المواهب والقوى العاملة الماهرة من البلدان المجاورة في المنطقة. ومن شأن هذا أن يزيد من فرص عودة هؤلاء الوافدين الموهوبين يومًا ما إلى بلدانهم الأصلية.
بهدف تحقيق هذا، يجب الحفاظ على الارتباط ليس بالبلد الأم فحسب بل وبمهنتهم والمؤسسات ذات الصلة في الوطن الأم. على سبيل المثال، يجب تشجيع الأساتذة أو العلماء من مصر أو المغرب أو العراق أو اليمن ممّن يعملون في جامعة في المملكة العربية السعودية أو قطر على الحفاظ على روابط قوية مع الجامعات في بلدهم الأم. يمكن تحقيق ذلك من خلال الحفاظ على التزام مشترك بين الجامعتين أو الانخراط في التعاون البحثي أو من خلال المساهمة بنشاط تدريسي، والذي يمكن القيام به الآن من خلال أدوات التعلم عن بعد دون الحاجة إلى السفر شخصيًا.
من المحتمل أن يكون رفض هذه الفكرة الاستجابة الأولية للمسؤولين المحليين للجامعات المضيفة. من وجهة نظرهم، حصل تعيين هؤلاء الأساتذة والعلماء لخدمة الجامعة المضيفة ومن المتوقع أن يكرسوا كل وقتهم وطاقتهم لتعزيز أهدافها ورسالتها.
يهدف ما اقترحه هنا إلى تحقيق هذا الهدف مع السماح لهذه الجامعات برد الجميل عن المنافع المباشرة وغير المباشرة التي اكتسبتها من هذه البلدان والمساهمة في النهوض بالتعليم العالي في المنطقة، كل ذلك من خلال اقتراح مُربح للجميع. سأشرح هذا الاقتراح بمزيد من التفصيل في القسم الثاني من هذا المقال الذي سينشر لاحقاً.
كيف يمكن لجامعات الخليج استيعاب الخبرات الأكاديمية العربية؟
تعتبر مواجهة هجرة العقول إلى الغرب قضية خاسرة، لكن الاستفادة من مهارات وموارد الشتات العربي ليست كذلك، كما يقول هلال الأشول، عالم الأعصاب اليمني المولد والذي يعمل في سويسرا. (الصورة: Rvscollege).
ملاحظة المحرر: هذا هو القسم الثاني من مقال من جزأين. نُشر القسم الأول بعنوان “كيف يمكن لدول الخليج أن تساعد في وقف نزيف الأدمغة العربية.”
وصفتُ، في مقال سابق، رحلتي الخاصة من اليمن للحصول على فرص تعليمية ووظيفية أفضل في الغرب وهي قصة آلاف العرب الآخرين الذين يسافرون إلى الخارج للدراسة. على الرغم من أن الكثيرين يأملون في البداية في العودة إلى بلدانهم الأم، حيث توجد حاجة إلى مواهبهم، إلا أن الحقائق الصعبة غالبًا ما تعترض طريقهم.
اقترحتُ صيغة جديدة من شأنها أن تسمح لدول مجلس التعاون الخليجي بالمساهمة في إبطاء ومواجهة هجرة العقول من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتحويلها إلى “كسب للعقول”. تكمُن الفكرة في قيام دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعتمد على العلماء والمهنيين العرب المدربين في دول أخرى لتزويد مرافق التعليم والبحث المتقدم بها، ببذل المزيد للمساعدة في الحفاظ على المواهب العربية في المنطقة. أعتقد أن هذا سيكون عرضًا مربحًا للجميع في المنطقة بأكملها. اسمحوا لي أن أشرح بمزيد من التفصيل آلية عمل هذا الاقتراح.
امنح المغتربين فرصًا متساوية للتقدم
بدايةً، هناك مشكلة في تحفيز المغتربين العرب الذين يشغلون مناصب أكاديمية وبحثية في دول مجلس التعاون الخليجي من دون أن يكون لديهم أي أمل في الحصول على الجنسية أو حتى الإقامة الدائمة. إنهم يعيشون في هذه البلدان لعقود من الزمن دون أن يتمكنوا من غرس جذورهم أو تسميتها وطنًا لهم. في معظم الحالات، لا يتنافسون على مستوى متكافئ، وفرصهم في التقدم محدودة بسقف زجاجي لا يتمكّن من تجاوزه سوى أقرانهم من مواطني الدولة المضيفة.
يشعر المغتربون وعائلاتهم بالإحباط على نحوٍ متزايد بسبب التذكير المستمر بكيفية تقييد نموهم وقدرتهم على إحداث تأثير في القوانين والحدود والممارسات المحلية. يمنعهم هذا من تحقيق إمكاناتهم الكاملة والرضا عن الوظيفة والمهنة التي كرسوا حياتهم من أجلها. ليست هناك مؤشرات على إمكانية تغيير هذه الحقائق قريبًا، كما يتضح من الارتفاع الأخير في القومية والشعبوية في المنطقة وإجراءات التقشف التي فرضتها العديد من دول مجلس التعاون الخليجي والتي تستهدف بشكل انتقائي الوافدين في هذه الدول.
مع أخذ ذلك في نظر الاعتبار، فإن من شأن توفير الجسور والقنوات التي تسمح للمغتربين العرب بإعادة الاتصال بجذورهم وشعبهم في وطنهم الأم أن يمنحهم إحساسًا متجددًا بالهدف، ودافعًا أكبر لمواصلة التفوق والابتكار في مجالهم، وليس بهدف الحفاظ على وظيفتهم فحسب. والأهم من ذلك، أنهم سيطورون إحساسًا أكبر بالتقدير للبلد المضيف ويصبحون أكثر استثمارًا في تنمية رأس المال البشري والمؤسسات الوطنية. في حالة عدم وجود مسار ممكن للمواطنة، يمكن أن تكون هذه آلية رائعة لضمان الاحتفاظ بالمواهب والخبرات في البلد المستفيد.
شجع الوافدين على التعامل مع المؤسسات المحلية
إذا كان هناك شيء واحد تعلمناه من جائحة كوفيد-19، فهو فاعلية التعلم والتعاون عن بعد. وبالتالي، يمكن أن يحدث قدر كبير من هذه التفاعلات دون مغادرة البلاد.
ثانيًا، هناك فوائد إضافية للدولة والمؤسسات المضيفة. إذ توفر المشاركة النشطة للمغتربين العرب مع مؤسساتهم المحلية فرصًا فريدة لجذب الطلاب الموهوبين وإشراكهم في العمل في المشاريع ذات الاهتمام المشترك، لصالح جميع الأطراف. بالإضافة إلى تعبئة موارد بشرية إضافية، يمكن أن تساعد هذه الروابط في تعزيز التعاون والوصول إلى البيانات والموارد البشرية، مما قد يفتح الباب لإمكانيات جديدة للبحث والابتكار غير ممكنة في دول مجلس التعاون الخليجي، بسبب صغر حجم سكانها (باستثناء المملكة العربية السعودية).
قبل ستة أشهر، كان من الصعب الترويج لمثل هذا الاقتراح بسبب الخوف من أن يعني ذلك قضاء أعضاء هيئة التدريس والعلماء لبعض الوقت بعيدًا عن الحرم الجامعي وبالتالي بعيدًا عن طلابهم وواجباتهم الأخرى. إذا كان هناك شيء واحد تعلمناه من جائحة كوفيد-19، فهو فاعلية التعلم والتعاون عن بعد. وبالتالي، يمكن أن يحدث قدر كبير من هذه التفاعلات دون مغادرة البلاد.
في السنوات القادمة، سيصبح التعلم والتعاون عن بعد جزءًا أكبر من مجال التعليم العالي والبحث السائد. سيتم تطوير المزيد من الدورات والمواد ومشاركتها عبر الإنترنت. يتم الآن إجراء المزيد من التعاون البحثي من خلال تطبيقات زووم وسكايب أكثر من أي وقت مضى، وسنرى قريبًا المزيد من التقنيات والأدوات المبتكرة التي تعزز جودة التعليم عبر الإنترنت والتجارب التعاونية. ومن المفترض أن تمكّن كل هذه التغييرات الجامعات في دول مجلس التعاون الخليجي من مشاركة المحتوى الذي تطوره معها جامعات أخرى في المنطقة دون تكاليف إضافية باهظة، مع الاستفادة في الوقت نفسه من المواهب في المنطقة لإنشاء المزيد من الدورات والمحتوى ذي الاهتمام المشترك دون الحاجة إلى تعيين أعضاء هيئة تدريس جدد.
اليوم، هناك حاجة ماسّة لمثل هذه المبادرات التعاونية، لا سيما بالنظر إلى التناقص المطّرد في ميزانية التعليم العالي والبحث في معظم دول مجلس التعاون الخليجي منذ انهيار أسعار النفط في عام 2014 ومؤخرًا نتيجة الآثار الاقتصادية لجائحة كوفيد-19. ومما زاد الطين بلة، الانهيار الوشيك للاقتصاد اللبناني، والحصار المفروض على قطر، وتزايد التوتر بين دول مجلس التعاون الخليجي، والحروب والصراعات في اليمن وليبيا والعراق وسوريا. سيكون للفشل في الاستفادة من المواهب والخبرات الضخمة غير المستغلة في المنطقة تكاليف باهظة وعواقب سلبية على الحكومات والاقتصادات المحلية والإقليمية.
الاستفادة من موارد الشتات العربي
قبل بضعة أشهر، وجد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي دعا إلى الحد من الهجرة من العالمين العربي والإسلامي، نفسه مضطرًا للاختيار بين اثنين من العلماء والمدراء التنفيذيين العرب الأميركيين الرائدين لقيادة الجهود الأميركية لتطوير لقاح لكوفيد-19.
لقد حان الوقت لتقبل فكرة هجرة العقول إلى الغرب ، على الأقل خلال السنوات العشر إلى العشرين القادمة. لا ادعوا هنا ، بأي حال من الأحوال، إلى أننا يجب أن نتخلى عن قضية إشراك الشتات العربي والاستفادة من خبراتهم ومواردهم وشبكاتهم المهنية لصالح بلدانهم والمنطقة. لكن هذا لم يعد يتطلب عودتهم جسديًا إلى المنطقة. يتيح الإنترنت والتطور السريع لوسائل الإعلام والاتصال الجديدة اليوم إمكانية المشاركة والتعاون ومشاركة المعرفة والخبرة بشكل فعال دون الحاجة إلى السفر.
قبل بضعة أشهر، وجد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي دعا إلى الحد من الهجرة من العالمين العربي والإسلامي، نفسه مضطرًا للاختيار بين اثنين من العلماء والمدراء التنفيذيين العرب الأميركيين الرائدين لقيادة الجهود الأميركية لتطوير لقاح لكوفيد-19. إذ عيّن منصف السلاوي، المواطن البلجيكي-الأميركي المولود في المغرب، ليكون قيصر لقاحه. ومثل السلاوي، يشغل آلاف العلماء والمهندسين والأطباء وقادة الأعمال والمهنيين من الشتات العربي مناصب مؤثرة في الغرب. ويُشاد بهم لقيادتهم في مجالاتهم ومساهماتهم في النهوض ببلدانهم الجديدة. يجب ألاّ تمنعنا حقيقة أننا غير مستعدين أو غير قادرين على إعادتهم من إشراكهم والاستفادة من ثروتهم المعرفية وخبراتهم وتجاربهم.
كما حان الوقت أيضًا للتعرف على الفوائد الهائلة والفرص الضائعة في المجتمعات العربية وغيرها من المغتربين الموجودين في المنطقة، ولا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي الغنية. ومن شأن مساعدتهم في الحفاظ على الاتصال مع بلدانهم ومؤسساتهم أن يوفر فرصة فريدة للوصول إلى المواهب والأسواق الجديدة، والتي يمكن أن تعود بفوائد اقتصادية على دول مجلس التعاون الخليجي. إذا أتيحت لهم الفرصة للنجاح والمساهمة في تنمية وطنهم، فمن المرجح بقاؤهم في المنطقة.
يجب علينا أيضًا قبول حقيقة عدم وجود بلد واحد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمتلك رأس مال بشري وموارد طبيعية ووسائل مالية لبناء بيئات مستدامة وتنافسية للبحث والابتكار والتنمية. تكمُن الفرصة الوحيدة بالنسبة لنا لرؤية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نابضة بالحياة في التعاون والتنسيق والعمل معًا لضمان استمرارنا في دعم تطوير المواهب والقوى العاملة الماهرة في جميع أنحاء المنطقة.
* هلال الأشول، أستاذ علم الأعصاب في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في سويسرا.