بالرغم من التعقيدات في السياسة الدولية، ضمن الصراع بين العرب وإيران، (إن جازت التسمية) فإن اليمن تدخل معتركه الدولي على شكل حرب كلامية من المحتمل أن تتحول إلى تدخل حقيقي بغطاء روسي.
تحدث علي ولايتي، مستشار خامنئي أن سياسة مشتركة مع روسيا تتضمن ثلاث دول عربية وقد تتضمن اليمن مستقبلاً. جاء الحديث ليصب النار على الزيت ويزيد من لهب الصفيح الساخن مع توتر الأجواء السياسية بعد محاولة الحديث عن تدخل عسكري بري في "سوريا" بناءً على تعاون مع تركيا. تضاف إليه سحب الرياض المساعدات المقررة للجيش اللبناني المقدرة ب4 مليار دولار، بسبب سياسة "حزب الله" و الموقف اللبناني من القضايا العربية، لتكشف الحكومة اليمنية يوم الأربعاء عن ملف سيقدم لمجلس الأمن حول تدخل ميلشيا "حزب الله" في دعم وتدريب الحوثيين في البلاد، وهو ما أعقبه تسجيل فيديو لقيادي في الحزب يلقي بتعليمات حول عمليات عسكرية في "الرياض".
الواضح أن هذه التطورات تتسارع بشكل أكبر، فيما يضغط الروس ناحية الملف اليمني بالأزمة الإنسانية المتردية في البلاد، وهو ما أظهرت وزارة الخارجية الروسية مراراً الأيام الماضية كان آخرها تصريح (الخميس) يتحدث أن: "الأزمة الإنسانية وصلت حد الكارثة"، وتزامن ذلك مع حديث لوسائل الإعلام الإيرانية أن الرياض قررت شراء صفقة أسلحة كبيرة من الروس تتضمن صواريخ S-400.
ويستبعد أن تتدخل إيران و روسيا في اليمن، قد يحاول بعض المحللين القياس على الوضع السوري. الوضع اليمني يختلف، فموسكو تبرر تدخلها بأنه جاء بناء على طلب من "الحكومة الشرعية يقصد نظام الأسد"، وبناء على معاهدات سابقة بينه وبين النظام، وهو أيضاً ما تبرره "طهران"، فيما التحالف العربي تدخل في اليمن بناءً على طلب من الحكومة الشرعية، ولا تملك الدولتين التدخل في البلاد بدون وجود عامل مؤثر "شرعية مكتسبة"، -وهو أيضاً يدفع إلى التساؤل هل تملك موسكو حليفاً على الأرض كما هو موجود في سوريا؟!، وهل تملك إيران تواجد في اليمن كما هو موجود في سوريا؟!، بالإضافة إلى كون الجغرافيا عامل مهم في التنقل فاليمن تبعد آلاف الأميال عن أياً من روسيا أو إيران، بعكس سوريا.
لكن وبالرغم من كل ذلك، هذا لا يمنع أن يتم تدخل روسي وإيراني في أي مرحلة من مراحل المواجهة، وسيكون احتمال أكبر إذا ما حدث متغير جوهري في سوريا.
وفي أسوء المراحل التي يمكن أن تحدث قد يلجأ الروس والإيرانيون إلى الضغط من أجل عودة "البرلمان اليمني" الذي أحله الحوثيون في "الإعلان الدستوري" في فبراير 2015م، ويتطلب ذلك انسجاماً بين الحوثيين و"صالح" ولايبدو أن ثقة بينهما مستمرة، فقد تزعزعت الثقة وتبادل الطرفان الاتهامات بالخيانة مراراً.
إن فرضنا المصلحة الإيرانية التي تولد الدافعية للإمساك باليمن كورقة ضغط من أجل مساومة إقليمية، ومن أجل تحقيق الهدف الإيراني المنشود منذ "الثورة الخمينية" بالهيمنة على الشرق الأوسط، والذي يحتم عليها السيطرة على المراكز الإسلامية (مكة والمدينة) وتواجدهم في اليمن يعزز ذلك، فماذا يمكن أن يدعو موسكو للتدخل؟!
تعيش "موسكو" في عهد "بوتين" مرحلة غرور الرجل الذي يريد إثبات أن روسيا ما تزال قوة عظمى وتستطيع التحرك في أي مكان بدون ردع، إضافة إلى إخبار الأمريكيين أننا نعلب أينما تلعبون ونكسب أيضاً، مستغلاً السياسة الأمريكية المهزوزة والذي عبرت عنه دورية فورين أفريز: " خيارات أمريكا في المنطقة.. قاتل أو غادر؟"، وهو ما كان يجب على واشنطن أن تجيب عنه بدقه، فالشرق الأوسط لم يشهد فوضى كهذه منذ الغزو المغولي في القرن الثالث عشر”.
البعد الثالث لسياسة "موسكو" هو حاجتها إلى وجود في البحر الأحمر حيث يمكنها ذلك من حماية مصالحها الكبيرة في أفريقيا، وهو ما قد يكون مبرراً أيضاً للشعب الروسي في حال تدخله المستبعد أن يحدث في وقت قريب.
بالعودة إلى الإيرانيين، فهناك أمر يجب التركيز عليه وهو الداخل الإيراني في التصريحات التي تفهم أنها ضمن "السياسة الخارجية"، لكنها أيضاً تخاطب الإيرانيين أننا ما زالنا نواجه "الشيطان الأكبر" وما زال أعداء إيران خارج البلاد كثيرين، وأن دور إيران كبير ومحوري، و "روسيا" تساندنا، ونحتاج المزيد من احتمال سياسات النظام القمعية من أجل الحفاظ على المكاسب الثورية، ويجب أن نوقف "الغزو الثقافي"-مصطلح يطلقه المتشددون خوفاً من أي تحركات لإسقاطهم-، والهدف من كل ذلك بقاء النظام والسيطرة على الاقتصاد القادم بعد الاتفاق النووي الإيراني.
وخلاصة كل ذلك أن هذه الحرب الكلامية سواءً كانت روسية أو إيرانية هي من باب التحذير من مشاركة سعودية في سوريا، وأن أي تدخل سيكون ثمنه إزعاج أكبر للسعودية على حدودها الجنوبية، لكن يمكن مع مسارات الأحداث السريعة أن تشي بمسارات أخرى قد يصل إلى التدخل لكن ليس كتدخلهم في سوريا بل بشكل أخر.