كيف انهارت العملة اليمنية؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ (تحليل)
- عبد السلام قائد الإثنين, 02 أغسطس, 2021 - 04:32 مساءً
كيف انهارت العملة اليمنية؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ (تحليل)

[ تدهورت العملة اليمنية أمام العملات الأجنبية بسرعة كبيرة خلال الأشهر الأخيرة ]

تواصل العملة اليمنية انهيارها مقابل العملات الأجنبية إلى مستويات مخيفة، في ظل انعدام أي حلول جذرية من قبل الحكومة الشرعية للبلاد، بالإضافة إلى ظهور أزمة أخرى تتمثل في قيمتين مختلفتين للطبعات الجديدة والقديمة من العملة المحلية، وارتفاع رسوم الحوالات المالية من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية إلى المحافظات التي تسيطر عليها جماعة الحوثي إلى أكثر من 50%، بسبب منع الحوثيين تداول الطبعات الجديدة من العملة في مناطق سيطرتهم، التي يتركز فيها معظم سكان البلاد.

 

تظافرت العديد من العوامل التي أدت إلى هذا الانهيار المخيف في سعر العملة المحلية، وتتشارك مختلف أطراف الصراع المحلية والأجنبية في حدوث ذلك، مع تفاوت في نسبة التسبب بذلك الانهيار، أما الحلول فهي من اختصاص الحكومة اليمنية الشرعية بدرجة أولى، ثم التحالف السعودي الإماراتي الذي عطّل موارد البلاد وكان ذلك سببا رئيسيا في انهيار العملة المحلية والاقتصاد الوطني على حد سواء. أما ما يتم من إجراءات من قبل البنك المركزي في عدن للحد من انهيار العملة فإنها تزيد من صب الزيت على النار، ولا ترقى حتى إلى ما يمكن وصفها بالحلول الترقيعية.

 

البنك المركزي وإعادة تدوير الأخطاء

 

في تكرار منه للأخطاء السابقة، وعدم اتخاذ معالجات فعلية لانهيار العملة المحلية، أعلن البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن، الخميس الماضي، اتخاذه قرارات بشأن معالجة ما وصفها بـ"تشوهات العملة الوطنية"، وأهم ما أعلن عنه هو ضخ كميات جديدة من العملة المحلية فئة ألف ريال، ذات الحجم الكبير، إلى السوق وفي مناطق البلاد كافة، وتكثيف التداول بها في السوق، وما وصفه بيان البنك بمعاودة تعزيز استخدامها في معاملات البيع والشراء النقدي وبمستوى حجم أكبر.

 

كما أقر البنك -وفق بيانه- اتخاذ إجراءات منظمة لخفض حجم المعروض النقدي وإبقائه في المستويات المقبولة والمتوافقة كميا مع حاجة السوق لها، وذلك بناء على الدراسات التي أعدها الخبراء المختصون في البنك، للحد من أي آثار تضخمية، وانعكاسها سلبا على قيمة العملة المحلية في عموم السوق اليمنية ومختلف المناطق، وإلزام البنوك ومؤسسات التحويل والصرافة وخلال فترة قريبة مقبلة بوقف فرض عمولات جزافية وغير واقعية للتحويلات الداخلية بين مختلف مناطق البلاد، بدواعي التمييز السعري بين فئات العملة المحلية الواحدة، وستتعرض عند مخالفتها لعقوبات مشددة يقررها البنك بهذا الشأن.

 

في الحقيقة، لا يمثل الإجراء الأخير للبنك المركزي حلا حقيقيا، وظهر ذلك بوضوح في بيانه الذي أقر الشيء ونقيضه في آن واحد، فهو قال إنه أقر اتخاذ إجراءات منظمة لخفض حجم المعروض النقدي وإبقائه في المستويات المقبولة والمتوافقة كميا مع حاجة السوق لها، وفي نفس الوقت أعلن ضخ مزيد من العملة المحلية فئة ألف ريال في السوق، وبالحجم الكبير، فكيف يمكن التوفيق بين ضخ مزيد من العملة المحلية من جهة وخفض المعروض النقدي من جهة ثانية، بالإضافة إلى اعتباره الطبعات السابقة من العملة ذات الحجم الصغير عملة قانونية وبنفس القيمة الشرائية لمثيلتها من الطبعات القديمة والحديثة ذات الحجم الكبير، مع أنه كان يفترض سحبها لتقليل المعروض النقدي ولإصلاح ما وصفها بـ"تشوهات العملة الوطنية"، علما بأن من أبرز أسباب انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية هو شحة النقد الأجنبي وتضخم النقد المحلي، والحل هنا هو ضخ عملة أجنبية إلى السوق وليس عملة محلية.

 

والفائدة الوحيدة من ضخ البنك المركزي اليمني في عدن طبعة جديدة من العملة المحلية فئة ألف ريال، وبالحجم الكبير، هي حل مشكلة منع الحوثيين تداول الطبعات الجديدة من العملة ذات الحجم الصغير أو المميز عن الطبعات القديمة، وبالتالي حل مشكلة المواطنين القادمين من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية إلى المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، ولديهم مدخرات نقدية من الطبعات الجديدة ذات الحجم الصغير، بسبب انعدام الطبعات القديمة من العملة القديمة في المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، ذلك أن التعاملات التجارية والمصرفية والدوران السريع للعملة تسببا بما يمكن وصفه بنزوح الطبعات القديمة من العملة المحلية إلى مناطق سيطرة الحوثيين. وهذا الحل غير مضمون النتائج، إذ قد يفتعل الحوثيون أي سبب لمنع تداول الطبعات الجديدة من العملة المحلية وبالحجم الكبير في مناطق سيطرتهم، مثل بداية الرقم من اليسار أو الرموز الأبجدية أو غير ذلك، رغم الاحتيال بطبعها بتاريخ قديم وبنفس الرموز الأبجدية.

 

كيف انهارت العملة المحلية؟

 

بعد سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء وانقلابها على السلطة الشرعية والتوافق السياسي، بدأت بنهب الاحتياطي من النقد الأجنبي في البنك المركزي اليمني بصنعاء، وبلغ إجمالي المبلغ المنهوب خمسة مليارات ونصف المليار دولار، بحسب تقارير رسمية، ولم تنقل السلطة الشرعية البنك المركزي بصنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن إلا بعد أن استكمل الحوثيون نهبه، ولم يُعرف بعد السبب لماذا نقلت السلطة الشرعية البنك المركزي إلى عدن وهو خالٍ من الاحتياطي النقدي الأجنبي ومن الذهب بعد نهبه.

 

وربما أن ما حدث حينها، وما يزال يحدث إلى الآن، يؤكد أن القرار الاقتصادي للحكومة الشرعية مختطف من قبل التحالف السعودي الإماراتي إلى جانب اختطاف قرارها السياسي والعسكري، فالتحالف هو المسؤول عن خنق الحكومة الشرعية من خلال إغلاق الموانئ والمطارات في المحافظات المحررة وتعطيل الموارد الرئيسية للبلاد رغم محدوديتها، في حين جعل ميناء الحديدة رئة ضخمة يتنفس منها الحوثيون اقتصاديا، ثم من المسؤول عن عدم نقل الهيئة العامة للطيران من صنعاء إلى عدن، وعدم نقل شركات الاتصالات الحكومية والأهلية إلى عدن، وهما مصدران يدران عائدات مالية كبيرة من العملات الأجنبية تذهب لصالح الحوثيين؟ لا شك أن التحالف الذي اختطف القرار السياسي والعسكري والاقتصادي للسلطة الشرعية هو المسؤول عن ذلك.

 

وبعد نقل المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، وجدت الحكومة الشرعية نفسها أمام استحقاقات يجب عليها الإيفاء بها، مثل دفع رواتب الموظفين العسكريين والمدنيين، والبنك بدون احتياطي من النقد الأجنبي، والإيرادات متوقفة بسبب توقف الإنتاج والتصدير، لذلك لجأت إلى طبع كميات كبيرة من العملة المحلية بدون غطاء من العملات الأجنبية، مع استمرار توقف الإنتاج والتصدير، وزاد الطين بلة عندما طبعت عملة بحجم صغير يختلف عن الحجم السائد، ويبدو أن تلك الفكرة كانت ضمن مخطط لضخ كميات كبيرة من المعروض النقدي إلى السوق يتخذ بعده الحوثيون قرارا بمنع تداول العملة بتلك الطبعة المختلفة التي يسهل تمييزها، وبالتالي إحداث إرباك في السوق المصرفية وتعميق الأزمة بشكل استفاد منه الحوثيون وتضررت بسببه الحكومة الشرعية.

 

ورغم أن العملة المحلية ظلت تنهار تدريجيا بعد اندلاع الحرب وتدخل التحالف السعودي الإماراتي، لكن انهيارها تسارع كثيرا خلال العامين الماضيين، بسبب تراكم التضخم النقدي، واستمرار أزمة خلو البنك المركزي من النقد الاحتياطي الأجنبي، والحصار الاقتصادي الذي فرضه التحالف على اليمن وخصوصا المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، بالإضافة إلى فشل السياسة المالية للحكومة وفشل السياسة النقدية للبنك المركزي.

 

يعود فشل السياسة المالية للحكومة الشرعية إلى ثلاثة أسباب رئيسية: الأول، إجباري خلقته ظروف الحرب. والثاني، ذاتي بسبب تخلي السلطة الشرعية عن أداء وظائفها الرئيسية ذات الصلة، مثل إدارة النشاط الاقتصادي والتصدير والإشراف على خلق توازن في ميزان المدفوعات. والثالث، السكوت على تعطيل التحالف السعودي الإماراتي لموارد البلاد الرئيسية ووضع عراقيل حالت دون عودة الحكومة الشرعية إلى عدن لأداء وظائفها ذات الصلة، وخلق واقع مليشياوي أسهم في إرباك ما تبقى من نشاط اقتصادي والتأثير على نشاط السوق المصرفية، وشتت الإيرادات المحدودة من جمارك وضرائب، وتسبب في انعدام الادخار ومحدودية الاستثمارات وغياب الإنفاق الحكومي الذي يسهم في استقرار السوق النقدية.

 

وإلى جانب فشل السياسة المالية للحكومة، هناك فشل السياسة النقدية للبنك المركزي في عدن، وتتمثل -باختصار- في أن هناك إفراطا في طباعة النقود، مما تسبب بتضخم نقدي في ظل انعدام كلي للنشاط الاقتصادي، وتسبب التضخم النقدي بتضخم في الأسعار، مع أن المهمة الرئيسية للبنك هي الموازنة بين العرض النقدي والنشاط الاقتصادي، مع ضرورة ترشيد السياسة المالية للدولة، والتدخل في استقرار السوق المصرفية، والأهم من ذلك العمل على خلق توازن في ميزان المدفوعات بالتعاون مع الحكومة، أي التوازن في الصادرات والواردات، وتكون البداية من استئناف التصدير وترشيد النفقات وإيقاف استيراد الكماليات والسيارات وإيقاف بناء المنشآت ومشاريع البنى التحتية مؤقتا حتى يتعافى الاقتصاد.

 

لكن البنك، ومن خلال لجوئه إلى طباعة النقود بكميات كبيرة، فإنه تسبب في خلق فائض نقدي من العملة المحلية، وهذا خطأ كبير بسبب توقف النشاط الاقتصادي للدولة، ووجود خلل كبير في ميزان المدفوعات، يتمثل في أن الواردات أكثر من الصادرات، وهذا يسبب شحا في العملات الأجنبية، لأن الواردات تلتهم العملات الأجنبية في البلاد، بدون أن تكون هناك صادرات لتلبية حاجة البلاد من العملات الأجنبية وتعوض ما تلتهمه الواردات، ويتسبب ذلك بارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية بسبب ازدياد الطلب عليها لتغطية تكاليف الاستيراد مجددا.

 

ويزداد الوضع سوءا عندما يكون هناك تضخم نقدي ناتج عن طباعة العملة المحلية بكثافة إلى جانب تضخم في الأسعار، كما أن استهلاك عائد الصادرات المحدودة في بناء مشاريع بنى تحتية ومنشآت، كما هو الحال في مأرب وشبوة، فإنه يستهلك النقد الأجنبي المحدود بسرعة في مشاريع ليست ذات طبيعة استثمارية، ولا يترتب عليها أي فوائد اقتصادية، وكان يفترض تأجيلها إلى ما بعد الحرب أو إلى حين التعافي الاقتصادي، كما أن حصة أي محافظة من إنتاج النفط فيها يفترض تعطيله مؤقتا لحين التعافي الاقتصادي، أما بناء منشآت ومشاريع بنى تحتية في زمن الحرب والدمار وانهيار الاقتصاد، فيشبه الذي ينتزع قوت أبنائه من أفواههم ليرصف لهم الطرقات ويبني لهم القصور بينما هم يتضورون جوعا.

 

وقد يتساءل البعض: إذا كان القائمون على البنك المركزي في عدن يدركون أن طبع النقود بكميات كبيرة سيؤدي إلى تضخم نقدي والذي بدوره سيؤدي إلى انهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية وتضخم في الأسعار بسبب عدم توفر احتياطي من النقد الأجنبي والذهب، فلماذا يقدمون على مثل هكذا خطوة رغم إدراكهم لأبعادها الكارثية؟ الجواب: من المؤكد أن القائمين على البنك يدركون الأبعاد الكارثية لطبع النقود بكميات كبيرة في ظل انعدام الاحتياطي من النقد الأجنبي والذهب في البنك، لكنهم لن يفعلوا ذلك إلا إذا كان الأمر سيترتب عليه مصالح شخصية لهم، وهذه المصالح لن تأتي إلا في حال كان هناك "مضاربة بالعملة"، أي تسخير النقود المطبوعة في شراء العملات الأجنبية من السوق بكثافة ليس لأهداف تجارية أو غيرها وإنما بهدف تخزين أكبر قدر من العملة الأجنبية ثم بيعها في حال ارتفاع قيمتها، وهذا يسبب شحا متدرجا في العملات الأجنبية، وبالتالي انهيار سعر العملة المحلية.

 

كيف ظهر فارق في سعر الطبعات الجديدة والقديمة من العملة المحلية؟

 

عندما منع الحوثيون تداول الطبعات الجديدة من العملة المحلية في مناطق سيطرتهم، بذريعة أن الإفراط في ذلك سيؤثر على سعر العملة مما يؤدي إلى انهيارها، ظهر فارق في سعر الصرف بين الطبعتين الجديدة والقديمة من العملة، وأيضا ارتفاع رسوم التحويلات المالية من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية إلى المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، حتى وصلت إلى أكثر من 50%، فكيف حدث ذلك؟

 

الإيحاء الأولي بخصوص ذلك، بدون تمحيص دقيق في الأسباب، يشير إلى أن قرار الحوثيين بخصوص منع تداول الطبعة الجديدة من العملة كان قرارا حكيما، ولولا ذلك القرار فإنهم كانوا سيتضررون اقتصاديا، والحقيقة هي أن الحوثيين كانوا هم المستفيد الأكبر من زيادة المعروض النقدي من العملة المحلية من الطبعات الجديدة رغم منعهم تداولها، فزيادة المعروض النقدي لم يقتصر على المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، ولكنه طال أيضا مناطق سيطرة الحوثيين، والفارق هو أن زيادة المعروض النقدي في مناطق سيطرة الحوثيين تم بالعملة القديمة التي نزحت من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، بسبب النشاط التجاري والمصرفي والدوران السريع للعملة في السوق، أي أن العملة القديمة التي كانت تغطي اليمن كافة صارت جميعها في مناطق سيطرة الحوثيين، وحل مكانها في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعروض النقدي من الطبعات الجديدة، وبالتالي فإن زيادة المعروض النقدي أصبح شبه متساوٍ في كل المحافظات اليمنية، ولم يستطع الحوثيون منعه في مناطق سيطرتهم.

 

والحقيقة هي أن قرار الحوثيين بمنع تداول الطبعة الجديدة من العملة لم يكن قرارا ذكيا ويحمل نوايا حسنة، ولكنه يحمل نوايا خبيثة، وهو ما يظهر في طريقة الحوثيين للاستفادة منه، كونهم وظفوا ذلك لفرض سعر صرف إجباري للعملات الأجنبية أقل من قيمتها الحقيقية وفقا للعرض والطلب، بهدف نهب مدخرات المواطنين وتحويلات ذويهم المغتربين من العملات الأجنبية. وبما أن الحوثيين ليس لديهم خبرات اقتصادية، كما هو حال أي مليشيات لا تجيد سوى القتل وسفك الدماء، فمن المحتمل أن ثمة خلية تدار من قِبَل التحالف السعودي الإماراتي لتدمير الاقتصاد اليمني والعملة المحلية هي من أوعزت للحوثيين اتخاذ مثل هكذا قرار، وبينت لهم كيف يستفيدون منه، ولو أن الحوثيين كانوا صادقين في حماية العملة المحلية من الانهيار، لكانوا اتخذوا ذلك القرار في وقت مبكر من بدء طبع مزيد من النقود، لكنهم أجلوه حتى ملأت الطبعات الجديدة صغيرة الحجم مناطق سيطرتهم، ثم اتخذوا قرارا بمنعها لإيجاد ذريعة لمصادرتها من المواطنين ومن البنوك وشركات الصرافة التي لا تتبعهم، ثم قايضوا بها عبر شركات الصرافة لسحب الطبعات القديمة من العملة إلى مناطق سيطرتهم.

 

اتخذ الحوثيون قرارا بجعل سعر صرف الدولار إجباريا بحدود 600 ريال بالتزامن مع بدء التأثيرات الكبيرة للمعروض النقدي من العملة المحلية على أسعار الصرف، وهذا القرار تسبب بظهور سعر مختلف للطبعتين القديمة والجديدة من العملة، لأن أسعار الصرف في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية تخضع للعرض والطلب، وفي مناطق سيطرة الحوثيين تخضع أسعار الصرف لقرار إجباري، خصوصا أن أغلب شركات الصرافة يملكها حوثيون، وهو ما مكنهم من التحكم والضبط الإجباري لأسعار الصرف.

 

وقد اتخذ الحوثيون ذلك القرار ليس حرصا على مصالح المواطنين أو حرصا على العملة المحلية من الانهيار، ولكن لأجل نهب مدخرات المواطنين وتحويلات ذويهم المغتربين في الخارج من العملة الأجنبية، كونهم يشترونها منهم بأقل من أسعارها الحقيقية وفقا للعرض والطلب، بدليل أن أسعار المواد الغذائية وغيرها ترتفع، بينما أسعار صرف العملات الأجنبية ثابتة. وبما أنهم يسيطرون أيضا على القطاع التجاري، فهم يشترون مدخرات المواطنين وتحويلات ذويهم من العملات الأجنبية بأسعار أقل، ويشترون بها بضائع من الخارج بأسعارها الحقيقية، ثم يبيعون تلك البضائع للمواطنين بأسعار مضاعفة، وهكذا ينهب الحوثيون المواطنين مرتين، الأولى بشراء مدخراتهم وتحويلات ذويهم من العملات الأجنبية بأقل من أسعارها الحقيقية، والثانية أنهم يشترون بها بضائع يبيعونها للمواطنين بأسعار مضاعفة.

 

وهناك عوامل أخرى مكنت الحوثيين من مواصلة حربهم الاقتصادية على الحكومة الشرعية، وهي عوامل ليست من صنعهم، وإنما بسبب فشل السلطة الشرعية والتحالف الداعم لها في إدارة الحرب ضد الحوثيين، إن لم يكن التحالف (السعودي الإماراتي) متورطا مع الحوثيين في التآمر على العملة المحلية والاقتصاد الوطني بهدف تدميره، وتتمثل هذه العوامل في أن ثمة أسبابا جعلت الحوثيين يستفيدون من المعروض النقدي المكثف في مناطق سيطرتهم، وتوظيفه في الحرب ضد الحكومة الشرعية اقتصاديا وعسكريا، فهذا المعروض وفّر لهم سيولة نقدية تمكنهم من استمرار الحرب وتمويلها وحشد مزيد من المقاتلين، كما أن هذه السيولة النقدية التي تتحكم بها مصارفهم تساعدهم على شراء مدخرات المواطنين وتحويلات ذويهم من العملات الأجنبية بأسعار أقل من أسعارها الحقيقية وما يترتب على ذلك، كما أوضحنا سابقا.

 

كما أن تساوي السيولة النقدية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية ومناطق سيطرة الحوثيين سيؤثر على السلطة الشرعية والمواطنين في مناطق سيطرتها أكثر من تأثيراته على الحوثيين، وذلك بسبب تركز الكثافة السكانية في مناطق سيطرة الحوثيين، وتركز الانشاط التجاري فيها أكثر، فيؤدي ذلك إلى امتصاص السيولة النقدية وتقليص الفارق بين العرض والطلب، حتى وإن كانت أسعار الصرف إجبارية، لكن تقليص الفرق بين العرض والطلب يخلق نوعا من الطمأنينة لدى المصارف.

 

وهناك العديد من مصادر العملة الأجنبية التي تصل للحوثيين ولا تتوفر لدى الحكومة الشرعية، مما يقلص الفرق بين العرض والطلب في السوق المصرفية، وتتمثل هذه المصادر في أن معظم المساعدات الأجنبية تصل إلى مناطق سيطرة الحوثيين بالعملات الأجنبية، بالإضافة إلى تحويلات المغتربين في الخارج، وهم كثر في مناطق سيطرة الحوثيين ذات الكثافة السكانية، إضافة إلى عائدات الجمارك والضرائب على الواردات عبر ميناء الحديدة، وحصول الحوثيين على عائدات الطيران الدولي فوق الأجواء اليمنية، وضرائب شركات الاتصالات وعائداتها من الشركات الأجنبية كرسوم استقبال المكالمات، وغير ذلك من الموارد التي تذهب لصالح الحوثيين ومحرومة منها السلطة الشرعية، رغم أنه يفترض أن تكون لصالحها من الناحية القانونية، لولا خذلان التحالف لها، وأيضا تقاعسها عن القيام بأي شيء يجرد الحوثيين ولو بعض مصادر حصولهم على العملات الأجنبية التي تخلق لهم نوعا من توازن العرض والطلب في السوق المصرفية بمناطق سيطرتهم، وتساعدهم على فرض سعر إجباري للعملات الأجنبية.

 

وبخصوص الفرق في أسعار الصرف وارتفاع رسوم التحويلات من مناطق سيطرة الحكومة إلى مناطق سيطرة الحوثيين، فالمستفيد الوحيد منه هم الحوثيون، كونهم يحصلون على عمولاتهم من رسوم التحويلات بالعملات الأجنبية بعد مصارفتها بما يقابل أسعار الصرف للطبعات الجديدة من العملة، كما أن الفارق في رسوم التحويلات يتم من طرف واحد، فإذا كانت رسوم التحويلات المالية إلى مناطق سيطرة الحوثيين تصل إلى 50%، فإن نفس هذه النسبة كان يجب أن تضاف إلى المبالغ المحولة إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، لكن ما يحدث هو أنه عند تحويل أموال من عدن إلى صنعاء مثلا، تظل قيمة الأموال كما هي منخفضة بعد سحب نصفها كرسوم تحويل، بينما التحويلات من صنعاء إلى عدن لا تصل هناك وفق قيمتها في صنعاء، وإنما تهبط قيمتها مباشرة إلى قيمة العملة في عدن، لأنه لم تتم إضافة ما يعادل 50% إلى المبالغ المحولة إلى هناك، وهذا لو حدث سيكون له نتائج إيجابية نوعا ما، مثل تخفيف السيولة النقدية لدى المصارف في مناطق الحكومة الشرعية، وبنفس الوقت تقليص أرباح المصارف الحوثية من عمولات التحويلات الواردة من مناطق الحكومة الشرعية.

 

من المسؤول وما الحل؟

 

تتشارك مختلف الأطراف المحلية والأجنبية في انهيار العملة المحلية وتدمير الاقتصاد الوطني، فالحوثيون نهبوا الاحتياطي من النقد الأجنبي من البنك المركزي في صنعاء لتمويل مجهودهم الحربي، والتحالف السعودي الإماراتي الذي اختطف القرار السياسي والعسكري والاقتصادي للحكومة الشرعية يتحمل المسؤولية الكبرى بسبب تعطيله موارد البلاد وتعطيل حركة الصادرات وتقييد الواردات بإغلاقه للموانئ والمطارات في المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية.

 

وليس مستبعدا أن يكون التحالف السعودي الإماراتي هو من يرسم السياسة النقدية للبنك المركزي اليمني في عدن لكي تنهار العملة المحلية وينهار اقتصاد البلاد، وخلق انقسام نقدي واقتصادي بين شمال اليمن وجنوبه لتعزيز الانقسام السياسي تمهيدا لمشروع الانفصال، وإلا فلماذا يعطل التحالف موارد البلاد ويغلق المطارات والموانئ، مع أن استمرار النشاط الاقتصادي سيخفف على التحالف التكفل بأعباء الحرب وصرف رواتب المسؤولين في الحكومة الشرعية وقادة المليشيات التي شكلها؟ ولذا ففي الأحوال الطبيعية فإن التحالف كان سيدعم السلطة اليمنية الشرعية لتحقيق النهوض الاقتصادي، لكنه آثر الانفراد بتحمل تكاليف الحرب إذا كان ثمن ذلك هو تدمير الاقتصاد اليمني والعملة المحلية وخلق انقسام نقدي واقتصادي يعزز الانقسام السياسي، ذلك أن تكبيل الحكومة الشرعية اقتصاديا سيجعلها مكبلة سياسيا وعسكريا، وبالتالي اختطاف قرارها السياسي والعسكري والاقتصادي أيضا، وهذا ما يجعل السلطة الشرعية تتحمل مسؤولية الوضع الراهن بسبب ارتهانها وتسليم قرارها السيادي للتحالف الذي أوصلها وأوصل الشعب إلى هذا المأزق الحرج.

 

أما الحلول فهي في الوضع الراهن صعبة ومعقدة، والحل الأفضل هو الحسم العسكري للمعركة لتعود مجمل الأوضاع إلى طبيعتها، وفي حال نية جميع الأطراف المحلية والأجنبية الاستمرار في المعركة لمدة أطول، فهناك حلول ممكنة تتطلب تعاون التحالف السعودي الإماراتي مع الحكومة الشرعية لإنقاذ العملة المحلية والاقتصاد الوطني من الانهيار، والبداية من تفعيل التصدير ورفع الحظر عن عمل الموانئ والمطارات، وتحويل جميع الواردات عبر الموانئ التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية وإغلاق ميناء الحديدة، لأجل استعادة السيطرة على الضرائب والجمارك، ونقل الهيئة العامة للطيران ومراكز شركات الاتصالات إلى مدينة عدن أو غيرها، للاستفادة من عائداتها من العملات الأجنبية والضرائب.

 

كما يمكن تقييد عمل المنظمات الأجنبية في مناطق سيطرة الحوثيين بأن تمر أموال المساعدات من العملات الأجنبية عبر البنك المركزي في عدن ومصارفتها بالعملة المحلية قبل إنفاقها في المساعدات، والتحرك للمطالبة بالأموال المجمدة في البنوك الأجنبية، والأموال المنهوبة من قبل رموز النظام السابق ومخزنة في بنوك أجنبية، وتتبع حركة الأموال التي ينقلها الحوثيون إلى البنوك الخارجية واستعادتها، وغير ذلك من الحلول والإجراءات التي ستظهر تباعا في حال كان هناك نية صادقة لتحقيق التعافي الاقتصادي للبلاد، لكن ما يبدو هو أن الجميع يبحثون عن المكاسب الخاصة على حساب دمار المواطنين، في حين يعمل اللاعبون الأجانب لأجل تدمير الاقتصاد اليمني وانهيار العملة المحلية وخلق مزيد من الانقسامات في البلاد.


التعليقات