قال معهد ألماني إن محافظة مأرب الغنية بالنفط، ستحدد مستقبل اليمن الذي يشهد حربا منذ سبع سنوات بين القوات الحكومية المدعومة بتحالف عربي تقوده السعودية من جهة وجماعة الحوثي المدعومين من إيران من جهة أخرى.
وأضاف المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية "SWP" - في تقرير له أعدته الكاتبة ماريك ترانسفيلد وترجمه للعربية "الموقع بوست" ـ إن مستقبل الصراع اليمني يتقرر على بعد 120 كيلومترا شرقي العاصمة صنعاء تحديدا في مدينة مأرب.
وحدد المعهد الألماني ثلاثة سيناريوهات لمسار الحرب في اليمن وهي مفاوضات وقف إطلاق النار بعد دفاع ناجح عن مأرب "السيناريو الأول"، وسقوط عاصمة الإقليم لتكون نقطة انطلاق لانتقال الصراع إلى الأجزاء الجنوبية من البلاد "السيناريو الثاني"، وتقسيم الدولة عن طريق التفاوض بمشاركة الإمارات وإيران "السيناريو الثالث".
وأوضح التقرير، أن "فقدان مأرب، سيؤدي إلى إضعاف الحكومة اليمنية إلى حد كبير بعد ما يقرب من سبع سنوات من الحرب، حيث أصبحت مأرب الآن أهم معاقلها، وعلى الرغم من دعم التحالف العسكري بقيادة السعودية، فقدت الحكومة سيطرتها على أجزاء كبيرة من الأراضي الوطنية ولم تتمكن من استعادة العاصمة صنعاء، التي سيطر عليها الحوثيون في سبتمبر 2014".
وتحدث التقرير عن السيناريو الأول، بحدوث مفاوضات وقف إطلاق النار بعد دفاع ناجح عن مأرب، مشيراً إلى أن الشرط الأساسي لاستئناف محادثات السلام هو حدوث تحول واضح في الميزان العسكري لصالح القوات الحكومية، مستدلاً الأحداث الأخيرة التي شهدتها محافظة شبوة وسيطرة القوات الحكومية على مديريات شبوة الغربية والتقدم بإتجاه جنوبي مأرب.
وعن استمرار الدعم العسكري والمالي والسياسي من كل من السعودية والإمارات، قال المعهد، بأنه من غير المرجح أن يتحول التوازن العسكري بطريقة كبيرة بما يكفي لتمكين حل مستدام للصراع، بعد وقف إطلاق النار، ومن غير المرجح أيضا أن توافق أطراف النزاع على تقاسم السلطة، ويرجع ذلك من ناحية إلى عدم رغبة الحوثيين في تقديم تنازلات، حيث وافقوا على اتفاقيات في الماضي لكنهم فشلوا في احترامها.
وحول السيناريو الثاني لمسار الصراع في اليمن، توقع المعهد سقوط مأرب، أهم معاقل الحكومة الشرعية شمالي البلاد، مؤكدا أن ذلك سيشكل صدمة عبر مناطق سيطرة الحكومة الهشة الأخرى وتؤدي إلى الانهيار التدريجي لإدارة هادي.
وأفاد التقرير أن سيطرة جماعة الحوثي على مأرب، سيغير بشكل حاسم ديناميكيات الصراع اليمني، وعلى الرغم من أن المناطق الواقعة خارج أراضي الحوثيين تخضع اسمياً لسيطرة حكومة هادي، إلا أن الكثير منها يخضع في الواقع لسيطرة جماعات مسلحة أخرى، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي أو القوات المشتركة.
وأشار المعهد إلى "الفروق بين مقاربات وأهداف التدخلات السعودية والإماراتية في اليمن من الأسباب الرئيسية للتشرذم، فبينما كانت أولوية الرياض هي صد الحوثيين، وبالتالي ردع نفوذ إيران على اليمن، كانت سياسة الإمارات تهدف إلى السيطرة على الطرق البحرية في البحر الأحمر والبحر العربي ومواجهة حزب الإصلاح".
وأوضح التقرير بأنه وفي حال الانتصار في مأرب، من غير المرجح أن يرضى الحوثيون عن شمال اليمن وحده، وبالتالي سيطالبون بكامل الأراضي الوطنية، وبالتالي، بعد انهيار الحكومة، سيستمر القتال على الأراضي بين الحوثيين من جهة، والمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المشتركة والجماعات المسلحة الأخرى من جهة أخرى، في أواخر عام 2021، كان الحوثيون قادرين بالفعل على الاستيلاء على أجزاء من شبوة، مما أثار مخاوف من أن المتمردين قد يتقدمون أكثر نحو حضرموت الغنية بالموارد، سيحاولون بالتأكيد الاستيلاء على مدينة تعز التي حاصروها بالفعل.
وعن السيناريو الثالث، المتمثل بالتقسيم التفاوضي للبلاد، مع الإحتفاظ بمأرب كورقة مساومة، قال التقرير، بأن جماعة الحوثي ستتفاوض مباشرة مع القوى الإقليمية على حل من شأنه أن يحافظ على الوضع الراهن ويقسم البلاد إلى جزء شمالي وجزء جنوبي أو أكثر. وهنا، ستلعب الإمارات دورًا رئيسيًا، وهي مهتمة بالحفاظ على نفوذها في جنوب اليمن. وتمارس الإمارات بالفعل سيطرة فعلية على ميناء عدن ومضيق باب المندب وجزيرة سقطرى قبالة القرن الأفريقي.
وتحدث المعهد عن استخدام الإمارات لشركائهم المحليين بهدف إضعاف حزب الإصلاح، وربما حتى دعم الجماعات الموالية لهم في تولي المناصب التي كان حزب الإصلاح يشغلها سابقًا. ولن يؤدي ذلك إلى إضعاف حكومة هادي فقط، مما يساهم في انهيارها التدريجي، بل يمهد الطريق أيضًا لمحادثات مباشرة.
ولفت التقرير، إلى أن الإمارات علمت بنقاط ضعفها في عام 2019 عندما تعرضت ناقلات النفط للهجوم في مياهها الإقليمية، ووضعت نصب عينيها تسهيل علاقتها مع طهران. وكإجراء لبناء الثقة، سحبت قواتها تدريجياً من اليمن، لا سيما من المنطقة المحيطة بميناء الحديدة. ثم استولى الحوثيون على هذه المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية بالكامل في نوفمبر 2021. ولتجنب المزيد من الهجمات عبر الحدود، ستحتاج الإمارات إلى التوقف عن تحدي الحوثيين عسكريًا.
وبحسب التقرير، فإنه ومن أجل الحفاظ على مناطق نفوذ الإمارات بشكل دائم في جنوب اليمن، ستحتاج إلى احتواء الحوثيين في الشمال من خلال مزيج من القوة العسكرية والمفاوضات، وبالتالي ستُخضع الحكومة السعودية إجراءاتها العسكرية والدبلوماسية لدولة الإمارات، لأنها لم تتمكن حتى الآن من تأكيد مصالحها باستراتيجيتها الخاصة.