انكماش الثورة المضادة في الذكرى السادسة لفبراير.. تحليل لـ محمد المقبلي
- خاص السبت, 11 فبراير, 2017 - 10:00 مساءً
انكماش الثورة المضادة في الذكرى السادسة لفبراير.. تحليل لـ محمد المقبلي

عندما فكرت بالبحث عن تعريف دقيق للثورة المضادة لم أجد تعريفا موحدا، وعندما سألت شباب من ثوار 11 فبراير: ماذا يتبادر إلى ذهنك عندما تسمع مصطلح الثورة المضادة؟ قال لي إنها كل مسلك مضاد للثورة الحقيقية وتطلعاتها وأهدافها ورؤاها.
 
بحسب موسوعة ويكيبيديا، الثورة المضادة هي معارضة ثورة، بالذات أولئك الذين يحاولون بعد ثورة الانقلاب عليها أو عكسها بالكامل أو جزئيا.
 
تلك ما يرتبط المصطلح بالأفراد والحركات التي تحاول استعادة الأوضاع أو المبادئ التي سادت في فترة ما قبل الثورة.
 
ومن الجيد قبل البدء في مناقشة الثورة المضادة، الإشارة الى أن الفلسفة الثورية   شكل ثابت ومفاهيم جامدة، وأن هنالك عدد من المدارس المختلفة للفلسفة الثورية ورؤى الثورة، وكذا مدارس نقد الثورات الذين يعتمد نقدهم -جميعا- على تفسيرات متنوعة وأحياناً متصارعة لنظريات الثورة ذاتها، وعلى كيفية تطبيقها في تحليل تحولاتها والثورات المضادة والانقلابات والانقسامات التي تقف في طريق التحولات الثورية بشكل عام.
 
الثورة المضادة
 
 الثورة المضادة للثورة الشبابية بلغت ذروتها في ليلة الغدر بجمهورية الشعب ودولته وعاصمته، يوم 21 سبتمبر 2014، وهي من أكثر ليالي صنعاء الحديثة ظلاماً.
 
غير أن خيوطها الأولى ربما كانت مصاحبة من اللحظات الأولى لخيوط فجر فبراير، وظلت متأرجحة بين نمو واضمحلال، بحسب طبيعة المرحلة الانتقالية، سواء من خلال عرقلة العملية السياسية أو تغذية الإرهاب أو تخريب أبراج الكهرباء أو تفجير أنابيت النفط وغيرها.
 
أو من خلال العملية المسلحة التي كان يتم الترتيب لها في شمال الشمال وكانت تسابق العملية السياسية التي كانت أحد مخرجات ثورة فبراير.
 
وفي اليمن لم تكن ثورة مضادة واحدة، بل كانت ثورتان مضادتان برأسين وجسدين منفصلين تحالفا مع بعض، ثورة مضادة لسبتمبر ممثلة بالحوثية الإمامية، وثورة مضادة لفبراير ممثلة بالصالحية العائلية.
 
 كانت الوحدة المضادة التي انقلبت على المرحلة الانتقالية التي تلت الوحدة كانت المضخة المركزية للصورة المضادة.
 
 ملامح الثورة المضادة كانت ظاهرة بعد ضرب مشروع الوحدة السلمية باعتبارها خلاصة الثورتين، ظهرت بشكل بالغ الحجم والوضوح في الحكم العائلي والتمهيد لاكتمال الثورة المضادة التي أفشلت اكتمالها ثورة فبراير 2011، والتوريث العائلي بحد ذاته ضرب للمضمون السياسي للمشروع الجمهوري القائم أساساً على جمهورية حكم شعبي واسع، وفي أن يمتلك الشعب سلطته.
 
ويحسب للشعب اليمني في نضالاته الوطنية من منتصف القرن الماضي أنه عندما قاوم الاستبداد رفع لافتة الحرية والجمهورية، فلا جمهورية بدون حرية ولاحرية بدون جمهورية.
 
وهذا ما تفسره تحركات الثورة المضادة ضد الحرية من خلال الانقلابات أو من خلال سلوكها الانقلابي داخل بنية السلطة، وتركيزها الأساسي على ضرب مضمون الجمهورية من خلال البدء بقمع الحريات كمقدمة لاستلاب الحقوق، إذ أن وسيلة انتزاع الحقوق هي الحرية، وكما أن جوهر أي ثورة حقيقية هي الشرعية الشعبية والحقوق والحريات فإن جوهر أي ثورة مضادة عكس ذلك تماماً، لأن الشرعية الشعبية واختيار الشعب من يحكمه لب المشروع السياسي للثورة الحقيقية، بينما المشروع السياسي للثورة المضادة قائم على فكرة اغتصاب الحكم بأي صيغة كانت.
 
الشرعية الشعبية
 
 بخصوص الشرعية الشعبية وحكم الشعب نفسه بنفسه، سأشير لهذا المفهوم من وجهة نظر شباب الثورة.
 
خلاصة لأحد شباب ثورة 11 فبراير المثقف الشاب "حارث الثور" الذي قدم تلخيصاً بالغ النضج بقوله إن "الاستقلال شرط الدولة الوطنية وشرط الاستقلال قيام الحكم على شرعية شعبية كلية، بدون ذلك لا استقرار لأي حكم ولا تغييره إلا على أنهار من الدم".
 
وهنا يشير الحارث إلى الشرعية الشعبية، وهي الحرية السياسية والحكم الاختياري للشعب، وهذا ما تتصارع معه فكرة تاريخية شريرة سلطوية قائمة على اغتصاب الحكم.
 
وللزبيري أيضا إرث أدبي تاريخي متعلق بمقاومة اغتصاب الحكم كأساس للرجعية من خلال البيت الشعري المهم الذي يقول مطلعه: والحكم بالغصب رجيعاً نقاومه.
 
ضرب القوى الحية
 
 وفيما تعلق الأمر بضرب القوى الحية داخل المشروع الوطني الجمهوري بكل اخفاقاته، كان هذا الضرب أحد الأدوات الناعمة لخيوط الثورة في ضرب روح مشروع التغيير الذي تبلور داخل المشروع الوطني المعارض للسلطة، والتي انحرفت بالمشروع الجمهوري وعملت على مد خيوط الثورة المضادة إلى داخل أحشاء الدولة الجمهورية والسير نحو حافة التوريث باعتبارها أخطر منزلق للمشروع الجمهوري، مهد لعودة المشروع الإمامي.
 
وهذا يفسر نقطة لقاء طرفي الثورة المضادة بين أنصار التوريث العائلي الصالحي وأنصار التوريث السلالي الإمامي، وترتكز تلك النقطة على إلغاء المجموع الشعبي وتكريس الاحتكار السياسي والفئوي للحكم وإلباس المركزية الشديدة المتحكمة بالدولة ثوب الوحدة الوطنية، واعتبار توزيع السلطة والثورة بين أبناء اليمن تمزيق للوحدة ورفع العديد من الأسطوانات المشروخة.
 
عملية مسلحة
 
وبناء على تراكمات اللحظة الراهنة في الذكرى السادسة لثورة فبراير نستطيع القول إن الثورة المضادة لفبراير جاءت من خلال عملية مسلحة انقلبت على العملية السياسية ومخرجات الحوار الوطني لتعيد اليمنيين إلى مقابل الحوار وما قبل ثورة فبراير.
 
أما الجناح الثاني من الثورة المضادة للجمهورية فيريد أن يعيد اليمنيين إلى ما قبل 26 سبتمبر، وربما إلى ما قبل القرون الوسطى.
 
غير أن اللافت في الأمر في الذكرى السادسة لثورة فبراير هو انكماش الثورة المضادة على المستوى الوعي الشعبي وعلى المستوى السياسي والاجتماعي والعسكري، وأنها فشلت فشلاً ذريعاً على كافة المستويات سياسياً واقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً وحتى أخلاقياً، كما أنها لم تعد مغرية لها لمعان وجاذبية مسمومة كما كانت لحظة بروزها مغلفة بحيل سياسية واجتماعية تحولت إلى فقاعة.
 
مسألة استمرار هذه الانكماش وتلاشيه باتت مؤشراته واضحة وخصوصاً أن الثورة المضادة في اليمن ارتبطت بالانقلاب والنفوذ الإيراني، وهذا ما يجعل إسقاطها وانكماشها ليس من مهمة ثوار فبراير وحدهم، بل مجموع المتضررين منها يمنياً وإقليمياً وربما دولياً.
 


التعليقات