قائد عسكري مصري كشف عن دور مصر والزبيري في حركة 1955
في الذكرى الـ63 لحركته في تعز .. المقدم الثلايا.. بطولة تأبى النسيان (بروفايل)
- خاص الثلاثاء, 03 أبريل, 2018 - 06:30 مساءً
في الذكرى الـ63 لحركته في تعز .. المقدم الثلايا.. بطولة تأبى النسيان (بروفايل)

[ المقدم أحمد الثلايا انتهت حركته بإعدامه مع آخرين ]

ارتبطت انتفاضة الجيش ضد الإمام أحمد حميد الدين، بتاريخ 2 أبريل 1955، والتي تحل ذكراها الـ63 هذه الأيام، ارتبطت بشخص المقدم أحمد الثلايا الذي قاد تلك الانتفاضة، مستغلا حالة الترهل التي كان عليها نظام الإمام من جهة، وتزايد حالة السخط الشعبي وأيضا سخط بعض الجنود على الإمام وسياساته من جهة أخرى.

لكن تلك الانتفاضة فشلت، بسبب عدم التخطيط الجيد لها، وخديعة الإمام أحمد للثوار المنتفضين ضده، من خلال التظاهر بالتنازل عن السلطة لأخيه عبد الله، غير أنه تواصل مع شيوخ القبائل سرا واستعد للانقضاض على الثوار.

تتباين المراجع التاريخية التي وثقت لتلك المرحلة في سرد بعض المعلومات المتعلقة بها، فمثلا، المصادر اليمنية لم تشر إلى أي دور لجمهورية مصر في تلك الانتفاضة، بينما هناك مراجع مصرية تتحدث عن مشاركة مصر في الدعم والتخطيط لتلك الانتفاضة قبل أن يتفاجأ المصريون بأنها حدثت فجأة قبل أن يكتمل الإعداد لها.

في كتابه "خمسون عاما في الرمال المتحركة"، يقول محسن العيني إنه "خرج عدد من الجنود لجمع الحطب بمنطقة الحوبان في تعز باليمن، واختلفوا مع الأهالي، فهدد هؤلاء بالشكوى إلى الإمام أحمد حميد الدين، فخاف الجنود وعادوا إلى ثكنهم، وطالبوا قائدهم المقدم الثلايا بضرورة الثورة، وتحت هذه الحماسة حاصر الجنود قصر الإمام، وطالبوه بالتنازل لأخيه سيف الإسلام عبد الله، وتحت هذا الضغط تظاهر بالتنازل، وكتب (من اليد اليمنى إلى اليد اليسرى يتولى الأخ سيف الإسلام عبد الله تصريف الأمور في البلاد)، وتظاهر بالمرض، وأنه فوض أمره إلى الله، وظن الجميع أن الأمور استقرت".

لكن هناك روايات مصرية تتحدث عن دور مصر في الدعم والتخطيط لهذه الانتفاضة، وأفادت صحيفة "اليوم السابع" المصرية -في مقال لأحد كتابها- بأن وزير الخارجية المصري الأسبق محمود رياض، الذي كان ضمن الوفد المصري الذي زار اليمن برئاسة صلاح سالم عام 1954، كتب في الجزء الثاني من مذكراته "الأمن القومي العربي بين الإنجاز والفشل" قائلا: "كانت اليمن وقتئذ تعيش على حال لا يخطر على بال أحد.. لم أكن أتصور أن هناك بقعة على الأرض ما زالت تعيش في مثل هذا التخلف الذي شاهدناه، فلم تكن هناك عملة نقدية، وإنما كان التعامل يتم عن طريق الريال الفضي، وعليه صورة إمبراطورية النمسا ماريا تريزا باعتباره قطعة من الفضة، ولم تكن توجد في مدنها بنوك أو مستشفيات أو مدارس، وكان التلفون الوحيد في صنعاء موجودا لدى الإمام". ويبدو من خلال هذا الوصف لليمن، وكأن مصر قد ساءتها تلك الأوضاع، وأنه لا بد من التغيير.

من جانبه، كشف فتحي الديب -وفقا للصحيفة المصرية المذكورة- عن أسرار علاقة مصر بهذه الانتفاضة من موقع مسؤوليته في المخابرات المصرية ورئاسة الجمهورية عن "حركات التحرر العربية"، مشيرا إلى سفره باسم مستعار إلى اليمن في أوائل أكتوبر 1953 بالتنسيق مع العناصر الوطنية اليمنية المقيمة في القاهرة، وذلك في إطار خطة "مباشرة مصر لدورها النضالي على ساحة الوطن العربي"، وهي الخطة التي وضعها "الديب" حسب تأكيده، وبتكليف من الرئيس جمال عبد الناصر، بعد انتقاله إلى جهاز المخابرات فور تأسيسه عام 1953 برئاسة زكريا محيي الدين، واعتمدت على تعاون مصر مع حركات التحرر العربية.

أكد فتحي الديب أنه وضع خطته وناقشها مع عبد الناصر في ساعتين، وكان من وسائل تنفيذها الاتصال بالقيادات السياسية اللاجئة في القاهرة، وعملا بذلك توثقت علاقته بممثل مجموعة "اليمنيين الأحرار" القاضي محمد محمود الزبيري اللاجئ في مصر منذ ثورة 1948 الدستورية التي قتل خلالها الإمام يحيى حميد الدين.

وأفاد "الديب" بأنه سافر إلى اليمن باسم مستعار، وهو "محمد مبروك"، وبوظيفة "مفتش بوزارة الخارجية"، وهيأ له الزبيري الأوضاع هناك ليجري مسحا ميدانيا للأوضاع، وقابل "الثلايا" لأول مرة ليبدأ التعاون النضالي مع القاهرة.

وأضاف "الديب" بأنه في الأسبوع الأول من يوليو 1954 زار وفد مصري اليمن برئاسة "الصاغ حسن سالم"، وأسفرت هذه الزيارة عن الاستجابة لمطلب الإمام أحمد بتزويده ببعثة عسكرية برئاسة "الصاغ أحمد كمال أبو الفتوح"، ويعاونه "اليوزباشي محمود عبد السلام"، وبعثة من الشرطة برئاسة "الصاغ عبد الله حامد" من كلية الشرطة، يعاونه "اليوزباشي مصطفى الهمشري".

ويؤكد "الديب" أنه أطلع أبو الفتوح قبل سفره على ما تم الاتفاق عليه مع "الثلايا"، وطلب منه مداومة الاتصال به في سرية وبعيدا عن أنظار وعيون جواسيس الإمام، كما تم تزويده بشفرة خاصة للتواصل السري.

كان الاتفاق بين "الثلايا" و"الديب" هو تهيئة الأوضاع في اليمن للتغيير، وأعد "الثلايا" خطة تفصيلية لذلك، ومن هذه الخطوات "تفتيت وحدة أسرة حميد الدين باستقطاب شقيق الإمام أحمد (عبد الله)"، وحسب الديب: "أكدنا له ولرفاقه بالداخل استعدادنا للاستجابة لكل مطالبهم بمجرد إقدامهم على أولى خطوات التنفيذ، طالبين منه أهمية وضعنا في الصورة المستمرة لتطور الأحداث، وما يتخذونه من خطوات على طريق الإعداد لعملهم النضالي مع ضرورة إخطارنا بموعد وتوقيت التنفيذ قبل إقدامهم عليه بـ48 ساعة على الأقل، لكن انتفاضة الثلايا حدثت فجأة وبصورة لم يكن يتوقعها أحد"، حسب تأكيد "الديب".

كان الثائر الشهيد أحمد يحيى الثلايا ضابطا وقائدا عسكريا وُلِد ونشأ في مدينة صنعاء، وكان قائدا للجيش في عهد الإمام أحمد حميد الدين، وهو القائد المدبر لانتفاضة 2 أبريل 1955 للإطاحة بحكم الإمام أحمد، والتي باءت بالفشل، ولم تستمر أكثر من 10 أيام، وكانت نهايتها إعدام "الثلايا" في "ميدان الشهداء" بمدينة تعز، وهو قائل العبارة المشهورة: "قبحت من شعب أردت لك الحياة وأردت لي الموت"، وذلك تعليقا على موقف المواطنين الذين حضروا محاكمة الإمام أحمد له، عندما كان يسألهم الإمام عن الحكم الذي يستحقه "الثلايا"، ويجيبون بصوت واحد "الإعدام"، وربما كانوا يرددون ذلك إرضاءً للإمام والخشية من سطوته وانتقامه.

ينتمي المقدم أحمد يحيى الثلايا إلى قرية بيت الثلايا من أعمال منطقة الأهنوم لواء حجة سابقا، وهي وفقا للتقسيم الإداري القائم تتبع مديرية المدان بمحافظة عمران.

التحق "الثلايا" بالجيش في صنعاء، ثم سافر في بعثة تعليمية إلى العراق عام 1936، وبعد عودته إلى اليمن أوكل إليه تدريس نظريات الرمي والتعليم على أسلحة الرشاش، ثم عُيّن منظما للفوج النموذجي، ثم أميرا للمفرزة العسكرية في مدينة صعدة.

وظل في عمله هذا حتى ثورة 1948 الدستورية التي قتل خلالها الإمام يحيى حميد الدين، وكان من مؤيديها، وعندما فشلت هذه الثورة واعتقل رجالها، توجه إلى مدينة حجة طالبا العفو من الإمام الجديد أحمد بن يحيى حميد الدين، فعفا عنه وأبقاه شبه معتقل، ثم عينه معلما للجيش في مدينة تعز، ثم كان قائدا للجيش أثناء انتفاضة عام 1955 التي قادها وكان مصيرها الفشل، وانتهت بمحاكمته وإعدامه.


التعليقات