فتاة سجينة في قفص ورجل عاصر فترة بريطانيا والجبهة القومية
"الموقع بوست" يزور دار المسنين بعدن.. قصص مؤلمة ونقص في التمويل ومسنون تخلى عنهم ذووهم
- عدن - أدهم فهد الخميس, 23 مايو, 2019 - 10:20 مساءً

[ أكثر من ستين مسنا في الدار ]

يعيش نحو 67 مُسناً ومسنة في دار العجزة والمسنين بالعاصمة المؤقتة عدن، وهو الدار ذاته الذي أنشأته مؤسسة الأم تريزا والذي تعرض مطلع آذار/مارس 2016 لهجوم مسلح قُتلت خلاله أربع راهبات كاثوليكيات، لتنتقل إدارته بعدها لإدارة يمنية.

 

ويُفيد المشرف العام على دار المسنين فائز السقاف أن الدار يُقدم خدمات الإيواء، وتوفير الغذاء والنظافة والتمريض لـ67 حالة، بينهم 17 امرأة تم جلب أغلبهن من مشفى الأمراض النفسية والعصبية.

 

وأضاف السقاف في حديثه خاص لـ"الموقع بوست" أن المسنين في الدار لا يستقبلون أي زيارات من ذويهم والذين تركوهم، عدا ثلاث حالات فقط يأتي ذووهم بين الحين والآخر للزيارة، موضحاً أن جزءاً من المسنين لا يُعرف أقاربهم فقد وُجدوا مرميين في الشوارع أما من لديهم فقد تخلوا عنهم.

 

 

وذكر أن المُسنين الموجودين يُعانون من أمراض مزمنة، وكذا من الخرف والنسيان، نظراً لكبر سنهم، وهذا ما يزيد من أعباء إدارة الدار والتي تلتزم بتقديم الرعاية للمسنين ولو استلزم ذلك نقلهم لمشافٍ خاصة، مشيراً إلى أنهم لا يلقون أي تعاون من المشافي عند إسعاف المسنين حيث يتم رفضهم نظرا لأنهم كبار في السن، ومؤشرات استمرار حياتهم ضعيفة، وهو ما يُقلق مشرفي المشافي خوفاً من أن يتوفى المُسن لديهم، لذا فهم يرفضون قبوله.

 

واستدرك بالقول "احتجنا لـ12 ساعة للبحث عن سرير في أحد المشافي لقبول مُسن تدهورت حالته الصحية، فقد رفضته كل المشافي بحجة عدم وجود قدرة استيعابية".

 

موازنة تشغيلية

 

وأفاد السقاف بأن الدار يفتقر لوجود موازنة تشغيلية لتغطية الالتزامات تجاه المسنين، فهناك هبة من الرئيس مقدرة بـ5 ملايين ريال شهرياً أقر صرفها بعد تعرض الدار للهجوم المسلح بفترة، إلا أن ذلك المبلغ لا يُصرف بانتظام، حيث تواجههم عراقيل في وزارة المالية والتي تتحجج بالإجراءات الإدارية وكذا إشكاليات خاصة متعلقة بالسيولة  النقدية، حيث استلمت الإدارة آخر مبلغ من وزارة المالية في ديسمبر 2018، في حين لا تزال المتابعات قائمة لاستخراج مخصصات أشهر العام الحالي والمُقدرة بـ25 مليون ريال.

 

 وبخصوص عدد العاملين في الدار، قال المشرف فائز السقاف في سياق حديثه لـ"الموقع بوست"إن هناك 35 عاملاً من النساء والرجال ويعملون في النظافة والتمريض والمطبخ وكذا في مزرعة الدار التي يُزرع فيها عدة أصناف من الفواكه لتغطية احتياجات المسنين.

 ‏

وأوضح السقاف أن رواتب العاملين في الدار ضئيلة، فالرواتب تترواح ما بين 35 ألفا خاضعة للضريبة لعمال كل الأقسام عدا قسم النظافة حيث يتسلمون  60 ألف ريال، لكنهم مع ذلك يعملون بكل جهدهم لخدمة المسنين الذين تركهم ذووهم.

 

من جهته قال مدير الدار علي عيدروس إن الدار يتلقى مليون ريال من شركة هائل سعيد وذلك لتسيير شؤون الدار، مشيراً إلى أن الموازنة المُقرة بـ5 ملايين ريال والتي لا تُصرف بانتظام تعد غير كافية كون موضوع دراستها تم خلال سنوات فائتة حيث كان صرف الدولار بـ220 ريالا.

 

وأضاف عيدروس في حديثه لـ"الموقع بوست" أن الدار يتكون من ثلاثة عنابر، اثنان منها للرجال والثالث للنساء، وجميعها مليئة ولا مجال لاستيعاب حالات أخرى.

 

وأشار إلى أن هناك عشرات الحالات تصل تباعاً للدار ويتم إرجاعها وتسجيل المستحقين منهم في قائمة الانتظار نظراً لامتلاء الدار، حيث يصل متوسط عدد الحالات الواصلة للدار وبشكل يومي لثلاث حالات.

 

وبين أن الدار بحاجة لبناء عنابر إضافية لأجل استقبال باقي الحالات، وكذا توفير سيارة إسعاف وباص جديد لنقل العاملين في الدار بدلاً من الباص القديم المتواجد والذي باتت قيمة إصلاح أعطاله المتكررة تمثل عبئاً على الدار.

 

 

ولفت إلى أن تكاليف شراء الديزل لمولد الكهرباء هي الأخرى تستحوذ على الجزء الأكبر من الميزانية وتحديداً في فصل الصيف، حيث يستهلك المولد نحو 100 لتر يومياً، كون المسنين لا يستطيعون العيش في الأجواء الحارة بل تسبب لهم مضاعفات، فالغالبية منهم يُعانون من أمراض مزمنة كالسكري والقلب والضغط والجلطات ناهيك عن الأمراض الجلدية، وهو ما يتطلب استمرار تشغيل أجهزة التكييف على مدار الساعة.

 

فتاة القفص

 

وعرج مدير الدار علي عيدروس في معرض حديثه لـ"الموقع بوست" على موضوع الفتاة الموضوعة في قفص بداخل الدار، والتي تداول موضوعها عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال إن الفتاة لديها شحنات في الدماغ وتعاني من الصرع والنوبات التي تجعلها خارج السيطرة ما يجعلها "ترطم" رأسها على الجدران والأرض.

 

وأضاف أن الفتاة والتي لا يُعرف لها أهل، جيء بها من مصحة الأمراض النفسية بعد أن تركها ذووها في مشفى الصداقة قبل نقلها لمشفى الأمراض النفسية والعصبية ومن ثم نُقلت لدارالعجزة والمسنين وذلك في العام 1994، وذلك خلال فترة إشراف الراهبات على الدار.

 

وذكر أن العمر التقريبي للفتاة حالياً يُقدر بـ28 سنة، وهي تعاني من تخلف عقلي، مشيراً إلى أن القفص الذي وضعت بداخله كان من فترة وجود الراهبات الهنديات واستمر وضعها بداخله وذلك لأجل حمايتها من الارتطام بالجدران وإصابتها بجروح.

 

وبحسب إحدى الممرضات في الدار، فإن الفتاة تتلقى جرعات العلاج بانتظام وتم عرضها على طبيب مختص أقر لها تناول العلاج وهو ما خفف من نوبات الصرع التي كانت تتكرر كثيراً.

 

وأشار عيدروس إلى أن وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ابتهاج الكمال طلبت، بعد أن قامت بزيارة الدار قبل أيام، برفع تقرير طبي حول حالة الفتاة، وإذا ما كانت هناك إمكانية لعلاجها في مشافي الداخل أو إذا كان يتطلب نقلها للخارج.

 

 

وفي ذات السياق، تحدث مدير الدار عن دور وزارة الشؤون الاجتماعية الغائب عن الدار، موضحاً أنه يملك تعيينا رسميا من الوزارة لكنه لا يتسلم منها أي راتب، مطالباً الوزارة ببذل مزيد من الجهود لرعاية الدار.

 

ولفت إلى أن إدارة الدار أطلعت زيارة وزيرة الشؤون الاجتماعية ابتهاج الكمال على أوضاع الدار وكل الإشكاليات والمطالب على أمل أن تجد لها حلولاً بحسب الإمكانيات المتاحة.

 

نكران الأسرة وجحود الأبناء

 

يوصلون المُسن إلى الدار بصفتهم فاعلي خير ولا تربطهم به أي رابطة، وما إن يصلهم نبأ وفاته حتى يرجعوا للدار باحثين عن شهادة الوفاة، بهذه العبارة لخصَّ الشيخ علي عيدروس مدير دار العجزة والمسنين مشهد وصول جزء كبير من رواد الدار.

 

ويُضيف عيدروس أن الحال وصل لحد إيصال المسنين مع التعهد بدفع مصاريفهم وذلك لأجل قبولهم في الدار وهو ما ترفضه الإدارة لكي لا يكون هناك أي تمييز بين المسنين.

 

وأردف أنه في بعض أحايين يزور رجال ونساء الدار على أنهم زوار، لتفاجأ الإدارة فيما بعد أن هدف تلك الزيارة هو معرفة أوضاع المسنين وكيفية التعامل معهم، لتنتهي تلك الزيارة بطلب البقاء في الدار لأسبابٍ تختلف من حالة لأخرى فبين من يشكو من نكران أبنائه وعقوقهم وبين من سئم البقاء وحيداً في منزله ويريد العيش في الدار.

 

واستطرد بالقول إن تلك الحالات التي سبق ذكرها يتم رفضها نظراً لعدم وجود أي مساحة، وهو ما يقابله المسنون بالتعهد بدفع مبالغ أو حتى بناء غرف لهم في الدار وذلك لأجل البقاء فيه.

 

وأشار إلى أن لدى الدار شروطاً لأجل قبول المسن، ويتم تسجيل من تم رفضهم نظرا لامتلاء الطاقة الاستيعابية في قائمة الانتظار.

 

 

وكشف عيدروس عن حجم مديونية الدار للمشافي الخاصة والتي تُقدر بأربعة ملايين ونصف المليون ريال، حيث تقوم إدارة الدار بعلاج المسنين في مشافٍ خاصة مع الالتزام بشراء أدويتهم التي يتناولونها بانتظام والتي تتراوح تكاليفها ما بين 800 ألف إلى المليون ونصف المليون ريال من شهر لآخر، وذلك بمساهمة من فاعلي خير وكذا مساهمة قائد اللواء الثالث مشاة الشيخ بسام المحضار إلى جانب تعاون بعض المشافي التي ترضى بقبول الحالات المرضية على أن يكون الحساب بالآجل.

 

وأفاد بأنه يتم التواصل مع أرقام الأشخاص الذين جاؤوا بالمسن إلى الدار، وذلك عندما تسوء حالته الصحية أو يتوفى، لكن جميعهم لا يأتون للمساهمة في العلاج أو حتى أخذ الجثة للدفن، حيث يتحججون بأنهم فاعلو خير ليس إلا.

 

وأكد أن خدمات الدار مجانية ولا يُلزم المسنون بدفع أي رسوم، ويتصرف المسنون الذين لديهم راتب حكومي برواتبهم كيفما شاؤوا لشراء حاجيات خاصة والتي غالباً ما تكون (سجارة وقات)، حيث يُسمح للمسنين القادرين على الخروج بالخروج في أوقات معينة إما لشراء ما يريد أو للقاء أصدقاء له في الخارج.

 

ودعا الشيخ عيدروس فاعلي الخير والمؤسسات الخيرية لدعم الدار، وكذا الشباب الراغبين في العمل التطوعي القدوم للدار مع الالتزام بضوابط العمل، فالعشوائية على حد قوله لا تُسهم في خدمة الدار، بل على العكس من ذلك فهي تسبب كثيراً من الإشكالات.

 

وبين أن بعض فاعلي الخير يأتون مثلا بكرتون عصير ويريدون توزيعه بأنفسهم وفي الوقت الذي جاؤوا به، مع العلم أن في الدار جدول منظم لمواعيد الوجبات وغيرها، وأردف بالقول ناهيك عن توزيع العصائر والموز وغيرها من الحلويات للمسنين وبشكل مباشر مع العلم أن عدداً منهم مصابون بمرض السكري وممنوعون من السكريات، ويُقدم لهم في الدار عصائر خاصة بهم وكذا الاهتمام بباقي الوجبات التي يأكلونها.

 

 

نماذج

 

فهمي علي سالم ذو 63 عاماً، أحد رواد الدار، يتحدث الإنجليزية بطلاقة نظراً لكونه درس اللغة الانجليزية في دولة الهند، وسبق أن عمل مع شركة بترومسيلة لعامين اثنين، وكذا عمل مع شركة القرشي للملاحة وكانت وظيفته (Super Pfizer)، إلا أن القدر أوصله لدار العجزة قبل نحو عام وأربعة أشهر.

 

ويقول فهمي إنه لديه اثنين من الأبناء أكبرهما أحمد غادر إلى السعودية خلال فترة الحرب التي شهدتها عدن، بينما استمر هو بالعيش في منزله بالمدينة الخضراء، وهو منزل غير مكتمل وتنقصه كثير من الأدوات والأثاث حتى الأبواب غير موجودة فيه.

 

وأشار فهمي في سياق حديثه لـ"الموقع بوست" إلى أن صحته ساءت فهو مصاب بالسكري، فقد بلغ به الحال أن ارتفع معدل السكري في الدم إلى 800، ولم يعد يستطيع النهوض من مكانه وخسر الكثير من وزنه، ليقوم بعدها أصهاره بزيارته ونقله لدار العجزة، دون أن يتحدث عن تفاصيل أخرى تخص أسرته.

 

وأضاف أن نجله الأكبر الموجود في السعودية يتواصل معه هاتفياً، بينما الآخر والذي يسكن في منزل جده لأمه لا يزوره في الدار حيث يشعر بالحرج على حد قول والده وإنما يلتقي معه في خارج الدار.

 

حكايات مؤلمة

 

صالح محمد أحمد، ستيني العمر، وصل إلى الدار قبل نحو 18 عاماً، هو الآخر حكى تفاصيل مريرة مرَّ بها قبل وصوله للدار، فقد ولد في وصاب العالي بمحافظة ذمار وانتقل أثناء طفولته إلى عدن مع أحد أقاربه وعمل فيها وانخرط في شبابه بالجبهة القومية.

 

ويُفيد الحاج صالح والذي عاد إليه جزء من نظره قبل أشهر بعدما ظل فاقداً لبصره نحو 18 عاما، بأنه نُقل للدار بعد أن ساءت حالته وأصبح أعمى لأسباب لم يعد يتذكرها جيدا.

 

وذكر صالح في حديثه لـ"الموقع بوست" أنه أرهق كثيراً في حياته فقد تعرض للسجن من قبل الاحتلال البريطاني وقضى في السجن المركزي بالمنصورة عاماً كاملاً، وبعدها تعرض للسجن من قبل جبهة التحرير والتي قال بأنها هزمت فريقه (الجبهة القومية)، وآخرها تم سجنه خلال فترة الرئيس سالمين 8 سنوات كاملة كونه كان أحد المناوئين لنظام الحكم ومن مناصري تيار الرئيس الشعبي.

 

وأشار إلى أنه موظف مع الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء ومناضلي الثورة اليمنية، براتب يقدر بـ25 ألف ريال، يصله منه عشرون ألف فقط في حين يذهب الباقي كأجرٍ لمن يوصل الراتب.

 

وعند سؤال الحاج صالح عما إذا كان قد ذهب للعمرة مع باقي رواد الدار، فقد وهب رئيس الجمهورية عبدربه منصور منحة للدار لكي يؤدي المسنون فريضة العمرة، وقد ذهب عددٌ منهم ممن لديهم أوراق ثبوتية، رد الحاج صالح مازحاً أنه لم ولن يذهب للحج في السعودية الإمبريالية حد قوله وإنما يريد الحج للقدس.

 

 

وبخصوص الفرق بين تعامل إدارة الدار الحالية مقارنة بالإدارة السابقة (فترة الراهبات) قال الحاج صالح إن الإدارة الحالية أفضل بكثير مقارنة بالراهبات الهنديات واللاتي كن يضغطن على المسنين حتى في فترة أكلهم ونومهم، فلم يكن يأتي وقت المغرب إلا وقد تم توزيع وجبة العشاء والانتهاء منها وإغلاق الأبواب استعدادا للنوم، فقد انتهى دوامهن، حيث لم تكن معهن نوبات مسائية.

 

وأفاد الحاج صالح بأنه لديه ورث لدى ذويه في ذمار إلا أنهم أنكروه وتبرؤوا منه، وهو حال الكثيرين من رواد دار المُسنين حيث تتمحور معاناتهم حول نكران الأهل طمعاً في الإرث أو كُرها لكي لا يُقسامونهم رزقهم.

 

ولم نستطع التثبت من التاريخ الحقيقي لبناء الدار وبداية العمل فيه.


التعليقات