فبراير.. ذكرى ثورة مستمرة وجدل يتجدد (تقرير)
- تعز - خاص الخميس, 13 فبراير, 2020 - 11:48 صباحاً
فبراير.. ذكرى ثورة مستمرة وجدل يتجدد (تقرير)

[ تسع سنوات من الثورة اليمنية شهدت فيها عدة تطورات ]

حلت الذكرى التاسعة ثورة فبراير 2011، التي اندلعت في إطار الربيع العربي الذي بدأ من تونس، وكانت لأجل المطالبة بكثير من الإصلاحات وإسقاط الأنظمة التي سعت للتوريث.

 

لم تكن ظروف اليمن آنذاك تختلف عما يجري في دول أخرى، خاصة مع ارتفاع معدلات الفساد في بلادنا، وحالة الغليان التي بدأت تحدث مع توجه نظام علي عبد الله صالح نحو التوريث لنجله أحمد.

 

بدأت المظاهرات قبل الحادي عشر من فبراير بالخروج وكانت صبغتها حزبية، لكن سرعان ما تحولت إلى شعبية، وجاب ملايين اليمنيين الشوارع ونصبوا خيامهم في الشوارع مطالبين بالتغيير.

 

تم إسقاط نظام صالح قبل أن ينهي الرئيس آنذاك ما تبقى له من سنوات حكمه، لكن البلد دخلت في دوامات كثيرة وكادت أن تنجو منها، لكن وساطات كثيرة حدثت وبدأت معها الأمور تأخذ اتجاهات أخرى وأكثر ضبابية انتهت بحرب 2015 المستمرة حتى اليوم.

 

وبرغم اندلاع تلك الحرب التي حملت شعارات لم تنعكس على الأرض وحدث عكسها، إلا أن طموح دول إقليمية كان حاضرا وبقوة للنيل من ثورة فبراير/شباط، وبدأ تدريجيا مسلسل إقصائها بأشكال مختلفة، كان آخرها ما حدث في المعارك الأخيرة التي وقعت شرقي صنعاء.

 

وفوق كل ذلك، بدأ البعض يعتقدون أنه لولا الثورة لما وصل الحال إلى ما هو عليه الآن، متناسين الأوضاع التي كانت البلد قد وصلت إليها، والتضحيات التي تم تقديمها، معتقدين أن 11 فبراير هي من جاءت بالحوثيين.

 

مسؤولية الحزب الحاكم والنخب السياسية

 

يعتقد الإعلامي عبد الكريم الخياطي أن محاسبة ثورة فبراير وروادها من شباب اليمن الذين ضحوا بالغالي والرخيص، بسبب نتائج ليس لهم ذنب فيها، يمكن تسميته بـ"جلد الذات"، فهو يقول إن من غير المنطقي تعرض أولئك الذين حلموا بمستقبل زاهر لبدهم يتعرضون للتأنيب من قبل من لم يكن لهم يوما دور إيجابي في تغيير واقع شعبهم المؤلم، أو من قِبل مجموعات انتهازية اعتادت التعايش مع التطفل السياسي والانتهازية والفساد.

 

وأكد لـ"الموقع بوست" أنه ما كانت اليمن ستصل لهذه الحرب لو تعامل الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام بطريقة مشرفة مع مطالب الإصلاح السياسي والاجتماعي، ولو كان تجنب الانقلاب على جميع التوافقات التي وفرت لهم فرص الاستمرار والشراكة في بناء دولة ديمقراطية، منتقدا تعامل قيادات الحزب بطريقة "انتقامية" ضد من منحوهم فرصة للاستمرار ورفضوا اجتثاثهم نهائيا من مؤسسات الدولة كما حدث في دول أخرى، متسائلا باستغراب حول ما إذا كان ممكنا أن يقوم حزب حكم أكثر من 33 عاما بتسليم مؤسسات الدولة والجيش لمليشيات تحركها أجندة متطرفة وأجنبية (في إِشارة إلى الحوثيين).

 

ويتساءل كذلك الخياطي "لماذا لا يقف منتقدو ثوار فبراير مع أنفسهم لمراجعة الأداء الكارثي خلال الفترة الانتقالية، وما قاموا به من عرقلة حكومة يتقلد وزراءهم فيها أكثر من نصف المقاعد وبقاء معظم الجهاز الأمني والدبلوماسي بيدهم؟".

 

ويعتبر الخياطي ما قامت به "مليشيات الحوثي" من انقلاب عسكري وسياسي على جميع التوافقات، لم يكن السبب فيه شباب الثورة، بل تشجيع قيادة المؤتمر التي تتحكم بكل مفاصل الجيش والامن لتلك الجماعة، والدفع بها للتحرك باتجاه عمران ومأرب والجوف ثم صنعاء فعدن، فضلا عن دور النخب السياسية المتخاذل أمام تحركات الحوثيين قبل اقتحام العاصمة بدوافع من الغضب أو الحسد السياسي لأطراف شريكة، ظهرت بشكل كثيف في كل الأدوار السياسية والثورية، جعلتهم يشعرون كأحزاب ونخب بعيدة عن معايشة الواقع الاجتماعي وتتعامل بنوع من التعالي على أجزاء كبيرة من مجتمعهم اليمني.

 

كما أن هذه النخب رغم توافقها بداية حرب التحرير ضد الحوثيين، إلا أنها -كما يشير الخياطي- دأبت أيضا على الكيد لبعضها والتسابق على إظهار ولاء غير محسوب التكاليف والعواقب لدول في التحالف العربي خاصة الإمارات والسعودية، التي تشجعت بسبب هذه السياسات الكيدية والانتهازية، على تهميش الرئيس وحكومته والتعامل بفوقية وبسياسية الإلحاق وليس الشراكة، مستطردا "كان من المفاجئ أن تقوم أحزاب ذات تاريخ نضالي  طويل بتسليم السعودية و الإمارات ومنحهما كل أسباب "العنجهية" ضد كل موقف استقلالي ووطني يرفض التبعية الكاملة".

 

وأضاف الخياطي: "التدخل الأجنبي  لم يكن ليجرؤ على التمدد في أراض لم تدخل الحرب محاولة التحكم بالرئيس والحكومة وتشجيع المليشيات غير القانونية، أو التي ترفض أن تكون جزءا من مؤسسات الجيش الوطني، ما حدث بسبب هذه النخب وتهميش دور الشباب الذي أنجز الثورة وإلغاء دوره في مراقبة الحكومة وأداء التحالف غير العادل والبعيد عن احترام سيادة دولة تحولت لملعب لتصفية حسابات دولية وملعب للدفاع عن حدود تلك الدول الحليفة من التمدد الإيراني".

 

ركوب الموجة

 

ويتفق مع ذلك الإعلامي عبد الرقيب الأبارة الذي قال إنه يشعر بالأسف لوجود من يعتقد أن ما حصل بعد فبراير من انقلاب قامت به مليشيات الحَوثي وما آل إليه الوضع لاحقا، هو من نتائج ثورة فبراير، غير واضعين أنه من جاء بالحَوثي وساعده بالانقلاب هو نظام "المخلوع صالح" انتقاما من الثورة، وتحالفه معها.

 

وذكر لـ"الموقع بوست" أنه لطالما حاول المخلوع أن يخرج فبراير عن سلميتها، لكنه فشل وأراد من ذلك أن يكون له مبررا لضرب الثوار في الساحات، لكنه لم يتمكن من فعل ذلك، ولذلك وجد في الحوثي فرصة لتحقيق هدفه، فأدخل البلاد في متاهة الحرب التي اكتوى بنارها كل اليمنيين.

 

 وهناك من استفاد من فبراير محليا بدءا من الأحزاب التي استغلتها لتحقيق مكاسب شخصية لقادتها، وأيضا بالنسبة لشخصيات وجدت في الثورة طريقة للتكسب سواء شعبيا كما فعل الرئيس عبد ربه منصور هادي، أو ماليا كما فعلت المنظمات والمؤسسات التي استغلتها ولم تقدم لها، وفق الأبارة.

 

وتابع: "إقليميا فثورة فبراير لم تتح المجال لأحد للمساس بالسيادة، لكن ما أتى بعدها من انقلاب، فتح المجال أمام السعودية والإمارات لإحكام قبضتها على البلاد، خاصة في ظل وجود حكومة ورئيس ليسوا بمستوى تطلعات اليمنيين".

 

هل حققت أهدافها؟

 

وبخصوص اعتقاد البعض أن الثورة لم تحقق أهدافها برغم أن -كما يقول الخياطي- بعض قادتها لم تكمل ذلك بسبب حرف مسارها السلمي، يفيد الإعلامي الخياطي أن الثورات لا تمتلك عصى سحرية لتغيير كل الظروف التي صنعها نظام "فوضوي فاسد" نشر فيروس الفساد في مفاصل الدولة ومؤسساتها، الثورات تحتاج لبيئة توافقية ونظام صارم ينفذ القانون على الجميع، ويكون محصنا من كل أدوات الكيد السياسي والتسابق على تقاسم مؤسسات الدولة.

 

الثورات تحتاج لفترات طويلة في هذه الحالات، وتعقب كل ثورة مراحل من التجاذبات العنيفة أحيانا، والممارسات الخاطئة، ومن لا يقرأ تاريخ الثورات الناجحة لا يتعلم، فمع الوقت وتظافر الجميع، تبدأ في تحقيق الكثير من الإصلاحات السياسية أولا ثم التشريعية.

 

متطلبات

 

وللخروج من كل ما يجري اليوم، يؤكد الخياطي على ضرورة أن ينسى الجميع ثاراتهم السابقة والعمل الجماعي على توحيد كل الجهود الإعلامية والعسكرية للتحرير أولا، وكذا التخلي عن الانتهازية السياسية والكيد المتواصل لبعضها، ورفض كل محاولات تحويل البلد لكانتونات نفوذ أجنبي وميليشاوي.

 

وحذر من خطورة عدم حدوث ذلك، كون استمرار ذلك النهج سيحول اليمن إلى لبنان جديد تتقاسمه التدخلات الأجنبية، وتترعرع فيه الانتهازية وحركة البيع و الشراء للولاء الوطني، مستدركا "البلد للأسف تشكلت فيه فصائل مسلحة وقوى سياسية ترمي بكل ثقلها لمن يدفع ثمنا للسكوت، أو للعمل ضمن أجندته الاستعمارية بشكل وقح"، على حد تعبيره.


التعليقات