الحرب وحدها من تحكم الموقف
اليمن بين مبعوثي سلام.. ماذا قدم كلا منهما؟ (تقرير خاص)
- صنعاء - خاص السبت, 13 فبراير, 2016 - 10:40 مساءً
اليمن بين مبعوثي سلام..  ماذا قدم كلا منهما؟  (تقرير خاص)

[ تولى ملف اليمن في الامم المتحدة مبعوثان خلال خمسة اعوام ]

في الساعة الأولى من فجر الـ26 من مارس من العام الماضي، استيقظ اليمنيون على وقع انفجارات هزت العاصمة اليمنية صنعاء ومدن يمنية عدة.
 
 كانت مقاتلات التحالف العربي الذي تقوده السعودية قد دشنت العملية العسكرية التي سُميت فيما بعد «عاصفة الحزم».
 
في الفندق الأكبر والذي يُطل على العاصمة صنعاء من جهة الشرق، كان المبعوث الأممي لدى اليمن جمال بنعمر يواصل مساعيه لحث الأطراف اليمنية على قبول صيغة توافق تمّكنه من تسجيل انجاز في وظيفته التي بدأت عقب الانتفاضة التي عصفت بنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وبالتحديد في إبريل من العام 2011.
 
بدت الأمور تلك اللحظة خارجة عن نطاق بنعمر الذي تجاوز صلاحياته السياسية خلال أربعة أعوام قضاها كراعٍ للسلام، وفي بلد كانت كل المؤشرات تشير إلى أنه يتجه للهاوية.
 
اتفاق
 
عشية 21 سبتمبر 2014 تلا بنعمر اتفاق السلم والشراكة الموقع بين الأطراف السياسية والحوثيين الذين بسطوا سيطرتهم على كل مؤسسات الدولة قبل ذلك بساعات، حينها شعر اليمنيون بالجائحة التي حلت بالبلاد.
 
وحينها أضفى على الانقلاب المسلح للحوثيين صفة الشرعية، ووجهت دوائر يمنية اتهامات مباشرة له بالسعي لفرض أجندة مريبة، وخلال التوقيع الذي بثه التلفزيون اليمني رفض الأمين العام للتنظيم الناصري عبدالله نعمان التوقيع على الوثيقة احتجاجاً على سلوك بنعمر الممهد للانقلاب، حد وصفه في مقابلة مع إحدى الصحف.
 
في  يناير 2015 صعّد الحوثيون من عملياتهم، ووصل ذلك إلى حصار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في منزله ومن ثم استقالته في 22 من الشهر نفسه، تحت مرأى من أعين المبعوث الأممي. وبدأت القوى السياسية حوارات عقيمة برعايته حتى الـ26 من مارس.
 
تخلل تلك الفترة انقلاب الحوثيين وصالح بشكل كامل بإعلانهم «الإعلان الدستوري»، وحينئذ كانت مهمة بنعمر قد انتهت عملياً فالرئيس هادي كسر الإقامة الجبرية وانتقل لعدن (جنوبي اليمن)، ومن هناك دعا إلى حوار بصيغة مختلفة، تتمثل في مفاوضات على مبادئ جديدة.
 
ظهر بنعمر في أكثر اللحظات الحرجة، واجتمع بأبرز القادة السياسيين من الرئيس اليمني إلى زعيم جماعة الحوثيين المسلحة، غير إن مهمته باءت بالفشل ودخلت البلاد في أتون حرباً أهلية، وقدم بنعمر استقالته في أبريل عام 2015.
                     
مغالطة
 
بعد نحو شهر من انطلاق العمليات العسكرية بقيادة التحالف، قال بيان للأمم المتحدة إن الديبلوماسي الموريتاني اسماعيل ولد الشيخ سيخلف المغربي المستقيل الحامل للجنسية البريطانية.
 
أوضح بنعمر في بيان الاستقالة أن «اليمنيين كانوا قريبين من التوصل إلى اتفاق يؤسس لتقاسم السلطة بين جميع الأطراف».
 
وقال إن «أنصار الله وافقوا مبدأياً على الانسحاب من المدن التي سيطروا عليها على أن تحل مكانهم قوة حكومية نعمل على تفاصيلها، ويكون الرئيس هادي جزءًا من الهيئة التنفيذية التي ستقود المرحلة الانتقالية، إلا أن التدخل العسكري السعودي جعل أنصار الله يرفضون أي دور لهادي».
 
احتفى الحوثيون وحليفهم صالح - الذين كانوا يتعرضون للضربات الجوية - ببيان بنعمر، لكن الحكومة عبر تصريحات مسؤولين قالت إن بنعمر أورد حقائق مغلوطة، ولم يعد دوره تيسيرياً ولا حيادياً وإنما بات يعمل لصالح طرف بعينه.
 
 
 
ولد الشيخ مهمة جديدة
 
بدت مهمة ولد الشيخ أصعب من مهمة سلفه، فنيران الحرب شبت في أغلب المدن اليمنية مع تقدم مسلحي الجماعة وقوات صالح في مدن الجنوب، فيما كان عسكريون متقاعدون ومدنيون يُشكلون جماعات مقاومة.
 
استعرت نيران الحرب أكثر، في المقابل دعا المبعوث الأممي الأطراف اليمنية للعودة إلى مربع السياسة، وبموازاة ذلك كانت الأمم المتحدة تفرض عقوبات على صالح والحوثيين بموجب القرار 2216، وطالبت الالتزام ببنوده.
 
استمر ولد الشيخ في رحلاته المكوكية بين صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة المسلحة وحليفها صالح والعاصمة السعودية الرياض التي تحولت إلى مقر مؤقت للرئاسة والحكومة اليمنية، وبين العاصمة العمانية مسقط التي شكلت نقطة التقاء بين الأطراف.
 
بعد مساعٍ كبيرة، تمخضت جهود ولد الشيخ في الإعلان عن انعقاد مؤتمر بين الأطراف اليمنية منتصف يونيو من العام الماضي في جنيف.
 
 أفتتح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون المؤتمر بالدعوة إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، والسماح بدخول المساعدات الأساسية للبلاد.
 
وشدد ولد الشيخ على ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم، لكن الطرفين لم يلتقيا على طاولة المفاوضات، وخرج المؤتمر بحادثة رشقٍ بالحذاء تعرض لها ممثل الحوثيين حمزة الحوثي.
 
دعا ولد الشيخ لعقد مؤتمر في منتصف ديسمبر بمدينة بيل السويسرية، وكان له أن ينعقد، غير إنه لم يخرج بجديد سوى الدعوة إلى مؤتمر ثالث بين الأطراف المتنازعة في البلد المضطرب، حتى إن فترة انعقاده لم تشهد تطبيق للهدنة ووقف لإطلاق النار خلافاً لجنيف1.
 
عقب المؤتمر اتهم عضو في هيئته الاستشارية معين عبد الملك، بعض القوى في المجتمع الدولي بالتبرير لانتهاكات وجرائم الحوثيين وصالح عبر الوسيط الدولي للأمم المتحدة.
 
وقال «تبرر ذلك بدوافعهم في الشراكة السياسية، لكنها دوافع لم تعد خفية بخلق نظام سياسي طائفي». وأضاف إن ذلك يأتي وفقاً لمحاصصات هشة تُدفع إليها اليمن.
 
جدل
 
من جهة، يُوصف أيمن نبيل وهو مراقب لجهود الأمم المتحدة في اليمن، الدور السياسي لها بأنه محكوم بجدل عاملين، وقائع الصراع وتوازناته، والأعضاء الدائمون في مجلس الأمن.
 
ويقول «قدمت الأمم المتحدة ممثلة في جمال بنعمر الكثير من التطمينات لليمنيين، واتضح أن هذا لم يكن إلا مبالغات واستخفاف بالمجتمع اليمني».
 
يُضيف بأن جمال بنعمر فشل فشلاً ذريعاً لأنه تصرف في المرحلة الانتقالية باعتباره بيروقراطياً تحتل مسألة نجاحه الوظيفي قمة أولوياته وليس نجاح المرحلة الانتقالية بالمعايير التي اتفق على مرجعيتها مسبقاً، وهذا الإشكال جعله مرناً أكثر من اللازم في تحركاته وتقاريره وغير محكوم بمرجعيات تم الاتفاق عليها، كما جعلته كذلك يبالغ في تجاوز حدود مهمته وصلاحياته الرسمية.
 
ويعزوا فشل مهمته إلى تجاوزاته الكارثية التي كانت نتاجاً للتوافق النادر بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن على الحالة اليمنية من جهة، وتصورات قوى اللقاء المشترك ومبالغتها في الاعتماد على الدور الأممي على حساب العمل الداخلي من جهة أخرى.
 
وحول ولد الشيخ يقول نبيل إنه «يعاني من نفس اشكال بنعمر، فهو يتحرك على اساس تعريفه لذاته كموظف يجب ان تدون في سجله المهني انجازات سريعة، ولهذا كان مصراً على عقد جلسات مفاوضات في سويسرا بغير تحضير واضح ومدروس وبغير اهتمام بقناعات الاطراف المختلفة بخصوص ضرورة انجاز اتفاق سياسي من عدمها، وهكذا انتهت مفاوضات سويسرا بفشل ذريع، فلم يتم الاتفاق حتى على اجراءات بناء الثقة!».
 
ولضرورة انجاز تسوية سياسية، قال إن على «الأطراف المنخرطة في الحرب الذهاب نحو اتفاق سياسي يعطي الأمم المتحدة دورها التاريخي المعهود وهو رعاية المفاوضات وصياغة الاتفاقات، وهناك امكانية لعقد جنيف3، إذا فهم ولد الشيخ الدرس، وهو بأن عليه التحضير ببطء وهدوء لأي مفاوضات قادمة حتى يستطيع تحقيق انجازات حقيقية».
 
دور
 
في المجمل بات واضحاً الدور الذي قدمه بنعمر اثناء مسيرة عمله في اليمن، اما ولد الشيخ فلاتزال المهمة غير مكتملة، وإذا كان الاول قد انتهت فترته بسقوط اليمن بيد المليشيا، فهل ستجد اليمن الخلاص على يد الاخير؟.
 


التعليقات