أطفال المدارس في تعز.. أحلام تتلاشى أمام مدفعية الحوثي وصمت المجتمع الدولي (تقرير)
- خاص الثلاثاء, 06 أكتوبر, 2020 - 06:39 مساءً
أطفال المدارس في تعز.. أحلام تتلاشى أمام مدفعية الحوثي وصمت المجتمع الدولي (تقرير)

[ استهداف الحوثيين للمدارس في تعز - أرشيفية ]

بعد انقطاع دام لأشهر عن الدراسة في المدارس والجامعات بسبب أزمة كورونا، كان تاريخ الرابع من أكتوبر هو الموعد المنتظر لبداية عام دراسي جديد لطالما انتظرته تعز لاستئناف العملية التعليمية في المدارس.

 

استيقظت المدينة للتو، وخرج الطلاب كعادتهم يسابقون الصباح بزيهم المدرسي الحديث وأدواتهم المدرسية الجديدة لتفاجئهم جماعة الحوثي بعد خروجهم بدقائق بعشرات القذائف العشوائية.

 

وقال مدير مكتب التربية والتعليم عبد الواسع شداد إن جماعة الحوثي أطلقت صباح الأحد الماضي ما يزيد عن 20 قذيفة استهدفت الأحياء السكنية وأصابت عددا من المدارس في مديرية صالة والقاهرة والمظفر.

 

وأضاف شداد أن القصف الحوثي يأتي بالتزامن مع انطلاق أول يوم دراسي للمرحلة الأساسية وتوجه أكثر من 300 ألف طالب إلى فصولهم الدراسية.

 

وذكر شداد أن التربية اضطرت لتعليق الدراسة لذلك اليوم فقط، وتم استئناف الدراسة اليوم التالي، مشيرا إلى أن جماعة الحوثي هدفها توقيف العملية التعليمية وإعادة تعز إلى الخلف.

 

وأكد شداد أن تعز لن تستسلم لهذه الضغوطات ولن تستسلم للقذائف المستمرة التي تطلقها الجماعة وستواصل تعليم أبنائها.

 

حقد وانتقام

 

وقال مدير مكتب الإحصاء والتخطيط بمكتب التربية قائد السامعي لـ"لموقع بوست" إن 72 قذيفة تم أطلاقها على الأحياء السكنية والمدارس حيث أصابت القذائف كلا من مدرسة الثلايا، ومدرسة الخنساء والميثاق وكلية الآداب، وهي مناطق مكتظة بالسكان مما اضطرهم لإغلاق المدارس وإيقاف العملية التعليمية.

 

من بين عدة عوامل تهدد سير العملية التعليمية بتعز: خراب المنشآت التعليمية وانقطاع رواتب المعلمين وتفشي فيروس كورونا وحمى "المكرفس"، يظل القصف الحوثي المستمر على الأحياء السكنية والمدارس هو الخطر الأكثر تهديدا للتعليم.

 

عودة القصف الحوثي على المدارس والأحياء السكنية بالتزامن مع عودة الدراسة، أثار استياءً شعبياً كبيراً، فالإعلامي "البراء منصور" عبر عن استيائه من خلال منشوره على فيسبوك قائلا: "اليوم كان أول يوم دراسي لطلاب المدارس وبفعل القصف اضطرت المدارس لإيقاف التدريس وذهب الطلاب لمنازلهم بعد نيل حصتهم من الرعب".

 

عمل إرهابي

 

عضو المجلس المحلي بمديرية صالة (المديرية التي طالها القصف)، منير سيف، وصف القصف الحوثي على المدارس بالعمل الإرهابي، مؤكدا أن جماعة الحوثي لن تستطيع إيقاف العلم في مدينة الثقافة.

 

وأضاف سيف مخاطبا الحوثيين قائلا "72 قذيفة تمثل مقدار حقدكم على مدينة غلبتكم بالعلم قبل السلاح".

 

مصعب ضياء، طالب مرحلة أساسية، يتحدث لـ"الموقع بوست" بالقول "أنا أحد أطفال تعز ولم أصب حتى الآن، ولكن لا أضمن البقاء هكذا، بسبب القصف الدائم الذي تشنه جماعة الحوثي على المدينة بشكل عشوائي".

 

 

ويقول مصعب إنه يذهب إلى المدرسة وهو يسمع الانفجارات ويدرس وهو يسمعها ويعود إلى البيت وهو يسمعها أيضا، ولكن رغم ذلك يقول إن أطفال تعز يذهبون إلى المدرسة كل يوم ويحرصون على ألا يفوتوا درسا واحدا. ويختتم حديثه قائلا: "أصبحت الأم تودع ابنها كل صباح وكأنه ذاهب إلى المعركة، وعند عودته تفرح وكأنه عاد من الموت".

 

صمت أممي

 

المجلس التنسيقي لمنظمات المجتمع المدني في تعز أدان القصف الحوثي على المدارس ووصفه بمحاولة قتل جماعي للطلاب.

 

واستغرب المجلس التنسيقي للمنظمات حالة الصمت الأممي والدولي أمام جرائم الحوثيين على الرغم من كثافة القصف الحوثي على المدارس وعلى الأحياء السكنية وأماكن التجمعات السكانية المكتظة بالآمنين.

 

وطالب المجلس التنسيقي الحكومة الشرعية ودول التحالف بالتحرك الجاد في المحافل الدولية الحقوقية لإدانة جرائم الحوثي المستمرة ضد مدينة تعز وسكانها وحمل المبعوث الأممي لدى اليمن والأمم المتحدة مسؤولياتهم في حماية المدنيين بتعز.

 

وأوضح المجلس أن القصف الذي يشنه الحوثيون يستهدف الأحياء السكنية المكتظة بالمدنيين والنازحين الذين بدؤوا بالعودة لمنازلهم، وراح ضحيته العشرات من النساء والأطفال‏ بين قتلى وجرحى.

 

وأدن وزير الإعلام معمر الإرياني القصف الحوثي المستمر الذي يستهدف المدارس والأحياء السكنية والذي قال إنه يأتي ضمن سياسة العقاب الجماعي ضد مدينة تعز.

 

استهداف العملية التعليمية

 

المحامي والناشط الحقوقي علي الصراري قال إن جماعة الحوثي عمدت إلى استهداف الأحياء السكنية بالسلاح الثقيل والمتمثل بالهاونات والمدفعية الثقيلة والكاتيوشا، موضحا أن ذلك يتعارض مع القوانين والاتفاقيات الدولية واتفاقية جنيف الرابعة التي حرصت على عدم اقحام المدنيين في النزاع المسلح وعدم اعتبارهم أهدافا عسكرية.

 

وأكد الصراري في حديثه لـ"الموقع بوست" أن جماعة الحوثي مستمرة منذ أن اقتحمت المدن في 2015 في قصف واستهداف المؤسسات التعليمية سواء المدارس أو الجامعات، مضيفا أن هذا الاستهداف إما باستخدام تلك المؤسسات التعليمية ثكنات عسكرية لتخزين الأسلحة فيها وتدريب المقاتلين أو استهدافها بشكل مباشر بالأسلحة الثقيلة أو القناصات.

 

واعتبر الصراري القصف على الأحياء والمدارس انتهاكا صارخا لجميع القوانين الوطنية والدولية وانتهاكات جسيمة ضمن الانتهاكات الستة الجسيمة التي ذكرها مجلس الأمن.

 

ونوه بقوله إن "هذا العمل الإجرامي قد تسبب بسقوط ضحايا من الأطفال والطلاب وأحدث تدميرا كليا أو جزئيا للمؤسسات التعليمية، سواء مدارس أو جامعات".

 

وحمل الصراري الحكومة الشرعية والأمم المتحدة المسؤولية القانونية والإنسانية في الضغط على جماعة الحوثي بعدم إقحام المدارس والطلاب في النزاع المسلح وعدم اعتبارهم جزءا من الأهداف العسكرية.

 

آثار نفسية

 

وتحدثت الأستاذة دعاء الزمر من زاوية علم النفس التربوي لـ"الموقع بوست" قائلة: "ربما لا يحتاج منك أن تكون مختصا نفسيا حتى تدرك حجم الكوارث النفسية التي يعاني منها طلاب المدارس، فالدمار الذي تحدثه القذائف المتساقطة من قبل الحوثيين في الشوارع والمدارس والبيوت، يحدث ما هو أسوأ منه في نفوس الأطفال والمراهقين وحتى الكبار".

 

وتابعت دعاء سردها للأضرار التي يخلفها القصف المدفعي في نفوس الطلاب وكيف يؤثر على مستواهم وتحصيلهم التعليمي: "فرحة أول يوم التي كسرت في نفوسهم لا يمكن أن تكون حدثا عابرا بلا أثر، والحماس المتوقد الذي ينطفئ في كل مرة بالقوة لا شك هو سر الجمود والتبلد الذي صار شائعا بين الطلاب".

 

واردفت: "دائما ما يشكو القائمون على العملية التعليمية من ضعف تركيز الطلاب وازدياد أحداث العنف بينهم وغالبا ما نلاحظ شيوع اليأس والنظرة السوداوية للمستقبل بين المراهقين وهو من الأسباب التي تدفعهم للإهمال وتؤثر سلبا على تحصليهم العملي".

 

بإمكانك أن تدرك حجم الرعب والقلق الذي ينتاب الأطفال حين يخبرك أحدهم وهو يقضم أظفاره: "أثناء سقوط القذائف نسكت كلنا علشان نعرف وين كانت القذيفة عندنا بالمدرسة وألا بالشارع الذي جنبنا".

 

وتشير دعاء إلى حقيقة أن الفزع والشعور بعدم الأمان هو أمر واقع فرضته المليشيا، وتقول: "ما نلاحظه من ضعف شخصي ومعرفي أو سلوكيات خاطئة هي قطعا رد فعل طبيعي ونتيجة متوقعة تجعل من العملية الدراسية مسألة كفاح ونضال والخروج منها بسلامة ذهنية وعلمية بطولة حقيقة".

 

وأدان مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان hritc القصف الحوثي على المدارس والأحياء في شرق المدينة ووصفه بجرائم حرب ضد الإنسانية.

 

واستنكر المركز في بيان له صمت الأمم المتحدة والمنظمات تجاه تعز، وطالب المبعوث الأممي مارتن غريفيث والأمم المتحدة بالنظر بجدية لمعاناة تعز وفك الحصار عنها.

 

وأوضح تقرير سابق لمنظمة انتصاف لحقوق الطفل والمرأة صدر في نهاية 2019، أن القصف المتكرر على المدارس تسبب بتأثر التلاميذ وظهور آثار نفسية عميقة أثرت سلباً على نمط تفكيرهم ومشاعرهم وسلوكهم وعلاقتهم بمن حولهم، و37% من الأطفال مصابون بالقلق، و36% يعانون من عدم الشعور بالأمان، و32% يعانون من مشاكل النوم بسبب الخوف من أصوات الطائرات.


التعليقات