قصة نجاح في زمن الحرب.. شاب يمني يحول مخلفات الحرب إلى أداة سلام (تقرير)
- مأرب - محمد حفيظ الأحد, 08 نوفمبر, 2020 - 10:25 صباحاً
قصة نجاح في زمن الحرب.. شاب يمني يحول مخلفات الحرب إلى أداة سلام (تقرير)

[ ورشة لشاب يمني في مأرب يحول مخلفات الحرب إلى أداة سلام ]

في زمن الحرب تولد الابتكارات لدى الشباب اليمني، إذ حول شاب القذائف ومخلفات الحرب من أدوات قتل وموت ودمار إلى أدوات سلام وأمان يحتمي بها النازحون والمواطنون.

 

استغل شاب وجود الأكوام الكبيرة من مخلفات الحرب من القذائف المنتشرة في مناطق المواجهات لتحويلها إلى أداة سلام.

 

 

مظلات وهناجر وأسرِّة نوم وموانع على أسوار المنازل وأعمدة خيام وأركان منازل، استخدامات لتلك الأدوات المصنعة من مخلفات الحرب التي يعدها بشغف شاب يتطلع إلى حماية البيئة واستغلال مخلفات الحرب وتحدي الصعاب وكسر اليأس المستشري بين أجيال المجتمع في ظل الحرب الدائرة بالبلاد منذ ست سنوات.

 

 

وانتشرت الأدوات المصنوعة والمجمعة من مخلفات الحرب وظروف القذائف وأغلفة الصواريخ في شوارع مدينة مأرب ومخيمات النازحين بشكل كبير، حيث يستغل المستخدمون والنازحون التكلفة البسيطة مقابل تلك الأدوات وصلابتها مقارنة بأسعار الحديد المرتفعة.

 

خالد علي، شاب عشريني يعمل بائعا للخردة، بات مؤخرا يملك محلا لتجميع مخلفات الحرب وشرائها من المواطنين والجنود وإعادة تدويرها، ويعمل خالد منذ فترة طويلة بمأرب التي ولد فيها وبات اليوم متزوجا ولديه طفلان.

 

إعادة تدوير مخلفات الحرب

 

يقول خالد في حديثه لـ"الموقع بوست" إنه بدأ قبل أربعة أعوام في إعادة تدوير مخلفات الحرب وتجميع "الظروف" الفارغة والمعابر وأغلفة القذائف ليحولها إلى أدوات يستفيد منها الناس، بينما كان عمله مرتكز على تجميع الخردة من الحديد والنحاس وبيعه بالكيلوجرام.

 

 

الرياح الشديدة التي تطرأ على مأرب أثناء فصل الصيف كان لها الفضل على فكرة خالد في إعادة تدوير مخلفات الحرب، عند محاولته إعادة مظلته التي أخذتها الرياح طرأت عليه الفكرة.

 

 يضيف "مجرد فكرة لاحت على أذهاني عند انهيار مظلة المحل الصغير المتربع وسط مدينة مأرب  نظرا لأسعار الحديد الباهظة، فكرت بتجميع أعمدة للمظلة من أغلفة مدفعية (106) فانبهر بها الزوار والمارة وبدأت الطلبات تتقاطر من قبل المواطنين والنازحين".

 

وكان الكثير من المعابر ومخلفات الحرب التي يأتي بها الجنود لبيعها كحديد محفز مهم للبدء بالعمل أثناء اضطراره لعمل مظلة لمحل الخردة بعد خراب الأولى حيث بدأ بنفسه، وأبدى الزوار إعجابهم لتعود على خالد مهمة استجلاب المزيد باستمرار من مخلفات الحرب.

 

 

بداية تجميع "المعابر" تحدث خالد وهو يرتدي نظارته التي بات يعتمد عليها بعد تتضرر "عينيه" بسبب أشعة اللِّحام، قال إنها كانت مجانية وعمل بجهده الشخصي وكان يجمعها بنفسه، كذلك كان الكثير من الجنود يجلبونها لبيعها كحديد بالميزان بمبالغ زهيدة جدا.

 

يتابع خالد متذكراً بدايات مشواره الإبداعي أن الإقبال على أعماله من قبل المواطنين من أبناء مأرب والنازحين كان متدرجا نحو الارتفاع حتى أصبح إقبالا بشكل كبير بعد فيضان سد مأرب من قبل النازحين الساكنين في منطقة "ذنة" بعد تضرر منازلهم وعششهم بسبب فيضان السد، وبات كل يوم يتم تحميل من 40 إلى مئة عمود بأطوال مختلفة، مؤكداً أن كل النازحين في وادي "ذنة" جنوب غربي مأرب المتضررين من فيضان السد كلهم استفادوا من تلك الأدوات المصنعة من مخلفات الحرب بطرق مختلفة.

 

 

ويقول خالد "عملنا على مساعدة الكثير من الناس وبعنا آلاف مواسير تلك المخلفات إلى كل مديريات مأرب وكذلك مديريات في محافظة حضرموت ".

 

وأردف أن استخدام تلك الأدوات المجمعة من مخلفات الحرب من قبل النازحين والمواطنين والتجار متعدد كأعمدة لبناء خيامهم وعششهم ومنازل من الخشب، كما يستخدمونها كأعمدة لبناء أحواش مظللة حول منازلهم وأمام المنازل ومظلات المحال التجارية في الأسواق المختلفة وهناجر للحيوانات وموانع واستخدامات متعددة، كلٌّ حسب طلبه.

 

 

ويتطلع خالد إلى استخدام مخلفات الحرب والقذائف لبناء أسرِّة نوم وغرف متنقلة، كما أنه سيستخدمها لصناعة أمور أخرى، قال خالد إنه لا يريد الإفصاح عنها حاليا حفاظا على خصوصية استخدام هذه المخلفات وسر المهنة، كما أنه قد أنجز عددا من أسرِّة وغرف النوم من مخلفات الحرب وأغلفة القذائف بأشكال مختلفة كنماذج أولى لإطلاق العملية قريبا، حد قوله.

 

 

إضافة إلى منظرها الجذاب، فإن هذه الأعمدة المصنوعة من مخلفات الحرب تمتاز بقوتها وصلابتها وطول مدة خدمتها، كما أنها لا تتأثر بالصدى والرطوبة التي تشهدها منطقة "ذنة" بسبب فيضان السد وكذا قرب السد من منطقة النازحين، الأمر الذي زاد إقبال المواطنين عليها من أبناء مأرب وكذلك النازحين وأصحاب المحال التجارية وغيرها.

 

كما تمتاز هذه الأدوات بقلة تكلفتها مقارنة بأسعار مواسير الحديد أو "الشلمان الحديد" التي تتجاوز قيمتها 15 إلى 20 ألف ريال، بينما تكون قوتها رديئة جدا ولا تصمد كثيرا أمام العواصف والرياح ومعرضة للصدأ، بينما قيمة الماسورة من مخلفات الحرب بطول 3 أمتار و4 أمتار 4 آلاف ريال و6 آلاف ريال فقط وتصمد لوقت أكثر وتقاوم الرياح والعواصف الكبيرة التي تحدث في مأرب بشكل مستمر، حد قول خالد.

 

 

وقال إن طول المواسير بحسب طلب الزبائن بينما تختلف نوعية الظروف الفارغة أو مخلفات وأغلفة القذائف التي تصنع منها المواسير والأعمدة بحيث يستخدم مخلفات (البندقية مئة وستة ولها ميزة بخفتها ومنظرها وتكون بشكل شبك وقوية ومتينة حيث تكون أرفع قيمة من غيرها - أغلفة قذائف المدفعية - أغلفة صواريخ جهنم) حيث تكون الأخيرة أقل طلبية وأقل سعرا بسبب حجمها ووزنها الكبير.

 

مخاطر مخلفات الحرب

 

ليست فقط مخلفات القذائف ما يعمل خالد على تدويرها واستخدامها من مخلفات الحرب بل أيضا يعمل على شراء صناديق الذخائر والقذائف الحديدية من جنود الجيش ويعمل على إعادة تصنيعها وبيعها كخزنات للمواطنين و"شنط" لمعدات مهندسي مكانيك السيارات وكشنط وخزنات للملابس والنقود، ويشتريها المواطنون لاستخدامها كحصالات لأطفالهم، بينما صناديق الذخائر والقذائف الخشبية يتم شراؤها من قبل النحالين "خلايا النحل" لاستخدامها كصناديق لبيوت وتربية النحل، يقول خالد.

 

 

ويقوم خالد علي بأدوار مختلفة للتخفيف من مخاطر انتشار مخلفات الحرب في معظم مناطق مأرب، ويقول إن "مخلفات الحرب تأتي إليه كرؤوس قذائف غير متفجرة ورصاصات أسلحة ثقيلة ومواد متفجرة وخطيرة حيث يقوم بتجميعها وتوريدها إلى الجهات المختصة بالمحافظة ومشروع مسام لنزع الألغام ومخلفات الحرب، ذلك حفاظا منه على أرواح المواطنين".

 

وحذر خالد من خطورة لمس أو تلحيم أو قص أجسام من مخلفات الحرب لم تنفجر قبل فحصها من قبل الجنود أو المهندسين، خوفا من انفجارها ووفاة المستخدم لها أو إحداث الضرر في جسمه.

 

 

وأشار إلى أن بعض مخلفات القذائف تأتي إليه وهي لا زالت مليئة بالمادة المتفجرة وإذا ما باشر التلحيم عليها قبل إزالة المادة من داخله، قد يؤدي إلى انفجارها على الفور، لافتا إلى أن إحدى مخلفات القذائف وصلت إليه وكان صاعق الظرف الفارغ مليئا بالمادة المتفجرة مما أدى إلى انفجاره في وجه أحد العمال الذي قام بالضرب على مؤخرة الظرف الفارغ لقذيفة مدفعية.

 

من أداة قتل إلى أداة سلام

 

يمضي خالد بالقول "حاولت استغلال كل مخلفات الحرب الصغيرة والكبيرة وإعادة تدويرها من أدوات قتل ومضرة إلى أدوات تنفع المواطنين وأداة سلام، لبث روح التفاؤل بين اليمنيين، ولتشير إلى أن المستقبل سيكون أجمل مما نحن فيه اليوم، مهما طال أمد الحرب ومهما حاول اليأس التسلل إلى قلوب اليمنيين".

 

 

ويعد خالد المهندس الوحيد حتى الآن في البلاد ككل ممن يعيد استخدام مخلفات الحرب وتدويرها إلى أدوات سلام رغم تواجد مخلفات الحرب بشكل كبير جدا في عموم مناطق البلاد التي تشهد مواجهات عسكرية بمختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة التي تخلف آلاف الفوارغ وأغلفة القذائف، والتي من الممكن استغلالها بطرق شتى للاستفادة منها بشكل عام أو خاص وكذا الاستثمار بها ودخل الرزق.

 

 

ولن تنتهي مخلفات الحرب بانتهاء الحرب في البلاد بل ستظل شاهدة على وضع عنيف مرت به اليمن بحجم تلك الأكوام من مخلفات الحرب في وديان وجبال البلاد وشعابها ما لم يتم استغلالها بالشكل المطلوب.

 

* تحرير الموقع بوست


- فيديو :


التعليقات