[ تكدس النفايات في شوارع تعز ]
منذ ساعات الصباح الأولى، وفي أوقات متأخرة من الليل، يغسل عمال النظافة وجه مدينة تعز التي أثخنتها الحرب والحصار لسنوات، يضمدون جراحها النازفة، لتثمر جهودهم عن ترحيل 250 طنا من النفايات التي تغرق فيها مدينة تعز يومياً.
يقدر إجمالي عمال النظافة في مختلف مناطق محافظة تعز، بما فيها تلك الخاضعة لسيطرة الحوثيين، نحو 2500 عامل، منهم 280 عاملا في مركز المحافظة، وجميعهم يعانون ظروفاً إنسانية بالغة السوء، خصوصاً المتعاقدين منذ أكثر من 20 عاماً، العديد منهم يعملون بالأجور اليومية منذ زمن، ويحلمون برواتبهم بعد أن ضاعفت الحرب معاناتهم ليصبحوا منسيين.
لا يعني الشارع لعمال النظافة بحركته وحيويته سوى مكان للعمل، وخلال ثلاث "ورديات" تبدأ الأولى في السادسة صباحاً وتنتهي الأخيرة في الثانية من صباح اليوم الثاني، يخوضون ماراثونات عديدة مع المخلفات حتى يقضون على آخر معاقل الأوساخ والقمامة، يعملون طوال أيام السنة ولا مجال للإجازات أو العطل، وبحسب العمال فإنه لا يسمح لهم بإلاجازات المرضية وإذا اضطر عامل للغياب بسبب وعكة صحية فإن ذلك قد يؤدي إلى تسريحه ولا تشفع له سنوات من العمل.
مخاطر صحية واستهتار
يمر الناس في الشوارع ويلقون إلى الأرض كل ما يشعرون أنهم استنفدوه دون أدنى اكتراث لمعاناة هؤلاء العمال الذين فاقمت الحرب أوضاعهم المعيشية، فمحاسبة العامل تتم بشروط مجحفة لكن حقوقه في سلة المهملات.
يقول "صادق القدسي" وهو مشرف على مجموعة من عمال النظافة لـ"الموقع بوست" إن أشد ما يواجهونه من متاعب هو عدم اكتراث الناس لما يبذل من جهد في تنظيف الشارع، بل إن هناك أناساً يعمدون إلى إلقاء الأوساخ عمداً في أماكن غير مخصصة لها، مما يجعل العامل عرضة للمساءلة بتهمة الإهمال.
إن وضع هؤلاء العمال كمتعاقدين بالأجر اليومي ضاعف عليهم الأعباء وحرمهم الكثير من الحقوق، كما يقول عامل النظافة هيثم لـ"الموقع بوست": "نحن مستجدون ونعمل بالأجر اليومي وقد مرت أكثر من عشرة أيام ولم يصرفوا مستحقاتنا"، موضحا أن المنظمة قررت للعامل مبلغ 5 آلاف ريال يوميا، بينما في الحقيقة يستلمون ألفي ريال فقط.
يواصلون العمل بتنظيف الشوارع رغم افتقارهم لأبسط تجهيزات الوقاية الصحية مثل القفازات والكمامات، مما يجعلهم عرضة للإصابة بالأمراض بحكم احتكاكهم بشكل مباشر بالأوساخ والقاذورات، وبما أنهم متعاقدون بالأجر اليومي فإن القانون لا يمنحهم أي ضمانات صحية ولا يلزم الجهة التي يعملون معها بتحمل تبعات أي مرض قد يصيب العامل نتيجة للعمل، وهناك مرض منتشر بين العمال وهو مرض تسدد الجيوب الأنفية (التهابات) الذي يصاب به العامل بسبب استنشاقه المتواصل للغبار أثناء كنس الشوارع.
منظمات على الأرض وصمت الحكومة
وفيما يتعلق بعمل المنظمات التي تدعم صندوق النظافة والتحسين، يقول صادق القدسي لـ"الموقع بوست": "قبل أن تتدخل المنظمات كانت المدينة تمتلئ بالقمامة خلال يوم واحد فقط، وعلى سبيل المثال هنا بالقرب من مستشفى الثورة يوجد 20 برميلا تمتلئ بالقمامة ناهيك عن تلك الموجودة بجانب البراميل وكل هذا خلال 24 ساعة فقط ".
ويضيف القدسي: "عملنا الآن معتمد على ما تقدمه المنظمات ومنها منظمة كير الخاصة بدعم ترحيل النفايات، بالإضافة إلى منظمة مارسيكور في دعم تنظيف الشوارع، وقد عملنا سابقا لمدة سنة وثمانية أشهر بدون رواتب".
من جانبه قال هلال، عامل نظافة مستجد، إنه يخرج للعمل من الساعة السابعة صباحا وحتى 12 ظهرا كي يعول أسرته المكونة من زوجتين وأربعة أطفال، لكنه يشكو من ضآلة المعاش الذي يتقاضاه من المنظمة والمقدر بـ30 ألف ريال يمني خلال 15 يوما من العمل، بينما يصل راتب المشرف على مجموعته والذي يتبع المنظمة إلى ما يقارب 132 ألف ريال بذات المدة.
وفي السياق ذاته تحدث محمد عبده، سائق شاحنة، لـ"الموقع بوست" قائلا "نستلم كل أربعة أو خمسة أشهر مبلغ 31 ألف ريال، وحاليا نشتغل مع منظمة كير مقابل 1500 ريال للحملة الواحدة، ويستمر العمل ابتداء من الساعة السادسة صباحا وحتى الساعة الثانية بعد الظهر، ومنها إلى منتصف الليل".
وفي حديثه لـ"الموقع بوست" قال مدير الموارد البشرية في صندوق النظافة فواز سفيان "إن موظفي الصندوق بدون رواتب سواء العمال أو الإداريين". ويضيف: "هناك منظمة كير ومارسيكور يشتغلون بالميدان، وهناك عقد مع صندوق النظافة، منظمة كير لديها 100 عامل إضافة إلى مارسيكور التي يعمل لديها 180 عاملا".
وأردف سفيان: "المشرف على العمال يستلم حوالي 5 آلاف ريال فيما أجر العامل يقدر بنحو ألفي ريال يوميا".
من جانبه أفاد نقيب عمال النظافة بتعز عدنان جامل أن سبب توقف رواتب العمال يعود إلى انقسام إيرادات صندوق النظافة بين أطراف الصراع.
ويضيف جامل: "الإيرادات مستمرة ولكن هناك فساد وسوء إدارة في صندوق النظافة وأصبح العمل فيه محاصصة وبذلك ضاعت حقوق الموظفين والعمال على السواء ولإنقاذ صندوق النظافة يجب تحويله إلى هيئة مستقلة".
ويختم حديثه بالقول: "حاليا لم يعد العمال يستجيبون لدعوات الإضراب وذلك بسبب الاعتداءات المتكررة عليهم وتهديدهم بفصلهم نهائيا من العمل حتى إن إحدى العاملات عندما شاركت في الإضراب تم الاعتداء عليها وإجهاض حملها".
في المقابل ذكر عبد الله جسار مدير صندوق النظافة والتحسين بتعز في تصريحه لـ"الموقع بوست" أن موارد الصندوق تبلغ حوالب 30 مليون ريال يمني في الشهر الواحد ولكن مصروفات وايجارات الصندوق تصل ما بين 10 إلى 15 مليون شهريا وبهذا فإن موارد الصندوق لا تغطي الاحتياج بشكل كامل.
تكدس النفايات في مجاري السيول
أدى حصار الحوثي على المدينة إلى حدوث أزمة في الأماكن المخصصة لإحراق القمامة، نتج عن ذلك تراكم القمامة في الشوارع ومجاري السيول بشكل كبير مسبباً الكثير من الأمراض وفي مقدمها الكوليرا، في الوقت الذي يرى فيه كثيرون أنّ اهتمام المنظمات الدولية بالملف البيئي كان ضعيفاً ولا يرقى إلى حجم المعضلة.
ويشكو المواطنون القاطنون بالقرب من مجاري السيول التي أصبحت البديل المتاح لرمي النفايات، إذ تمتد من سفح جبل صبر حتى شمال المدينة عند سد العامرة، وكذلك يتوزع المشروع على وادي القاضي ومناطق الجمهوري وشارع 26، حيث يعتبر أكبر مشروع بنية تحتية في المحافظة خلال الثلاثة العقود الأخيرة، ولكونها أصبحت بديلا لرمي النفايات فقد ضاعف ذلك معاناة السكان الذين يشكون من الوضع الصحي والبيئي المترتب على حرق القمامة، خاصةً مع تجاهل السلطة المحلية ومكتب صندوق النظافة لمعاناة المواطنين.
ويشكو المواطن عمر اليوسفي والذي يسكن بالقرب من مجاري السيول لـ"الموقع بوست" قائلا: "أصبت أنا وأولادي بأمراض سببها النفايات المتكدسة في مجاري السيول قرب منزلنا".
ويُحمل اليوسفي الجهات المعنية مسؤولية عدم وضع شباك حديدية لتغطية مجاري السيول، بيد أن مدير صندوق النظافة أوضح بأنه قد تم تنظيفها مطلع العام الجاري تماما من النفايات، معتبرا أن إهمال المواطنين هو السبب في تكدس القمامة في مجاري السيول.
وعلى الجانب الآخر يجد الأهالي في إحراق النفايات خير وسيلة لحلّ هذه المشكلة، لكنّها في الوقت نفسه تنتج مشكلة صحية أخرى وهي تلوث الهواء وانبعاث الغازات السامة التي تسبب الأمراض التنفسية وأمراض العيون لبعض السكان.
ويشار إلى أنّ بعض الأهالي يضطرون إلى إغلاق النوافذ والأبواب بشكل محكم طوال الليل كي لا تدخل إليها هذه الأدخنة وهذا ما يتسبب في حرمانهم من الهواء النقي.
وتعجز السلطات المحلية في تعز عن توفير الدعم لصندوق النظافة بشكل منتظم، منذ بدء الحرب في اليمن قبل أكثر من خمس سنوات جراء الحصار المطبق على المحافظة وإغلاق أغلب منافذ المدينة.