شكا من قلة الدعم وتجاهل المنظمات الدولية
بجهود ذاتية.. معلم يمني يجعل من صحراء "الرويك" بمأرب دياراً لتعايش الديانات وسكنا للمهاجرين الأفارقة (تقرير)
- مأرب - محمد حفيظ السبت, 12 ديسمبر, 2020 - 08:32 مساءً
بجهود ذاتية.. معلم يمني يجعل من صحراء

[ مهاجرون أفارقة تقطعت بهم السبل في صحراء الرويك في اليمن ]

من صحراء خالية من البشر تحولت منطقة "الرويك" إلى ديار للتعايش والترابط الإنساني بين شعوب وديانات مختلفة جمعها معلم يمني بجهود ذاتية، في مساعدة للمهاجرين الأفارقة الذين تقطعت بهم السبل، وقطعت طرق فرارهم من الموت الكثير من العوائق التي بدأها فيروس كورونا وأغلق أملهم في الحياة السعيدة في السعودية، واختتمتها حرب اليمن في محافظة الجوف التي منعت عنهم الوصول إلى مبتغاهم الوحيد في الوصول إلى المملكة، فتحولت حياتهم إلى جحم، فلا طريق للعودة إلى ديارهم ولا سبيل إلى الحلم، فحط بهم الرحال في صحراء الرويك التي حولها معلم يمني إلى مشروع إنساني ومخيم تعايشي رغم الصعاب وانعدام الإمكانيات.

 

عبد الفتاح الحميدي، معلم في صحراء منطقة الرويك، التي تحدها أربع محافظات يمنية هي شبوة وحضرموت ومأرب والجوف.

 

بعد انتشار فيروس كورنا الذي أغلق حدود السعودية أمام الهجرة واشتداد المعارك في محافظة الجوف الطريق المعتاد لعبور المهاجرين الأفارقة باتجاه الحدود السعودية.

 

 

توقفت هجرة الأفارقة في منطقة "الرويك" بسبب المواجهات الدائرة في شرق الجوف، وباتت الصحراء نقطة تجمع كمخيم مؤقت لهم حتى تفتح أمامهم الطريق أو يعودون إلى ديارهم في أفريقيا.

 

المعلم اليمني الحميدي سخر جهوده للعمل الإنساني خدمة للمهاجرين الأفارقة الذين تقطعت بهم السبل في منطقة الرويك.

 

 

يقول الحميدي في حديثه لـ"الموقع بوست": "نحن قمنا بدورنا الإنساني في إنشاء مشروع لإيواء المهاجرين الأفارقة وإطعامهم بما نستطيع عليه وما نجمعه من تبرعات ومساعدات إنسانية".

 

يشير المعلم الحميدي إلى أن فكرة مشروع إيواء المهاجرين جاءت بعد ملاحظته شتات المهاجرين في منطقة "الرويك" وعلى امتداد الصحراء والخط الدولي وفي العراء وكهوف الجبال، وبدون أكل ولا شرب، إذ لا يوجد في "الرويك" لا أسواق ولا مطاعم بل صحراء خالية من البشر، فتحولت إلى ديار مؤقتة للمهاجرين والمهاجرات الأفريقيات.

 

وبحسب الحميدي فإنه وجه مناشدة للمنظمات المحلية وبعض المنظمات الدولية لمساعدة المهاجرين، وجمع تبرعات بسيطة لإيواء وغذاء المهاجرين بقدرات شخصية بسيطة وقام بتوفير جزء من الاحتياجات الأساسية البسيطة للمخيم.

 

 

ويصف الحميدي وضع المهاجرين بالقول: "كانوا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء دون فراش ولا مأوى ولا ماء ومن دون غذاء"، لافتا إلى أن معظم المهاجرين في الرويك هم من النساء والفتيات دون سن 18 بينهم أطفال ورجال ومن مختلف الديانات مسيحيين ومسلمين.

 

تمكن الحميدي من توفير 15 خيمة إيواء ومطبخ لطهي وجبات الطعام للمهاجرين، وكذا مواد غذائية لمدة شهر كامل وكان ذلك بمعية كبيرة من إدارة مخيمات النازحين في مأرب.

 

ولفت إلى أن الاحتياجات الضرورية للمهاجرين كثيرة، ولا زالت الأساسيات لم تتوفر بعد، وأنهم بحاجة إلى مياه شرب وخزانات للمياه وعيادة طبية وصحية، وكذا دورات مياه متنقلة ومواد غذائية لمدة أكثر من شهر وأجرة طباخ ومشرف للمخيم وغيره.

 

 

وقال الحميدي إن جهوده في البحث عن داعمين ومنظمات محلية ودولية مستمرة لتوفير احتياجات المهاجرين في المخيم المؤقت لهم ولن يتوقف بحثه مهما تكون الصعوبات التي تواجهه.

 

وأشار إلى أن منظمة الهجرة الدولية التي تعد المسؤول الأول عن دعم وتوفير الأساسيات للمهاجرين لم تقدم حتى الآن شيئا يذكر، ولم تستجب لمطالب المشروع في توفير احتياجات المهاجرين في "الرويك" عدا بعض المنظفات التي وزعتها المنظمة، "ووعود لم نلمس لها واقعا حتى الآن، بينما المهاجرون بحاجة لطعام وماء ودواء لاستمرار بقائهم".

 

ستة أشهر حتى الآن منذ أن تجمع الأفارقة في هذه الصحراء القاسية ومشروع الإيواء والمأوى الذاتي يكافح لاستمراره بصدقات متبرعين وجهود شخصية ودعم شحيح وغياب تام للمنظمات الدولية والمعنية بأمر المهاجرين الأفارقة.

 

المعلم عبدالفتاح الحميدي

 

يوضح  الحميدي أن وضع المهاجرين ليس في حاله الطبيعي بل وضع مزرٍ وفي حالة متعبة من ناحيته الصحية والنفسية والغذائية، لافتا إلى أن مخزون الغذاء على وشك الانتهاء قبل نهاية الشهر الحالي.

 

تقطعت بهم السبل

 

بدأ الحميدي عمله في  مشروعه التطوعي منذ بداية يوليو/تموز الماضي، ويقول إن بداية عمله كانت بداية جيدة بمساهمة الوحدة التنفيذية للنازحين بمأرب وعدد من المتبرعين والمتطوعين والجمعيات المحلية والتي أنشئ فيها المطبخ والخيام واكتفاء بالمواد الغذائية لمدة شهر، لكنها باتت أكثر صعوبة يوما بعد يوم، إذ توقف الدعم تماما من قبل تلك الجهات، "ولم نر جهات جديدة تدعم، وبات استمرار العمل إلى اليوم على الدعم الذاتي وما يقدمه المتبرعون وهو شحيح جدا".

 

 

"المنظمات لم تستجيب ولم تقدم أبسط الأشياء والأيام تمر والجوع يزداد والأمراض تفتك بالمهاجرين هنا في صحراء الرويك القاحلة وبات عملنا في تقديم الوجبات الغذائية اليومية شبه متوقف حيث يتم تقديم وجبة واحدة فقط في اليوم، بينما لم نستطع توفير وجبات الغذاء الأخرى"، يقول المعلم الحميدي.

 

الجانب الإنساني والأخوي هو الدافع الوحيد لتحمل الحميدي مسؤوليته تجاه إيواء وغذاء المهاجرين ومساعدتهم.

 

عندما رأى فتيات بعمر الزهور يفتقدن للقمة العيش وشباب يتسكعون في صحراء لا ماء فيها ولا دواء وأمراض دون مساعدة، ذلك ما حرك وزاد من إقدام الحميدي نحو تحمل مسؤوليته لمساعدة المهاجرين الأفارقة في صحراء العبر الذين باتوا وحيدين دون معين.

 

وتابع الحميدي: "كنت آمل أن تكون البداية التي بدأتها بادرة أمل لتغيير حال المهاجرين حتى تفتتح أمامهم الطرق وتقوم المنظمات باستكمال المشروع".

 

 

ودعا الحميدي المنظمات الدولية الإنسانية للنظر إلى حال المهاجرين الأفارقة في صحراء الرويك وأن تعمل على إكمال المشوار لمشروع الإيواء والغذاء والدواء للمهاجرين لتحسين طعامهم وسكنهم "الذي نفتقر إليه اليوم".

 

يعاني المهاجرون الأفارقة في صحراء العبر من السكن الذي بات مهددا بفعل الرياح الشديدة والرمال الكثيفة على الخيام التي يسكنها المهاجرون التي تتمزق بشكل مستمر، ولا يوجد بدائل سوى نقل من فقدوا خيمتهم إلى الإيواء بجوار آخرين في خيمة أخرى حتى باتت الخيمة الوحدة مكتظة بعشرات المهاجرين.

 

يمضي الحميدي في حديثه بالقول: "باتت حياة الفتيات الصغيرات المهاجرات مهددة بمخاطر جمة بسبب خروجهن للخط الدولي للتسول على قارعة الطريق بسبب الجوع وعدم القدرة على توفير وجبات الطعام المكتملة، وذلك يؤدي إلى تعرض الفتيات لمخاطر صحية ونفسية كبيرة"، مشيرا إلى تعرض إحدى الفتيات لحادث سقوط من على متن صندوق سيارة أثناء سيرها في الطريق مما أدى إلى إصابتها بكسور وخدوش كبيرة.
 

 

يشربون مع الإبل

 

وأردف "يعاني المهاجرون الأفارقة في الرويك من عدم توفير مياه الشرب الصحية ويسيرون على الأقدام مسافات 4 كم في الصحراء لجلب المياه بقنينات صغيرة لا تكفي ليوميهم يجلبونه من حوض مياه للإبل المنتشرة في الصحراء والذي أنشأه فاعل خير يصب فيه الماء كل أسبوع بهدف ري الإبل، وهذا يعد تحديا كبيرا لتوفيره في المخيم -حسب الحميدي- وهذا يتطلب "احتياج صهريج مياه كل يوم إلى المخيم وكذا خزانات للمياه وهو ما لم نستطع توفيره حتى الآن ولم نحصل على تجاوب من قبل منظمة لتوفيره".

 

وذكر الحميدي أن الطبيعة للمنطقة هي الأخرى تزيد من معاناة المهاجرين في الصحراء المتقلبة طقوسها بين برد قارس وحر شديد ورياح عاتية ورمال زاحفة.

 

 

بفعل مشروع الحميدي لإيواء ومساعدة المهاجرين تحولت الصحراء الخاوية على عروشها إلى ديار ثابتة تتداول سمعته في أوساط المهاجرين عبر اتصالاتهم وحديثهم وتحولت الصحراء الصامتة إلى ديار تعج بالبشر رغم المعانة التي تصاحب المهاجرين في ذلك المخيم وغيره، ويعد المخيم ثابتا رغم تغير وجوه المهاجرين بين الحين والآخر، يذهب مهاجرون ويأتي آخرون إلى ديارهم المستقرة (المخيمات) رغم انعدام أساسيات الحياة فيها، لكنه أمل وحيد وخيار أفضل بالنسبة للمهاجرين.

 

تنوع ديني

 

يزداد عدد المهاجرين الأفارقة وينقص في هذا المخيم ويصل عددهم إلى 800 مهاجر ويقل إلى 300، وتعد الإناث أكثر عددا من الذكور حيث يوجد حاليا 250 مهاجرة و150 مهاجرا في المخيم حاليا وجميعهم بعمر ما بين 15 عاما و25 عاما.

 

 

وقال الحميدي إن المهاجرين في مخيم "الرويك" ينقسمون إلى مسلمين ومسيحيين، مضيفا أنه قام بتوزيعهم في جهتين كل فئة على حدة كونهم لا يجتمعون ولا يتعايشون مع بعضهم على الإطلاق ويحدث شجار وعراك بينهم باستمرار إذا ما اجتمعوا.

 

رقص على ظهر الصحراء

 

ورغم الشتات والصعاب التي يواجهها المهاجرون الأفارقة في مخيم الرويك الصحراوي، إلا أن الأفراح والمناسبات  الشهرية والأسبوعية لا تفوت على المهاجرين الذين يحرصون على إحيائها بشكل مستمر، والتي لم يحظ معد التقرير بحضورها، لكنه استمع إلى الكثير عنها من القائمين على المشروع ومن بعض المهاجرين الذين بالكاد ينطقون العربية، وحصل على عدد من الفيديوهات المصورة لحفلاتهم التي تقام في منطقة الرويك.

 

 

ويُقيم المهاجرون طقوسهم الأسبوعية والشهرية -حسب الحميدي- متحدثا عن المسيحيين "الكرستيان" بأنهم يقيمون رقصاتهم وأفراحهم الأسبوعية وأعيادهم بشكل مستمر كإيقاد الشموع وكل ما يقومون به في بلدانهم يقيمونه هنا وسط تجمع جماهيري يمني من المسافرين وعابري الطريق والمحليين والبدو القريبين من تلك المنطقة.

 

ولفت إلى أن المهاجرين المسلمين كذلك يعيشون طقوسهم الدينية ومناسباتهم الأسبوعية كيوم الجمعة وغيره بشكل اعتيادي رغم عدم توفر المساجد لهم، وذلك يعيد للمهاجرين الأمل بالحياة والاستمرار في العيش رغم الصعوبات ومنغصات الحياة.


التعليقات