[ شباب ثورة فبراير بعد عشرة أعوام من عمر ثورتهم ]
عقد أول ينقضي منذ انطلاق ثورة 11 فبراير الشعبية السلمية في اليمن، عقد شهدت سنواته تحوّلات جوهرية في الأوضاع شمالا وجنوبا ومر بإرهاصات حالت دون تحقيق أحلام الشباب الذين خرجوا من أجلها، فيما أصبح غالبية رموز الثورة مختطفين أو ملاحقين أو على رصيف المنفى.
كانت ثورة فبراير بمثابة طوق نجاة وحُلم لكل الشباب اليمني الثائر الطامح بالتغيير، وبداية الضوء الذي يشق طريقه في العتمة وقبس من نور يُضئ منعطفات المستقبل المُغيب والمُصادر لدى نظام مستبد جثم على صدور اليمنيين 33 عاما.
في الحادي عشر من فبراير 2011 خرج اليمنيون في أكثر من 40 ساحة على امتداد 18 مدينة، على أمل لرسم طريق معالم المستقبل للأجيال القادمة ولتحرير العقل من التبعية وتشكيل وعي ثوري جديد.
كانت فبراير الحلم الأخير لكل شرائح المجتمع في المدن والأرياف اليمنية الذين عانوا من ويلات الفساد والحكم البوليسي والإقطاعي المُحتكَر في أسرة واحدة خلال أكثر من ثلاثة عقود مضت.
خرج الشباب، وهتفوا من أجل دولة مدنية، تؤمن بالمواطنة المتساوية لكل أبناء اليمن، وتوفر لهم الدواء، والتعليم، والأمن، وفرص العمل، لكن الدور الإقليمي والمحلي هو من تحكّم في النهاية بمخرجات الثورة.
إسقاط مشروع التوريث
وعلى إثر ذلك، استطاع شباب ثورة اليمن إسقاط صالح، الذي تربّع على حُكم اليمن أكثر من 33 عاماً، عبر مبادرة خليجية نقلت الحُكم إلى نائبه الرئيس الحالي، عبد ربه منصور هادي، وشكلت حكومة "وفاق" وطنية.
لكن صالح أطلق ثورة مضادة عقب عزله، وظل يعرقل سير العملية السياسية، قبل أن يتحالف مع الحوثيين الذين انقلبوا على حُكم هادي، وسيطروا على العاصمة صنعاء، في سبتمبر 2014، قبل أن ينقضوا تحالفهم مع صالح ويغتالوه، في 2017.
مستقبل غامض
يبدو مستقبل ثورة 11 فبراير في اليمن غامضاً، في ظل التجاذبات الإقليمية الحالية التي تمر بها اليمن والمنطقة وظهور كثير من القوى داخل البلاد، ومنح صالح الحصانة وانقلاب مليشيا الحوثي في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، واندلاع الحرب فيها وتدخل التحالف العربي في مارس/آذار 2015 ودعم المليشيات الانفصالية في الجنوب والتي غيَّرت خارطة التحالفات.
إرهاصات كثيرة مرت بها ثورة فبراير حالت دون تحقيق أهدافها ولا يزال رموز الثورة وناشطوها ملاحقين على رصيف المنفى ويدفعون الثمن بعد تكالب قوى الثورات المضادة للربيع العربي.
رغم ما يعتبره البعض 10 سنوات عجاف عاشها اليمن منذ اندلاع الثورة، إلا أن الشباب ما زال يؤمن بتحقيق أهداف ثورتهم، رغم كل التحديات والتجاذبات الإقليمية التي تمر بها البلاد، والمنطقة بشكل عام، فالشعب -بنظرهم- هو الحاكم، وهو من يمتلك القول الفصل، ومن يقرر مصيره، لكن البعض ينظر أن تحقيق أحلام الدولة المدنية التي هتفت لها حناجر المحتجين في الميادين كافة أصبحت بعيدة المنال، بعد أن قذفت الحرب باليمن عدة عقود إلى الخلف.
كان الهدف الرئيسي لقوى الثورة المضادة، هم شباب ثورة فبراير الذي تعرضوا لأشد التنكيل والقتل على امتداد الجبهات، ومن نجا منهم فهو على رصيف المنفى.
تركة المخلوع والاحتلال
وفي السياق أكدت الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان مواصلة المشوار في النضال حتى تحقيق النصر لأهداف ثورة 11 فبراير.
وقالت كرمان في خطاب لها بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة إن "ثورة فبراير تعني الكرامة وسنواصل الكفاح حتى إعلاء راية اليمن حرة خفاقة، وشعبنا لن يرضخ للمليشيات الطائفية والوصاية الخارجية وسينتصر عليها".
وتابعت "لقد واجهنا نظام الغلبة والاستبداد العائلي وسنواجه تركته وسنواجه الانقلاب الحوثي السلالي ومعه الاحتلال السعودي الإماراتي، والهيمنة السعودية الإماراتية وأدواتها تستهدف حلمنا وثورتنا وبلادنا".
وأردفت الناشطة اليمنية بالقول "ثورة فبراير تسامحت مع المخلوع لكنه اختار الانتقام من شعبه بجلب مليشيا طائفية، وما نواجهه اليوم بعد سقوط نظام المخلوع هو حصاده وتركته التي أورثها للشعب". واستطردت "كما أسقطنا المخلوع ونظامه سنواجه إرثه مهما كانت التضحيات والمعاناة، وثورة فبراير هي مشروعنا الكبير لمستقبل اليمن وسنصل مهما كانت الصعاب".
من جانبه يرى الكاتب والناشط السياسي محمد المياحي أن ثورة فبراير لا زالت مستمرة وأن شبابها لا يزالوا يقفون لحراسة مستقبلهم.
وقال المياحي في حديثه لـ"الموقع بوست" إن من أهم قيم ثورة فبرير أن أنهت نظام المخلوع صالح إلى الأبد وقطعت حلم التوريث إلى الأبد، وما تزال فبراير وشبابها يقفون لحراسة مستقبلهم، ولا يمكن تأسيس أي نظام مستقبلا بمعزل عن القيم التي بشرت بها فبراير".
وأشار إلى أنه "حتى خصوم الثورة باتوا مسكونين بقيمها بشكل لا شعوري، قيم الحرية والعدالة والتنوع الخلاق، دولة ترعى الخير العام وتصون الحقوق والحريات وتضمن التنافس الحر للجميع".
تيه وشتات
وليد العماري القيادي والناشط في الثورة هو الآخر يرى أن شباب فبراير لا زالوا متمسكين بأهداف ومبادئ الثورة في مواجهة الخذلان الداخلي، المتمثل في خنوع القوى السياسية، التي لطالما كان يحسبها قوى وطنية، كما أن شباب فبراير هم خط الدفاع في وجه المشاريع القادمة من خارج الحدود.
وقال العماري في تصريح لـ"الموقع بوست": "كما كان لشباب فبراير شرف البداية، فإن عليهم اليوم جميعا أن يتحملوا مسؤولية مواجهة كل مشاريع الثورات المضادة، والتمسك بقيم ثورة فبراير مهما كانت التبعات".
يشير العماري في معرض رده على سؤال: كيف عملت أطراف الصراع على إقصاء شباب الثورة، وملاحقة رموزها، ووأد أحلامهم؟ وكيف أصبحوا على رصيف المنفى؟ إلى أن شباب فبراير منذ اليوم الأول لانقلاب الحوثي كانوا هم الهدف لشركاء الانقلاب وامتلأت بهم السجون والمعتقلات والمقابر.
ولفت إلى أن شباب فبراير كانوا ولا يزالون المقاوم الأول، والمدافع الأكبر عن الجمهورية، والدولة اليمنية على ما يلاقونه من خذلان، واستهداف، وتشويه، وإقصاء.
ودعا العماري اليمنيين إلى عدم الاستسلام للمنافي، وقال: "كما أن لكل مجد ثمنا، علينا أن نحسن دفع الثمن الذي يليق بمجد ثورتنا، مهما كان غالياً، وألاّ نستسلم للمنافي".
وأضاف: "إذا كنا اليوم نعاني بعض التيه والشتات نتيجة الثقة المفرطة في القوى السياسية، وبعض شركاء النضال، فعلينا أن نلملم شتاتنا، ونعيد النظر في تحالفاتنا، وألاّ نسمح لليأس أن يتسلل إلى نفوسنا".