النار في تهامة أيها الحمقى
الخميس, 27 أكتوبر, 2016 - 07:32 مساءً

تهامة سلة اليمن الغذائية تعاني من الظلم والفقر والظلمات، تعاني من المجاعة وفيها السهل الزارع، والوادي الخصيب، والبحر الزاخر بكل أسماك الدنيا، والميناء الذي تدخل منه كل أقوات اليمن وكمالياتها. تهامة تعاني ظلم الحكام وجورهم منذ عقود، وتعاني الظلام منذ قرون؛ ومنها تمر أسلاك الكهرباء تتسلق الجبال إلى السفوح.
 
تعاني المرض وفيها أسواق للعسل ومشتقاته، وعنبر البحر ومحلولاته، وفاكهة المانجو وألوانه، عانت من الجهل التاريخي وفيها زبيد حاضرة الدنيا، وعاصمة العلم والعلماء، والشعر والشعراء، والأدب والأدباء، والسلم والسلام.
 
فيها قبيلة الزرانيق من أكبر قبائل اليمن يبلغ عدد أفرادها 100 الف نسمة، وتنقسم إلى قسمين: زرانيق الشام – أي الشمالية من موطن القبيلة -، وزرانيق اليمن، إلا أنها لم تنل ما نالت قبائل طوق العاصمة من نصيب في الثروة والسلطة والنفوذ؛ بل تعمّدت الأنظمة الحاكمة تهميشها وتغييبها؛ على إثر خلفيات مذهبية وطائفية، وتصفية مشايخها وعقالها، وسحق أبنائها؛ لأنها لم تكن يوماً جيشاً، أو عكفةً للإمامة.
 
زرانيق التهايم ليسوا ضعافاً ولا خانعين، تمردوا على الإنجليز والعثمانيين، قاتلوا الإمامة في أربعينيات القرن الماضي، والناس كانوا يغطّون في ليلهم البهيم، نفضوا عنهم غبار الظلم، وتمردوا وخاضوا المعارك ضد الهابطين من الجبال قروداً ولصوصاً؛ سنةٌ ونصف من المعارك والقتال حتى أضنت سيوفهم ورماحهم وبنادقهم، وأرهقت أمير الجيش (أحمد يحي حميدالدين) وعُكفته وزبانيته في عهد أبيه، وهجر النوم عينيه جرّاها فقال:
 
ألا يا صاح إن (الجاح) قد أضنى *** فؤادي وابتلى جفني بأنواع السهادِ
 
(الجاح) هي منطقة في التهايم أهلها الزرانيق وغيرهم، ليسوا جبناء ولا خانعين، ولا هواة حرب للسطو والنهب والإخافة. قادة حرب من أجل الشرف والوطن والكرامة، غُيِّبَ كفاحها ونضالها في الأحداث الوطنية، والخطوب ودواهي الدهر العظام. إلا أنهم لا يملكون قناة فضائية تُشِهرُ مجدهم ،وتبرز بطولاهم، ولم يملكوا دار كتاب أو نشرٍ يوثّق تاريخهم المليء بالوقائع.
 
 لم يصطفوا مع الظلم يوماً، أويساهموا في إخماد ثورة، أو حركة وطنية قام بها المظلومون والجوعى ضد عصابات الحكم. عبر تاريخهم البعيد لم يتحدث عن نضالاتهم وشهداءهم في ثورات اليمن أحد، يؤدون الواجب تجاه الوطن ثم يعودون إلى بيوتهم فارغةً أيديهم، خاويةً بطونهم؛ بصبرٍ جميل وشكرٍ جزيل.
 
 يربطون على بطونهم ولا يمدون أيديهم إلى جار قريب أو صديق بعيد، كما تفعل قبائل الطوق التي يتباهى بعض المشايخ فيها بالعمالة لدول الخليج، وإيران، وللشياطين قاطبة علناً وعلى شاشات التلفزة،  قاتل التهاميون وتمردوا على الطغاة ولكنهم بعد أن تكالب عليهم الناس كُسروا؛ وحينها أعملت الملكية سيفها في رقابهم، وتلا الملكيةَ لصوص الثورة فحذو حذوها؛ فانتهبوا الأراضي والخبوت والسواحل؛ بحجة أنها أملاك دولة، وإن صح ذلك فمن أعطى هوامير السلطة وجلّاديها، وعصابات الأراضي الحق في ذلك دون أبنائها.
 
أين التهايم علماً وفناً وشعراً وعمارةً، وحباً وهوىً؟ أين التهايم - والأشعريون منهم رضي الله عنهم - حين كانوا يجمعون ما لديهم حين يجوعون، ويقتسمونه بينهم بالسوية في عهد النبوة؛ نظام في التكافل الاجتماعي قبل أن تصاغ القوانين، وتمتلئ الرفوف بأحكامها؛ فاستحقوا به أن يقول فيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم:"فهم مني وأنا منهم" كما في البخاري.
 
التهايم تموت يا لصوص العصر، ويا جائحة الزمان ومرضه المعدي، وفيروسه القاتل الخبيث، التهايم تعاني يا(بارونات) الحروب، ومزهقي الأرواح، يا قرود الهضاب ووحوش الأدغال. ولم تكن صور المجاعة في تهامة، والتي ينشرها الناشطون اليوم صناعة الحرب الحديثة؛ بل قديمة قدم الطغاة الفاسدين.

واطائر امغرب ذي وجه *** سن امتهايم قلبي ضناه أم عذاب
سقم وشاتسائلك واخو امطيور*** امحمايم شيّب وعاده شباب
 

التعليقات