هذه ايران فمن نحن؟
الجمعة, 23 ديسمبر, 2016 - 04:57 صباحاً

في العام 2001م كان أول معرفة لي بشبكة الانترنت، واستخدامي لها في العاصمة صنعاء، وكنت حينها على أبواب الجامعة بعد سنتين متواصلتين قضيتهما كطالب جندي في الخدمة العسكرية الإلزامية بأحد ألوية أمانة العاصمة.
 
وكأي مستخدم جديد لهذه الشبكة تصفحت العديد من المواضيع، وغصتُ في تفاصيلها، خاصة تلك المتعلقة بالجوانب الفكرية والسياسية ذات الاهتمام بالنسبة لطالب يبحث عن موطئ قدم فيما يسمى الآن المستقبل.
 
قادتني عملية بحث عشوائية متتابعة الى موقع مركز دراسات وبحوث ايراني في طهران، وأثناء التصفح ظهرت لي رسالة تطلب مني ملء بياناتها للتواصل، فكتبت البيانات كاملة بما في ذلك صندوق البريد، وكان ذلك من باب الفضول لا أكثر.
 
حينها كنت أعمل كمتعاون في احدى المؤسسات الخاصة، وفوجئت بعد اسبوع برسالة مغلفة تصلني من مندوب تلك المؤسسة وردت الى صندوق البريد تحمل إسمي، استغربتُ من تلك الرسالة والمرسل، وعندما فتحتها اكتشفت انها من المركز الايراني الذي تصفحته في الانترنت، وتحوي على خطاب، وكتاب واستمارة جديدة مرفقة بهما.
 
صدمتُ من تلك الاستجابة السريعة في مراسلتي، بينما كان الأمر مني مجرد فضول من هاو يشعر بتفوقه على كثير من أقرانه في الوصول المبكر لشبكة الإنترنت .
 
كان الخطاب عبارة عن كلمات شكر وامتداح على مراسلتي لهم، وتضمن طلباً بقراءة الكتاب المرفق، وتعبئة الاستمارة المرفقة، وإعادة ارسالها على عنوان بريد ذُيل في نهاية الرسالة.
 
بالنسبة للكتاب فلم أعد استطع تذكر اسمه او مصيره، لكنه كان عبارة عن مناظرة بين عالم سني وآخر شيعي، وكل واحد منهما اجتهد في إظهار عيوب الطرف الآخر، من خلال جملة من المعلومات والادلة والنظريات، التي يسعى كل طرف لإثبات أنه صاحب الحقيقة.
 
كانت الاستمارة تستطلع قناعتك بعد قراءة الكتاب، ومعرفة الى أي فريق انت تنتمي، وكان الغرض من تعبئة الإستمارة  هو تقييمك من قبل ذلك المركز الذي بعث بها، وهل أنت قريب من توجههم أم بعيد.
 
في ختام تلك الإستمارة يُطلب منك ابداء الرغبة اذا كنت تحتاج لمزيد من تلك الكتب، وفي حال رغبتك توضح الإستمارة بأنه يتعين عليك إدخال عنوان منزلك، وسيتم إحالتك وتعريفك بأقرب شخص لك في نفس المنطقة، لإعطائك المزيد من تلك الكتب.
 
شعرت حينها بالخوف، واشمأزت نفسي من الطرح الذي قدمه العالم الشيعي، و كانت أفكار العالم السني هي الأقرب لفهمي ومعرفتي بالشيعة والتشيع، فقد كانت اولى معرفتي بهم عن طريق شريط كاسيت، وهو عبارة عن محاضرة للشيخ السعودي عبدالوهاب الطريري أهداني إياه احد الزملاء.
ظلت هذه الحادثة في أذني ولم أعلم بها أحد، وعندما أندلعت الحرب الأولى بصعدة بين الجيش والمتمردين الحوثيين أدركت أن للأمر علاقة بما جرى معي، وأن لإيران عملاء وأتباع وأشياع داخل اليمن وبالذات في العاصمة صنعاء.
 
ولكن هذه القناعة كانت مشوشة، بسبب أن هذا النوع من الولاء لإيران لم يكن قد اتضح بعد، حتى جاء انقلابهم البغيض على الشرعية في اليمن أواخر العام 2014م، ليرسخ تلك القناعة، وتصرح إيران بنفسها بأن صنعاء صارت العاصمة الرابعة عربيا في معسكرها.
 
أتذكر هذا الآن بقناعات تبدو مختلفة عن يوم وقوع هذه الحادثة، وأتساءل في نفسي عن النفس الطويل لإيران في العمل البعيد، وكيف أنها تسعى لتطويق خصومها، وخدمة اهدافها، ونشر أفكارها بمختلف الوسائل والسبل، بل اسأل نفسي كم شخصا سقط في ذلك الإستقطاب، ومن هم القائمين المنظمين لعملية الارتباط لإيران في اليمن حينذاك.
 
اما الغبن الأكثر فكان عندما ألتفت للمحيط من حولي داخل اليمن، او في على مستوى الإقليم، و نحن نتقاعس عن بعضنا، ونغرق في تفاصيل جزئية، ونبني آلف جدار يحول بين بعضنا البعض، ونحن نحمل هماً واحداً، ويحيط بنا عدواً واحداً.
 
للتذكير هنا فالشيعة أحرص بكثير على التواصل بينهم حول العالم، من السنة رغم العدد الكبير للسنة، والفارق المادي والجغرافي.
 
غير أن هذا التواصل انتقل من مفهوم المناصرة المذهبية القائمة على المشاعر المشتركة لأتباع الشيعة كمذهب واحد حول العالم، الى اتخاذه شكل من اشكال الجماعة المحاربة الساعية الى تدمير محيطها بحجة قتل الاعداء، وهو ما أحيته الخمينية التي اقتطعت لنفسها دولة إيران، وجعلت منها مركزا لتصدير النار والعنف والفوضى.
 
وللعلم فالتواصل الشيعي باليمن، ليس وليد دولة الخميني، بل يتعداها الى أبعد من ذلك، فحين تولى الامام محمد بن يحي (والد الامام يحي) حكم اليمن في العام الهجري (1307هـ) راسلته الطائفة الشيعية في العراق، وهنأته بصعوده للحكم وتوليه الإمامة، وأرسلت له قصيدة استعرضت فيها جوانب العلاقة والتطابق بين الطائفتين.
 
وكان واضحا في القصيدة الاتصال الطائفي المنطلق من واحدية الشيعة العابرة للجغرافيا، وجاء في القصيدة التي نشرها المؤرخ زبارة في كتابه نزهة النظر في رجال القرن الرابع عشر، وهو يستعرض سيرة الامام محمد بن يحي:
 مُر وانه واحكم فأنت اليوم ممتثل
والأمر أمرك لا ما تأمر الدول
الدولة اليوم في أبناء فاطمة
بشرى فقد رجعت أيامنا الأول
محمد اليوم قد أحيى بني حسن
كأنهم قط ما ماتوا ولا قتلوا
هذا الخطاب المبارِك لتولي الإمام محمد بن يحي قبل قرن من الزمان، هو ذاته الذي بارك صعود الحركة الحوثية الآن، ولا يخجل من دعمها، أو التصريح في ذلك، حتى لو كان متصادماً مع قناعات الملايين من اليمنيين في الوقت الراهن، مع فارق أن الأول باركها بقصيدة، بينما باركها الثاني بآلاف القطع العسكرية والفكر الخميني المتعفن والمليشيا الارهابية القاتلة.
 
ولايقف الامر عند هذا الحد، بل إن بعض الكوادر التي عملت في اليمن وتنتمي للجنسية اللبنانية او العراقية او السورية تخرجت من مدرسة الشيعة الطائفية في بلدانها، وقدمت لليمن تحت غطاء العمل الانساني او قطاع الأعمال، بينما هي مرتبطة بالتنظيم السياسي العام للشيعة حول العالم.
 
واذكر هنا أن أحد الموظفين في شركة إم تي إن ويحمل الجنسية اللبنانية، كان يعترض على بعض الأخبار التي كنا نرسلها عبر خدمة ناس موبايل الإخبارية (SMS)، وتتناول الرئيس السوري بشار الأسد، خاصة عندما كان يرفق بإسمه صفة المجرم، واحتج ذلك الموظف أكثر من مرة على هذا التوصيف، وطلب التوقف عن نشر مثل هذه الأخبار.
 
واليوم يتضح أن مثل هذا الموظف وغيره الكثيرون يعملون في إطار إيران وأتباعها من الحركات كحزب الله في لبنان وغيرهم في اليمن لخدمة ذراعهم العسكري والسياسي المعروف بجماعة الحوثي.
 
تلك كانت مقتطفات من ذاكرة قريبة عن الاحداث في اليمن، واعتقد أن لذوي الخبر والشأن تفاصيل كثيرة عن العلاقة المشبوهة لإيران في اليمن، وخفايا تدخلها، والاساليب التي انتهجتها طهران تجاه تمزيق اليمن، وإضرامها للنار في ارجاء هذا البلد.
 
ثقافة الكراهية والعنف التي تشجعها ايران وتنشرها حول العالم هي جزء اساسي من فكر المدرسة الخمينية وتطرفها المتوهج، الذي تسعى لتكريسه لدى الداخل في ايران، او تصديره للخارج، سواء رغبة في التسيد ونشر مذهبها، او من خلال اقناع اتباعها انها مستهدفة ممن تعتبرهم اعداء في محيطها وينبغي محاربتهم واجتثاثهم.
 
 ففي ايران انتشرت مؤخراً، أغنية مرخّصة من وزارة الإرشاد، للمطرب الإيراني بهزاد باكس، عنوانها «أقتل عربياً»، يخاطب فيها ملك الفرس القديم، قورش، الذي احتل بابل والعراق قديماً، والذي أصبح رمزاً للقومية الفارسية المحتقنة، يقول في جزءٍ منها: «انهض يا قورش، فقد بلغ الأمر بنا، ليتم تهديدنا من قبل العرب».
 
وليس قورش اليوم سوى الشخصيات الايرانية التي تتجول في العواصم العربية الان كقاسم سليماني وغيره، او اذنابها داخل البلدان العربية كعبدالملك الحوثي في اليمن، ونصر الله في لبنان وغيرهم.
 
هذه هي إيران، وهذا هو سلوكها الذي لم يعد خافياً على احد الآن، فمن هم نحن؟ وماذا أعددنا لها؟
 

التعليقات