هائل سلام

هائل سلام

هائل سلام محامي وناشط حقوقي

كل الكتابات
الحق في المحاكمة العادلة
الأحد, 16 أبريل, 2017 - 12:28 صباحاً

الحق في المحاكمة العادلة من الحقوق الأساسية للإنسان، وهناك جملة من الشروط التي يتوجب توافرها لضمان المحاكمة العادلة بهدف حماية حقوق الناس من لحظة القبض عليهم وأثناء إحتجازهم قبل تقديمهم للمحاكمة، وأثناء المحاكمة، إبتدائيا، إستئنافيا، ونقضا.
 
وإنتهاك الحق في المحاكمة العادلة، يثير القلق خصوصا مع تنامي وجود قضايا تؤكد أن هناك ضحايا كثر حرموا - ويحرمون - بشكل أو بآخر من هذا الحق، وأن هناك من أدينوا - ويدانوا - عسفا وظلما بسبب عدم توفر أدنى شروط المحاكمات العادلة.
 
فما المقصود بالمحاكمة العادلة؟!
 
بدءا، لا يمكن الحديث عن محاكمة عادلة يشهد لها بالعدل والإنصاف، إلا إذا توفر فيها، ولها، الآتي :
 
- أولا: الإلتزام بإجراء المحاكمة، إبتداء وإنتهاء، وفق معايير المحاكمات العادلة المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
 
ثانيا : ضرورة أن تكون السلطة القضائية سلطة مستقلة ومحايدة، ولاسلطان عليها لغير القانون.
 
وطبقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان فإن لكل إنسان الحق في المحاكمة العادلة، حيث تنص مادته العاشرة على مانصه :
 
" لكل إنسان - على قدم المساواة التامة مع الآخرين - الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرا منصفا وعلنيا، للفصل في حقوقه وإلتزاماته في أية تهمة جزائية توجه إليه".
 
ووفقا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يعتبر الحق في المحاكمة العادلة معيارا من معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يهدف إلى حماية الأفراد من المساس بحقوقهم أوالإنتقاص أوالحرمان منها. إذ تنص المادة 14 من هدا العهد على مالفظه :
 
" من حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف و علني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية ومنشأة بحكم القانون ".
 
وبالمجمل، ووفق المواثيق والعهود الدولية ذات الصلة، هناك عددا من المعاييرالإلزامية بغية مقاربة تحقيق محاكمة عادلة، ويمكن إجمالها بالآتي :
 
- الحق في عدم التعرض للقبض أو الإعتقال التعسفي بأي شكل من الأشكال، وفي أي وضع من الأوضاع، فلا يجوز مطلقا حرمان أحد من حريته إلا للأسباب ووفق الشروط وبالكيفية التي ينص عليها القانون. والتعسف لايقتصر على التصرفات المخالفة للقانون فحسب، بل يمتد ليشمل عدم اللياقة والجور والعسف والظلم وعنصرالمفاجأة، وكل مايمس الكرامة الإنسانية على أي نحو.
 
- الحق في الإبلاغ بالحقوق: بأن لكل شخص الحق في الإطلاع على ما له من حقوق تتعلق بالحماية والدفاع وصون الكرامة وضمان الحصول على العدالة والإنصاف.
 
(حسب المادة 13 من مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بحماية الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الإعتقال أو الإحتجاز، على السلطة المسؤولة عن إلقاء القبض أو الإعتقال أن تقوم بتزويد الشخص المقبوض عليه بكافة المعلومات اللازمة لتعريفه بحقوقه مع تفسيرها وتوضيح كيفية إستعمالها).
 
- الحق في توكيل محام: فمن حق المعتقل توكيل محام للدفاع عنه في جميع مراحل القبض والتحقيق والمحاكمة.
 
( تنص المادتان 10 و 17 من مجموعة مبادئ الأمم المتحدة على أن من حق المعتقل الإستعانة بمحام فورا، وبأي حال خلال مهلة لا تزيد عن 48 ساعة من ساعة إلقاء القبض عليه. و أن من حقه التشاور مع محاميه على غير مرأى ومسمع من أي أحد، وعلى سريان هذا الحق مند لحظة إلقاء القبض و أثناء فترة الإحتجاز والتحقيق والمحاكمة).
 
- الحق في إبلاغ أسرة المتهم بالقبض عليه: وهدا ما نصت عليه القاعدة 92 من القواعد النموذجية لمعاملة السجناء. اذ من حق المعتقل أن يقوم فورا بإبلاغ أسرته بخبر إعتقاله مع منحه كل التسهيلات المعقولة للإتصال بعائلته.
 
- الحق في التحقيق في مزاعم التعذيب : إذ أن المادة 13من الإتفاقية الخاصة بمناهضة التعذيب تنص على أن على السلطات أن تضمن إجراء التحقيقات المحايدة على وجه السرعة في كافة مزاعم وإدعاءات التعذيب. وأكدت لجنة حقوق الإنسان على ضرورة تولي السلطات، على وجه السرعة وبروح الحياد، التحقيق في كل شكوى حول حصول تعذيب.
 
- عدم الإحتجاج بالأقوال والتصريحات و الإعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب و عدم الإستناد إليها كإدلة إثبات وإدانة قبل المتهم.
( نصت المادة 12 من إعلان مناهضة التعذيب على أنه اذا تبث أن بيان ما، كان نتيجة للتعذيب أولغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاانسانية المهينة، فلا يجوز إتخاذ دلك البيان دليلا ضد الشخص المعني أو ضد شخص آخر في أية دعوى كانت).
 
- الحق في إفتراض البراءة : ذلك أن الأصل في الإنسان البراءة، والمتهم بريئ حتى تثبت إدانته بحكم بات، مستوف لكافة طرق الطعن فيه.
 
بمعنى أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت إرتكابه لها قانونا، بمحاكمة علنية، تتوفر له فيها كل الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه.
 
(هدا الحق منصوص عليه ضمن مجموعة مبادئ الأمم المتحدة - المبدأ 36 - وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية - المادة 14-).
 
وعلى أن يكون إفتراض البراءة قائما ومستمرا منذ لحظة إلقاء القبض على الشخص المعني حتى يتم إثبات وتأكيد إدانته بحكم نهائي بات، بعد استنفاذ كافة مراحل الطعن في الحكم الصادر ضده.
 
مايعني أن عبئ إثبات الواقعة الجزائية على المتهم عند محاكمته يقع على عاتق سلطة الإدعاء العام.
 
(وعلى هذا، علقت لجنة حقوق الإنسان قائلة أن معنى إفتراض البراءة هو أن عبئ إثبات التهمة يقع على كاهل الإدعاء، وأن الشك يفسر لصالح المتهم، وبأنه لا يمكن افتراض أن المتهم مذنب، حتى يتم إثبات إدانته، بأدلة قطعية الثبوت، على نحو لاتحتمل معه أي درجة - معقولة - من الشك).
 
- الحق في سرعة أجراء المحاكمة العادلة : وهو ما نصت عليه المادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وحددت لجنة حقوق الإنسان درجة السرعة في " أيام معدودة ". وهذا لا يتعلق فقط بالوقت الذي بجب أن تبدأ فيه المحاكمة، بل يتعلق أيضا بالوقت الذي يجب أن تنتهي فيه وصدور الحكم (مراعاة لعدم إستمرار حبس المتهم على ذمة المحاكمة لمدة أطول مما تقتضيه المحاكمة العادلة).
 
- الحق في المساواة أمام القانون، بإعتبار أن كل الناس متساوون أمام القانون دون تمييز على أي أساس، فلايجوز محاكمة شخص بصورة إستثنائية مخالفة لأصول المحاكمات الجزائية الواجب إتباعها بالنسبة لعامة الناس.
 
- الحق في علانية المحاكمة، وهو مبدأ أصيل من مبادئ المحاكمات العادلة، يكفل توفر رقابة معقولة من قبل الصحافة والإعلام والرأي العام، على مجريات وإجراءات المحاكمات وعدم إنتهاك حقوق المتهمين في المحاكمات العادلة.
 
- الحق في معاملة وأوضاع إحتجاز إنسانية : (تنص المادة 10 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية على أن كل من يقبض عليه يجب أن يعامل معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصيلة في الإنسان، بما يفرض توفير ظروف إحتجاز معقولة وإحترام حقوق الإحتجاز).
 
- إتاحة ما يكفي من الوقت والتسهيلات للدفاع، وإحترام حرية المتهم ومحاميه في الدفاع كحق مقدس لايجوز تجاوزه بأي حال(وهو ما نصت عليه المادة 14 من العهد الدولي سالف الذكر).
 
- الحق في مناقشة الشهود وكافة الأدلة الأخرى، فمن حق المتهم مناقشة شهود وأدلة الإتهام، بنفسه أو بواسطة محاميه، مع كفالة حق المتهم في تقديم شهود وأدلة نفي الإتهام، بنفس الشروط المطبقة في حالة شهود وأدلة الإدعاء (المادة14ذاتها، من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية).
 
- حظر تطبيق القانون بأثر رجعي إذ لا يجوز إدانة شخص بأي جريمة بسبب فعل أو إمتناع عن فعل لم يكن وقت إرتكابه يشكل جريمة بمقتضى القوانين الوطنية، كما لايجوز فرض عقوبة أشد من العقوبة التي نص عليها القانون وقت إرتكاب الفعل المكون للجريمة (المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).
 
- حق الطعن في الحكم الإبتدائي الصادر بالإدانة، إستئنافا ونقضا، إذ لكل متهم حق اللجوء إلى محكمة أعلى، لطلب إعادة النظر في أدانته وفي العقاب الذي حكم به عليه ضمان لتأكيد صحة الحكم وعدالته.
 
- الضمانات الخاصة في حالة الحكم بالإعدام :
 
وفقا لنص المادة 6 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية، لايجوز تطبيق عقوبة الإعدام إلا بمقتضى حكم نهائي، و من حق كل محكوم عليه بالإعدام أن يسعى للعفو عنه أو لتخفيف الحكم عليه، كما لا يجوز - وهذا هو الاهم - تقرير عقوبة الإعدام إلا حينما يكون ذنب الشخص المتهم قائما على دليل قاطع، واضح، ومقنع، على نحو لايعد معه أي مجال لتفسير آخر لوقائع الإتهام.
هذه الحقوق والمبادئ، وغيرها، ترتكز أساسا على مبدأ إستقلال القضاء الذي يمثل ضمانة جوهرية لمقاربة تحقيق المحاكمة العادلة.
 
فلا يمكن أن تتسم المحاكمة بالعدالة و الإنصاف ولن يعتبرها الناس منصفة إذا كان القضاة الذين يحاكمون ويصدرون الأحكام ويقررون العقوبات يفتقرون إلى الإستقلال و النزاهة والحياد، بحيث يتصفون بالبعدعن التحيز مهما كان الأمر، ومهما كان الظرف، ومهما كان الشخص المعني.
 
و معنى هدا أن القضاء يجب أن يتمتع وحده بسلطة الفصل في القضايا المحالة إليه، و يتوجب أن لا تتعرض الجهة القضائية المختصة - كأفراد أو كهيئة - لأي تدخل من أي نوع كان، و من أية جهة كانت.
 
مع وجوب تمتع القاضي/ أو القضاة بحرية الحكم في المسائل المعروضة عليه/م إستنادا إلى الحقائق الثابتة، بموجب القانون وبالكيفية المحددة فيه " مشروعية تحصيل الدليل" بعيدا عن أي تأثيرات أو تعليمات، سواء من طرف جهة من جهات السلطة التنفيذية أو حكومة ما، أو من قبل الأفراد، بصفتهم الشخصية أو الوظيفية.
 
أما حياد القاضي فمعناه أن على القاضي ألا يكون له رأي مسبق بشأن أية قضية معروضة عليه، وأن لا تكون له مصلحة في مآل أو نتيجة ماينتهي إليه من تقرير وتقدير، وألا يسلك سبيلا يترجح معه الميل الى مصلحة طرف على طرف آخر. وعلى أن تتاح له شروط العمل بعيدا عن أي تأثير من الهيئات الحاكمة وبعيدا عن وسائل الإغراء والضغط أو التهديد أيا كانت.
 
وإنتهاك أي حق من حقوق المحاكمة العادلة هذه، هو أمر يضر بالعدالة ذاتها - قيمة ومبدأ وممارسة - مايدفع الى خلق شعور عام مؤداه أنه مامن ملاذ يمكن اللجوء إليه طلبا للعدل والإنصاف.
 
والإلتزام بهذه المعايير والشروط هو الفارق المائز بين الدولة واللادولة، فبغير هذا الإلتزام يغدو الحكم بإعدام أي شخض، كمثال، إعداما لمعنى العدالة ذاتها، ولهذا فقد قيل - بحق - أن يفلت مجرم من العقاب أهون، ألف مرة، من أن يدان بريئ.
***
(الجدير بالذكر أن التشريعات الوطنية الحديثة، ومنها التشريعات اليمنية بطبيعة الحال، تبنت شروط ومعايير المحاكمة العادلة هذه من خلال مايعرف بنظام الإدخال).

* نقلا عن صفحة الكاتب 

التعليقات