ملكات و لسن "زنبيلات" !!
الإثنين, 24 أبريل, 2017 - 09:09 مساءً

وجدت المرأة اليمنية لتكون ملكة وعظيمة و واكلت اليها المهام الكبرى سياسياً واقتصادياً و اجتماعياً منذ ان وجد الانسان اليمني في الارض و بدأت
 
تظهر الممالك اليمنية الكبرى مثلها مثل الرجل تماماً  ولم تكن المرأة تابع او عورة او كائن مستنقص حتى عهود الائمة السوداء التي وصل فيها حال المرأة اليمنية الى مستويات مزرية و صادمة لم تشهدها عبر التاريخ  ..
 
و ورد في القرآن عن اعظم ملكة في الدنيا ملكت من القوة والسياسة والحكمة و الشورى و التدين الكثير ، قال تعالى :
 
(( فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين ، إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم )) .. سورة النمل
 
و لعل الكثير لم يعرف  عن الملكة ( لميس بنت نوف بن يريم ذي مرع )  وهي من اعظم ملكات حمير و ابنها الملك (افريقس بن ذي المنار ) الذي جاب الارض وحكم حتى افريقيا وبنى اول مدينه في تونس وسميت افريقا باسمه كما اورد ذلك القيل (نشوان بن سعيد الحميري ) في كتابه ( منتخبات شمس العلوم ) ص 57 و 96 وكتاب (الاكليل ) ل( الهمداني ) ص 3  ..
 
وذكر الملك (اسعد الكامل ) قصيدة اشار فيها الى الملكة لميس وبلقيس معاً مفتخراً بنسبة الى ملكات اليمن وعظيماتها اذ قال :
 
(( ولدتني من الملوك ملوك، كل قيل متوج صنديد،،ونساء متوجات ك "بلقيس" و"شمس"،،ومن "لميس" جدودي ))
 
لاحظوا استشهاد( أسعد)  هنا (( من لميس جدودي )) يدلل بعض الباحثين انها ملكة سبقت بلقيس ..
 
وعن الملكة ( شمس ) ذكر الهمداني انها ربما تكون اخت للملكة( بلقيس) حكمت بعدها وبعض روايات تقول ام بلقيس فيما اعتبر  باحثون اخرون ان ( شمس ) هي اخت للملكة ( لميس ).
 
وثمة ملكات ونساء يمنيات عظيمات اخريات كثر ذكرن في النقوش منهن ((  شوف السبئية ، وطريفة بنت الخير الحميرية ،و لميس بنت اسعد  ، وبرآت اورثد ايل ، وصفنات الابذلية ،و اب صدوق ،و أسليم )) ..
 
وإلى جانب الحياه السياسية والدينية تساوت المرأة اليمنية ايضا مع الرجل في الحياة الاقتصادية و عملت في التجارة وامتهنتها وبرعت فيها وملكت المال والقصور وشهدت ثراءاً لا يستهان به ..
 
و وفقاً للبروفيسور (سرجي برانتسوزوف -من معهد الدراسات الشرقية بسان بطروسبورغ -روسيا) :  فإنه كان  للمرأة مكانة عالية في المجال الاقتصادي لدى ممالك سبأ وحمير تأسست على الاستقلال الاقتصادي وفكر تجاري حر ومتقدم بالمقارنة مع حضارات وممالك اخرى ، واستشهد سيرجي على ذلك بنقش سبأي غير منشور اكتشفه العالم الاثاري المعروف (كريستيان روبان ) في نهم عام 1987  ينص على  (( حق المرأة التصرف بمالها الخاص ومزاولة التجارة او الاستثمار به دون الحاجة الى موافقة زوجها ..
وانه من حقها كذلك ان تساعد زوجها مالياً وفقاً لارادتها حسب الظروف )) ، وثمة نقش مماثل بهذا الخصوص اكتشفه (الفريد بيستون) ..
 
وفي و قت كانت الممالك القريبة من سبأ والقبائل تئد البنات وتقتلها حية خاصة فيما كان يسمى الحجاز وقريش ازدهرت  ممالك اليمن قاطبة بتكريم المرأة على النحو الذي ذكرنا سلفاً .
 
و وفقاً للباحث ( بيستون ) في كتابة المنشور عام 1981 المعنون ب ( الجذور العربية الجنوبية  ) فإن ((ثمة كتابة ونقوش ظهرت على شكل قوانين لدى الممالك السبئية تحرم قطعاً (وأد ) البنات ، وتعتبر ذلك جريمة كبرى يحاسب من يقدم عليها بقوة قد تصل العقو بة حد الاعدام)).
 
وبرزت القاب كثيرة للمرأة اليمنية لدى ممالك سبأ وحمير تكريماً و تعظيما لها مثل ( اكليلات ) و( قيلات ) و(كاهنات ) وقد وجدت هذه الالقاب  مدونة بالنقوش الى جانب الاضرحة ونقوش اخرى خاصة بحياة المرأة اليمنية القديمة ..
 
كما ان المرأة اليمنية كان لها الحرية في اختيار حبيبها وزوجها  ، وتحبذ فيه الى جانب مظهره الخارجي الرجولة والشهامة والشجاعة والقوة والفروسية ، فهي لا يستدعي اهتمامها الشخص الهين الكاذب الضعيف او من لديه سوابق بتهم وسمعة سيئة وكذا دميم الوجه ..
 
و منذ ان اتى الاسلام وقفت المرأة اليمنية  بكل عظمتها وشموخها الى جانب الرجل  مؤازرة ومناصرة للدين الحنيف ..
 
بل ويحسب للمرأة اليمنية انها اسلمت قبل مجيئ الاسلام بمئات السنين والتاريخ يدون للملكة( لميس بنت تبع) اسلامها ، و اكتشف في قبرها ابان عهد (الحجاج بن يوسف الثقفي )  نقشاً حميرياً  مدون عليه (( انا الملكة لميس بنت تبع ، واشهد أن لا اله الا الله ))..
 
توافق وقوف الاسلام مع حقوق المرأة كل قوانين واعراف ممالك دول اليمن القديمة بخصوص المرأة مع فارق ان الممالك ربما كانت اكثر انفتاحا فيما ربط الاسلام علاقة المرأة بالرجل ونظمها بمنظور ديني عن العرفي الذي كان في دول سبأ وحمير  مع الاشارة الى ان اليمنيين كان الكثير منهم اهل كتاب قبل مجيئ الاسلام ..
 
و بعد هذا المذخور النهضوي الكبير والفكر الهائل والمنفتح والراقي للتعامل مع المرأة اليمنية  ووضعها المشهود،،
 
شهد وضع المرأة في اليمن تدنياً مزريا وضعها في عزلة منذ ان قدم اليمن الهادي الرسي الذي ينسب نفسه ل(للرسول صلى الله عليه وسلم )  وكذا اتباعة (الطبريين ) القادمين من ايران حالياً ..
 
اذ اعتبروا المرأة اليمنية الحميرية القحطانية ادنى واذل بمقابل التقسيم العرقي السلالي الذي اعتبر نسائهم ( شريفات) فيما جعلوا اليمنيات ( قبيليات ، رعويات ، جزارات مزينات ، قشامات ، دوشانات ،اخدمات ) .. و وفقاً لهذا التقسيم الذي جعل المرأة  اليمنية ( زنبيلة ) مقابل ( قنديلة ) ، ومنع ( القنديل ) من الزواج ب(زنبيلة) والعكس ..،  استرخص من مكانة المرأة اليمنية الملكة على مدى العصور و استنقص من شأنها ، وتم بموجب هذا ضرب المجتمع اليمني في الصميم كون( المرأة نصف المجتمع )وبهذا الامر كان الاستهداف  لليمن هو الاكثر بشاعة منذ قدوم الائمة اليمن وحتى اليوم ..
 
ولم يصلنا من تاريخ دول الائمة عن امرأة قحطانية نبغت او كان لها شأن باستثناء (الشريفة زينب القاسم ) بنت الامام القاسم صاحب (الدولة القاسمية ) الملقبة ب(زينب الشهارية )  وكتب لها (الهاشميين ) سيرتها وعظموا من شأنها و اشاروا فيما ذكروا عنها
 
الى شجرتها السلالية التي يرجعونها الى ( الحسن بن علي بن ابي طالب ) كما ورد في كتاب ( نشر العرف ) للمؤلف (الهاشمي ) (العلامة ) محمد زبارة الى جانب سلالي اخر يدعى عبدالسلام الوجية ذكرها في كتابه ( اعلام من نساء اليمن ) ومفتخرين بقوة كونها ( قنديلة ) تنتمي للسلالة   ..
 
القحطانية المشهورة غزال المقدشية تعد من اشهر نساء اليمن لكن لم يصلنا من تاريخها ونتاجاتها الادبية سوي اليسير كونها من اسرة بسيطة في قرية (حورور ) من منطقة المقادشة بمحافظة ذمار ولا تنتمي الى السلالة البتة ، عاشت غزال في القرن التاسع الهجري وكانت داعية مساواه وهذا هو الامر الذي اعتقد انه كان السبب الثاني لاهمالها وتاريخها الادبي الحافل ، قالت غزال :
 
(( سوا سوا ياعباد الله متساوية، ما حد ولد حر والثاني ولد جارية، عيال تسعة وقالوا بعضنا بيت ناس وبعضنا بيت ثاني عينة ثانية))
 
فيما برز شأن كبير للمرأة اليمنية في الدول التي قامت نائية بنفسها عن حكم الائمة كالدولة الرسولية ..
 
يورد المؤلف والباحث عبدالله الحبيشي في كتابة ( حياة الادب في عصر بني رسول ) ان للمرأة كان ثمة شأن عظيم في عهد الدولة الرسولية التي قامت في تعز  ..
 
قال :  "  يكفي ان المرأة اليمنية في عهد الرسولين تقلدت الزعامة بأعلى مستوياتها .. ساست الرجال ، وتصدرت المحافل ، حتى ان قبيلة (المعازيب ) ولت عليها امرأة عرفت ب( بنت العواطف ) احلوها محل الشيخ ،،
 
- والمعازبة من اقوى واكبر قبائل تهامه -  فكانت تركب دابة او ناقة فتقود كل  الرجال المعازبة في المعارك ، وكان الملك الرسولي يجتمع بها ويكسوها كما يكسو مشائخ القبائل " ،
 
وذكر الحبيشي ان ثمة نساء مشهورات برزن  كذلك في حكم الدولة الرسولية مثل السلطانه او الملكة ( دار الشمسي بنت يوسف بن رسول  ) اخت الملك المظفر ..
 
كما أشار الحبيشي إلى الملكة  ( أم السلطان المجاهد الرسولي ) التي حكمت الدولة نحو عاماً وشهرين تقريباً إلى أن عاد ابنها السلطان الذي كان محتجزاً  في  مصر ليمسك بزمام الحكم من جديد .
 
وهو الملك الرسولي ذاته الذي نهض باالارض والانسان و اهتم بالعقل والعلوم والفنون المختلفه و عظم من شأن المرأة ..
 
وعاصر حكمه عهد الامام ( المضلل بالغمامة ) الذي حقد عليه وكرهه و أقام حروب كبيرة ضد الرسوليين انتهت بانتصار الملك المظفر اذ كفره الائمة واطلقوة عليه ( معاوية اليمن ،) نكاية وحقداً عليه وصنائعة الانسانية اليمانية الخالدة ضمنها تعظيمه للمرأة  ..
 
و لا ننسى ذكر الملكة اروى الصليحي صاحبة الدولة الصليحية ..
 
عاشت المرأة اليمنية تحت دول الائمة الزيدين شتى صنوف البؤس والاذلال و الخوف والرعب ..
ان لم تفجع بموت اطفالها من الموت والجوع والمرض، فهي تفجع باخذهم رهائن لدى الائمة ويذهبون دون عودة سوى بنعوش الموت  ، ولا تكتب الحياة لهم الا فيما ندر، وان لم يأخذوهم رهائن قد يتعرض ابيهم للسجن او للاختطاف في اي لحظة ليس كناشط سياسي وانما كرعوي منهك متهم بعدم دفع الضرائب الفادحة للائمة وعكفتهم ..
 
في كتابها ( كنت طبيبة في اليمن ) روت طبيبة الامام الفرنسية (كلودي فايان ) عن مشاهد يندى لها الجبين لاوضاع المرأة ابان العهد الامامي ..واستسهدت بموقف شهدته لامرأة مريضة فارقت الحياة امامها في المستشفى الجمهوري بتعز الذي ورثه الائمة من العثمانيين وذكرت فايان انها لم تستطع تقديم شيئ للمرأة لعدم وجود الامكانات وان الكثير كن بنفس المكان مريضات ينتظرن مصيرهن الحتمي ،،فيما اميرات القصر الامامي يعشن في الداخل حياة باذخة ومترفة .
 
وهنا يسجل تاريخ موحش واسود في فصول حياة المرأة اليمنية التي ملكت وسادت وانجبت الملوك الذين عمروا الارض وملكوا البلاد ولم تعد الدنيا بعدهم كما كانت بفضل المرأة اليمنية العظيمة وحنكتها وبسالتها وصبرها التاريخي المشهود .
 
 
 و منذ ان قامت ثورة 26 سبتمبر والمرأة تحاول وتنشط لان تجد لنفسها مكانا و تستعيد مجدها المسلوب  ، فيما ثمة مناشط عالمية متقدمة دعت منذ وقت مبكر الى مساواة المرأة بالرجل .
 
غير اننا نحن اليمنيون لدينا المرأة كالرجل منذ ان وجدت في الارض ولا فرق بينهما .
 
ولم تشهد المرأة انتكاسة واستنقاص في مستواها عبر التاريخ الا منذ مجيئ (الهادي الرسي) واتباعه القادمين من (طبرستان وديلم ايران ) الذين قدموا اليمن في العام 897 ميلادية واستمرت دولهم السلالية تحكم اليمن بالحديد والنار حتى العام 1962 .
 
فتعرضت المرأة اليمنية  لشتى صنوف الاستنقاص ..
 
 
واطلقوا مقولتهم المشهورة : ( ما شخت مره من طاقة ) ..
 
فيما نسائهم هن( الاميرات وهن الشريفات ) و لهن كل التبجيل و التعظيم لانهن من سلالة (النسب الشريف ) وما غيرهن هن ادنى  .
 
ثم اتى الحوثي الان ليصفهن ب( الداعشيات ) يقتل ابنائهن و يستحيي بيوتهن اذ يفجرها على رؤوسهن وصغارهن بالقذائف والصواريخ ، ويمعن فيهن التشريد والخوف والنزوح  ويمنع عنهن المساعدات في مناطق النزوح و مستحقاتهن في اماكن العمل ، ويفرض اجراءات متطرفة اذا خرجن مع احبائهن او ازواجهن ويتهمهن بالفجور في حالات عدة سجلت في اماكن سيطرته.
 
مؤخراً اصدرت منظمة الامم المتحدة للطفولة ( اليونيسيف ) تقريراً رسمياً بأن طفل يمني يموت كل عشر دقائق ..
 
وفي هذا الامر تتحمل حفيدة الملوك والملكات الام اليمنية الصدمة والكارثة الاكبر ويظل الاسى فيها مستدام على ابنائها واقاربها مدى الحياة ، بسبب الكوارث التي جلبها الائمة الجدد واحزنوا كل ام واخت وزوجة وابنة وجعلوا دمعوهن دماً ، وما يزالوا يفعلون .

*المقال خاص بـ "الموقع بوست".
 

التعليقات