نجيب غلاب

نجيب غلاب

رئيس مركز الجزيرة للدراسات

كل الكتابات
حزب الله والحوثية
الأحد, 28 فبراير, 2016 - 01:42 مساءً

خططت إيران ولاية الفقية على تحويل اليمن الى منطقة نفوذ لإدارة حروبها ضد دول مجلس التعاون الخليجي واستهداف المملكة العربية السعودية ومحاصرة مصر، ومن منتصف الثمانينيّات بدأت العمل الفعلي في الواقع، وبدأت في تشكيل شبكاتها.
 
مثل نمو قوة حزب الله في لبنان بداية لتوظيفه في الملف اليمني، ومع نهاية الثمانينيّات تمّ تشكيل الخلايا الأولية والتي ارتبطت عضويا بالولي الفقيه وتم مبايعة الخميني من بعض القيادات كإمام، وهذه النقلة كانت هي البداية، بعدها تواجد حزب الله، وكان له علاقة سابقة بصعدة لكنها ذات طابع مافوي فقد شكلت صعدة مركزا لمافيا الأسلحة والمخدرات قبل نمو الحوثية وتأسيس التنظيم.
 
بدأ حزب الله في دراسة الواقع اليمني ودراسة الجغرافيا السياسية والمذهبية والخلفية التاريخية وطبيعة النظام والقوى المؤثرة وتنامت هذه الدراسات في نصف الاول من التسعينيات.
 
وشكل خلية مختصة بالملف اليمني، وبدأت في بناء شبكات متعددة يمنية ولبنانية وعراقية، وكانت دمشق وبيروت مراكز لادارة الحلقات وتنظيم العمل ومروا بتجارب تنمية النفوذ وتمكنت منظومة يمنية ارتبطت بدولة الأئمة الهادوية من مساعدة الإيرانيين وحزب الله في تطوير منظورهم فيما يخص بناء المنظومة الكفيلة بالوصول الى الأهداف الى مآلها وهذه المنظومة ارتبط طموحها بالسيطرة الكاملة على منظومة الحكم بينما ارتكز هدف ايران بتوظيف اليمن في إدارة الحرب ضد العرب.
 
بعد الحرب الأهلية في ١٩٩٤م حسم امر بناء تنظيم متماسك وقوي يكون مركزه صعدة، وهنا بدأ العمل على بناء الأيدولوجيا انطلاقا مع البيئة الزيدية ببعدها المذهبي مع احداث تحول جذري في بنية المذهب لصالح ايدولوجيا تعبوية اسلاموية صارمة، ووضعت الخطوط العريضة لهذه الأيدولوجيا استنادا على الخمينية وقيم ومبادئ تصدير الثَّوْرَة، والتركيز على تدمير الوعي السائد في المذهب الزيدي وترسيخ مقولات الخمينية كبديل ثوري.
 
ركزت الأيدولوجيا على فكرة الولاية الدينية والسياسية الشاملة والمطلقة لآل البيت وعلى وجود سيد علم ملهم ومختار من الله يبعثه الله لتجديد الدين كله، وهذه العقيدة المحورية كان لها وظيفة وفق مخطط له، اولا اعادة تفسير التاريخ وفق المنظور التشيع الصفوي ونفي كل ماعداه والتعامل معه باعتباره مؤامرة يهودية ثم التأكيد ان الخيانة لدين الله سبب العرب وان السقيفة كانت بداية لهذه المؤامرة والتي استمرت وبلغت ذروتها في هذا العصر والتي تقودها امريكا وإسرائيل ثم تأتي النقلة الاكثر أهمية للملالي ان السعودية ودوّل الخليج وعملائهم كما يقولون في اليمن همٌ جميعهم التجسيد الأعلى للمؤامرة الصهيونية وهكذا أصبحت كل الأنظمة العربية شبطانية لانها لا تؤمن بالولاية وان تجسيدها الرباني في هذا العصر هي ايران الخميني، وتجسيدها في المنطقة العربية حزب الله، وان التنظيم الحوثي يمثل إرادة الله الناجزة لعودة الحق الى أهله وان وظيفته تحرير الأماكن المقدسة من عملاء الصهيونية ويتم خلال هذه التنظيرات ادانة العرب وتشويه صورتهم.
 
وتم بناء وتكوين ملازم حسين الحوثي وهي محاضرات تم بنائها وتكوينها من خلال جماعة حزب الله ولم يكن حسين الحوثي ومن معه الا تلاميذ لهم طموح ارتبط بعودة حكم الإئمة بالشكل الخميني وقد شكلت لهم التدخلات الإيرانية وخبرة حزب الله قوة مهمة ومع الوقت اندمجوا في منظورات تصدير الثَّوْرَة الإيرانية وأصبحوا جزء لا يتجزأ من تركيبتها.
 
 
استعلت المنظومة اليمنية التي شكلت الثَّوْرَة المضادة لجمهورية سبتمبر الصراعات اليمنية واخترقت المنظومات الحزبية كاليسار وكانت متواجدة في الدولة والأحزاب، وتمتلك خبرة ادارة التناقضات ولها خبرة في إدارة النزاعات والمصالح في دوائر التأثير، وما كان بالامكان توظيفها بطاقاتها الاكثر فاعلية لصالح التنظيم الجديد الذي تشكل داخلها من قبل حزب الله والخبراء الإيرانيين بفعل الاختلاف كيفية تدمير جمهورية الشعب وبعث دولة البطنيين، ولكنها في النهاية اقتنعت بعد مشاورات ان بناء التنظيم والعمل المباشر اكثر فائدة من ألعاب الحيل التي تعودوا عليها.
 
وهكذا تم توظيف قدراتهم لصالح الخلية الأمنية الإيرانية وبدأت الشبكات تتشكل وتتحرك في الشمال والجنوب وكانت هذا المنظومات تتحرك دون ان ينتبه لها أبناء اليمن وأحزابه وحتى الأجهزة اليمنية بل انه تم توظيف بعض هذه القوى كعامل إسناد وتسويق وتمكنت قلة من الانتباه لأفعال الثَّوْرَة المضادة لجمهورية الشعب، لكنهم حينها لم يكونوا على يقين بتدخلات ايران وحزب الله.
 
تكشفت الملفات ببطء مع الحرب الاولى في ٢٠٠٤م، وكانت هذه الحرب جزء لا يتجزأ من مخططات تصدير الثَّوْرَة الإيرانية ولم يتم تفجيرها الا وهناك منظومة مكتملة قادرة على العمل وتحويل الحرب الى مصدر حيوي لبعث قوة التنظيم وأذرعه وهي تعتمد على استراتيجيات الحروب اللامتماثلة وقد شكل حزب الله استراتيجية صناعة الحرب مستفيد من تجربته وكان الهدف تفجير الصراع الطائفي واضعاف الدولة وإنهاكها واحداث انقسام آحاد في الأوساط السياسية والاجتماعية وتفجير المجال التاريخي للزيدية واعادة بناء لحمة العصبية الهاشمية باتجاه التنظيم الحوثي واعادة بناء ولائها لصالح تصدير الثَّوْرَة الإيرانية.
 
خلال الحروب الست تزايدت قوة الحوثية بفعل التناقضات في المنظومة السياسية اليمنية وتقنيات الحروب اللامتماثلة التي أدارها حزب الله دون ان تكشف اوراقه بالكامل ناهيك انه تمكن من بناء علاقات مع رموز من النظام ومع شخصيات يمنية ولعب نظام دمشق دورا في هذه اللعبة كما شكلت خلايا عراقية دورا خطيرا في هذه الشبكات التي كانت تعمل بانتظام.
 
تشكلت أذرع عديدة لايران وحزب الله في اليمن تحت أغطية متنوعة ومثلت مصدر للحركة والاختراق والدعم والإسناد وهي اشبه بمنظومات امنية ممولة وبعضها يمول نفسه ذاتيا حتى التبرعات التي كانت تمنح لحزب الله من الدولة او منظومات كان يتم اعادة توظيفها في حروبهم ضد الدولة اليمنية.
 
اثناء انتفاضة ٢٠١١ تم ادخال الحوثية واذرعها المدنية الى بنية الثَّوْرَة واصبحت الحوثية حركة ثورية وهذا مثل نقلة نوعية لم يتخيلها راسمي خطوط استراتيجيات تصدير الثَّوْرَة الإيرانية، وأثناء الاحتجاجات وما بعدها تم تبييض الحوثية وتسويقها ونتيجة ضعف مؤسسات الدولة ونزاع اجنحة النظام تمكنت الحوثية من تقوية أذرعها العسكرية والأمنية والإعلامية والمالية وبدأت في تفجير طاقات الثَّوْرَة المضادة لثورة سبتمبر وجمهورية الشعب وشكلت عصبية قوية ووسعت من تحالفاتها واستغلت التناقضات الصفوية بين اطراف نظام صالح واشتغلت مع الكل ضد الكل ولم يكن الانقلاب الا الضربة القاصمة للملالي وحزب الله وبعدها مباشرة أعلنت صنعاء عاصمة تابعة لولي الفقيه.
 
ملف تصدير الثَّوْرَة الخمينية في اليمن يحتاج الى تفصيل وشرح وافي وهذه لمحة وفتح نافذة ليس الا.
 
نقلا عن صفحة الكاتب بالفيسبوك
 

التعليقات