حين طُرح موضوع قيام طيارين من دولة الإمارات العربية المتحدة بمشاركة طيارين إسرائيليين في التحليق في فضاء قطاع غزة الفلسطيني استنكر أعضاء «هيئة تحرير» صحيفتنا الأمر واعتبروه من جملة «الأخبار المزيفة» المهوّلة الكثيرة التي يقوم الناشطون المتعارضو الأهواء باختراعها للفت الانتباه، أو للحصول على الإثارة المطلوبة على مواقع التواصل الاجتماعي، فالسؤال العقلاني الذي يطرح نفسه بالتأكيد هو: ما مصلحة الإمارات في الزجّ بطياريها في هذا الأمر الشائن مع دولة يعتبرها مئات ملايين المسلمين والعرب عدوّا خطيراً محتلا لأراض عربية، وكيف تبرّر تورّط أعضاء من قواتها المسلّحة في الظهور بمظهر المتحالف مع هذا العدوّ ضد أبناء أمتهم من العرب الفلسطينيين؟
غير أن هذا الاستنكار المنطقي لإمكانية حصول الواقعة أخلى المجال بعد أيام قليلة، للأسف، لتقبّل إمكان حصولها، ومحاولة استيعاب أسبابها ومعانيها، بعد أن نقلت «مصادر فلسطينية مطلعة» لصحيفتنا أن وفدا إماراتيا يزور إسرائيل حالياً «لتعزيز التعاون الأمني بين البلدين»، وهو ما أعطى مصداقيّة أكبر لمزاعم الصحافي الإسرائيلي اليميني إيدي كوهين الذي وجد هدفا له في ضاحي خلفان، الرئيس السابق لشرطة دبيّ، ذي التغريدات السخيفة التي تمتدح الملوك والسلاطين والرؤساء، وتتخصص بالهجوم على «الإخوان» و«الربيع العربي»، وتبرّر أفعال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد المسلمين، وتدعو إسرائيل للانضمام للجامعة العربية الخ…
المصادر التي نقلت خبر الوفد الأمني كشفت اللثام عن موضوع الطيارين الإماراتيين مؤكدة أنهم شاركوا في طلعات وعمليات تحليق في سماء غزة كجزء من التدريب على مقاتلات «إف 35»، وإذا كان هذا لا يتّسق مع ادعاء كوهين مشاركة الطيارين الإماراتيين في الاعتداءات الجوية على الفلسطينيين، فإنه لا يقلّل في الحقيقة من جسامة الواقعة ومن دلالاتها الرمزية والسياسية المؤلمة.
وإذا كانت وقائع زيارات مسؤولي دول الخليج إلى إسرائيل، وبالعكس، صارت معروفة، وتصريحات وأفعال بعضهم واضحة في الانحياز لإسرائيل والتخلّي عن الفلسطينيين (بل والضغط المكثّف والعدوانيّ عليهم)، فإن إمكانية تحليق طياريهم مع طياري إسرائيل فوق سماء غزة المنكوبة والمحاصرة هو أمر (كان) خارج إمكانيات التصوّر والتصديق، فالتآمر على الفلسطينيين والضغط عليهم، والتحالف مع إسرائيل (ضد إيران)، يمكن فهمه أحيانا بمعادلات السياسة الإقليمية والدولية، لكنّ الوجود في مقعد الطيّار الإسرائيلي الناظر إلى الفلسطينيين كأهداف محتملة للقصف من الجو هو أمر يشعر من يسمع به بأحاسيس العار والخزي والخيانة، سواء كان إماراتيا أم فلسطينيا.
يبدو أن هناك نخبا في بعض الدول العربية تنظر إلى أمريكا وإسرائيل باعتبارهما مفتاحي السيطرة على المنطقة وشعوبها، وأن الولاء لهما (بل والمبالغة فيه) هو الفريضة التي تفوق كل الفرائض الدينية والوطنية والقومية.