حين يأتي العيد ، تأتي معه أشياء كثيرة ، من ضمنها الفرح أو الحزن والبهجة أو الشجن ،و اللحظات التي نكتنزها لتصبح قوتا لذكرياتنا القادمة ..
عندما كنا صغارا كان العيد بالنسبة لنا رجلا فاضلا ، يمشي على قدمين ، يظل الكبار من حولنا يصفون لنا خطة سيره الثقيلة على قلوبنا ، كان وصول العيد بالنسبة لنا نحن الإناث مرتبطا ارتباطا وثيقا بحمرة الحناء التي ستلتقي معه في بزوغ مشترك لكليهما على قلوبنا ..
الآن مازال العيد يأتي بذات الجعبة ، غير أن الحمولة اختلفت ، بل اختفت ! يأتي العيد بجعبة مثقوبة ، سقط منها كل شيء عدا الحزن والشجن ودموع الأيتام والثكالى والأمهات والفقراء وال و ال و ال ، كل شيء أصبح ثقيلا وموجعا ، حتى العيد ، العيد الذي أصبحت تنشب فيه الشجون كنار مجنونة ، العيد الذي لم يعد يأتي إلا لنعد فيه كم كنا ، وكم أصبحنا فقط ، نتحسس بعضنا كجسد تتحسس أعضاؤه بعضها البعض بتوجس وخوف شديدين .
آآآه ٍ أيها العيد !
لو علمت بأحمال هذه القلوب لما تجرأت على المجيء ، مع ذلك ندرك تماما ، أنه ليس من كرم الضيف أن تسأله : ما الذي جاء بك ؟ ونحن ذو شيم ٍ و كرم كما تعلم ، لذا لن نسألك ، ولكن كل رجائنا أن تعذر تقصيرنا ، أن تعذر فقرنا وعبوسنا ،أعذرنا حين تتجول في أزقتنا وشوارعنا ،وتجد القلوب غير آبهة بقول الآنسي : "مش وقت يا اخي عيد"! فلم يعد هناك وقت آخر ، وقد أصبح لنا وقتا واحدا نقف عليه ، وعلينا أن نعيشه بكل بؤس ، حتى وإن كان عيدا !!
لا تكترث أبدا وأنت تتجول بين ظاهر الأمر وباطنه ، فقد تظن لوهلة أنني مجرد متشائمة لا أكثر ، وأنه لا شيء مما ذكر ، وكل شيء على ما يرام ، فالحزينون والمعسرون مختبئون ، نعم مختبئون ولن تراهم ، يخبئون أحزانهم وفقرهم وحرمانهم ، ولا نية لهم لمقابلتك البتة ، حاول أن تجد لك أصدقاء بديلين ، ولا تقل لنا كما قال الآنسي أيضا : " خله لبعد العيد " فما بعد العيد كما قبله ، ولا جديد في أرضنا ، غير ما ستراه من دماء متجددة وفاقة وعجز ومرض.
حقا أنت ضيف الله على قلوبنا ، وحتما علينا أن نستقبلك بما لدينا ، فاغفر لنا ، سنستقبلك بعافية المتعافين منا، ونتبادل الحمد والشكر ، ورجاء الآملين بفرح يبدد عنا كل ما عشناه ونعيشه كل يوم مما لا يتسع المقام لذكره.