كارثة كبرى أخرى تحل على اليمنيين، و تسوق من لم تقتله نيران الحرب منهم طوال الأربع سنوات من مقاومة الانقلاب الحوثي نحو الموت جوعا على مرأى ومسمع دول الخليج و تحالفها و المجتمع الدولي.
نعم هي كارثة كبرى، فانهيار ما تبقى من هيكل اقتصاد الدولة اليمنية المغتصبة بالانقلاب الميليشياوي الحوثي و قوات الرئيس المخلوع صالح على السلطات الشرعية برئاسة هادي و سيطرتهم على مؤسسات الدولة اليمنية في 21 سبتمبر الأسود 2014م، و المسلوبة بغيرة تدخل التحالف العربي لدعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات الذي أطلق عاصفة الحزم العسكرية في 26 مارس 2015م، وأعقبها بـ عاصفة الأمل في مايو من نفس العام الا أنه لا أمل عاد لاشباع بطون و أمعاء ألاف الأسر اليمنية.
خلال الأسبوعين الماضيين، تراجعت قيمة العملة الوطنية اليمنية الى أدنى مستوى في تاريخها أمام الدولار، و تجاوز سعر صرف الدولار الواحد عتبة 600 ريال، وارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل جنوني؛ رغم إعلان السعودية مطلع هذا العام منح الحكومة اليمنية وديعة مالية ب2 مليار دولار لدعم البنك المركزي في الحفاظ على استقرار قيمة الريال أمام العملات الصعبة، و لكن رغم ذلك لم يتوقف انهياره؛ فما هي الأسباب التي استجدت لتدفع الاقتصاد اليمني نحو قاع هاوية الانهيار.
إن هذا الانهيار الذي يعيشه ما تبقى من شبه اقتصاد الدولة اليمنية المتبقي تحت سيطرة السلطات الشرعية ليس وليد الصدفة، بل هو الأبن الشرعي للانقلاب الحوثي لا ينكر ذلك الا مختل عقليا، و لكن للسياسات الخاطئة للتحالف العربي يد طولى في هذا الانهيار بما يقوم به على الواقع من مخططات مشبوهة و هو ما نسعى لعرضه هنا بسرد موجز لأهم تلك الأخطاء، ومن أبرزها:
تعامل التحالف العربي بعدم مسؤولية و عدم تخطيط في دعم الشرعية في معركتها الرئيسية إسقاط الانقلاب و استعادة مؤسسات الدولة و تفعيلها، و حرف مساره نحو تنفيذ أجندة خاصة بمشاريع السلطات السعودية والإماراتية فبدأ بوضع العراقيل والعقبات السياسية و الاقتصادية و العسكرية في طريق الشرعية لتعقيد مجمل الأوضاع داخل معسكرها لاستنزاف قوتها و مكوناتها السياسية و امكاناتها الاقتصادية و تعطل كل مساعيها لتفعيل مؤسساتها و تطبيع الأوضاع في المناطق المحررة و كل ذلك من أجل فرض أجندته الخاصة و تنفيذها على الأرض.
لقد ارتكبت السعودية و الامارات أخطاء سياسية جسيمة بحق الشرعية اليمنية ما أدى الى انعكاسها بآثار كارثية على الأوضاع السياسية و الاقتصادية اليمنية و تهدد بقاء كينونة الدولة اليمنية بحسب تقارير الأمم المتحدة.
و تتجلى أكبر أخطاء التحالف السياسية بما تقوم بها الامارات من تنفيذ أجندة تقوض السلطات الشرعية، و تمنع تفعيل مؤسساتها و معالجة الأوضاع الاقتصادية، وهي تشكيل قوات عسكرية وأجهزة أمنية خارج إطار سلطة الشرعية ومؤسسات الدولة اليمنية الدستورية في المحافظات الجنوبية، و دعم تكوين كيانات سياسية انفصالية، و سيطرتها على أهم المنشآت الايرادية الحيوية للاقتصاد اليمني من الموانئ و المطارات و المنافذ البرية و حقول النفط والغاز وهي أهم شرايين إمدادات خزانة الدولة اليمنية بالعملات الصعبة.
إن الفوضى الأمنية في المناطق المحررة مصنوعة على عين الامارات و مرأى السعودية، وكل ذلك لمنع تطبيع الأوضاع و عودة النشاط الاقتصادي والحركة التجارية الى تلك المدن لما سيترتب عليه من استفادة الشرعية سياسيا بتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي واقتصاديا في تخفيف معاناة المواطن اليمني ما سيقوي موقفها تجاه كل تدخلات انتهاك سيادتها.
و لم يقف التحالف عند هذا الحد من الانتهاكات للسيادة اليمنية و تقويض سلطتها، بل اتخذ إجراءات حظر على استيراد عدد من السلع، و يمارس عراقيل ضد التجار ورجال الاعمال باحتجاز حاويات بضائعهم لأشهر داخل أرصفة ميناء عدن دون أي مبرر قانوني و هو ما يؤثر على السوق اليمنية بخلق أزمات خانقة في بعض السلع ما يؤدي الى ارتفاع الأسعار.
ويشير الواقع الى اساهم التحالف في اطالة عمر الانقلاب الحوثي بالاستفادة من العوائد المالية الجمركية الكبيرة لميناء الحديدة التي تغطي 70./. من احتياجات السوق اليمنية،، وذلك بما مارسه التحالف من افشال للسلطات الشرعية من تشغيل و ادارة ميناء عدن منذ عامين من تحريرها،و كان بإمكان الشرعية تحويل كل النشاط الملاحي لخطوط التجارية المتجهة الى الحديدة الى عدن لو لا منع التحالف وهو ما كان سيوفر لها ملايين الدولارات، و سيحرم الانقلابيين منها، لكن أجندة التحالف ارتأت أن لا تسمح بذلك و لو على حساب الشرعية و لقمة عيش اليمنيين.
إن ما قامت به الأمارات أضعف السلطات الشرعية وخلط أوراقها و جردها من الموارد الاقتصادية الحيوية لتفعيل مؤسساتها و توفير احتياجات المواطن الأساسية و الخدمية، و استكمال معركة اسقاط الانقلاب الحوثي.
كما أن السلطات السعودية كان لها نصيب في صناعة معاناة اليمنيين وايصالهم الى الانهيار الاقتصادي، فقد اتخذت إجراءات قاسية ضد المغتربين اليمنيين على أراضيها رغم ادراكها أن هؤلاء المغتربين هم أهم رافد اقتصادي للأسر اليمني في ظل الحرب، وغياب مؤسسات الدولة و قطع الانقلابيين لرواتب الموظفين، و عدم قدرة الشرعية على مواجهة تبعات عودتهم الى الوطن لما يتطلبه من إجراءات سياسية اقتصادية فوق قدرات الشرعية لتخفيف الأعباء عن كاهل أسرهم.
وكان بإمكان المملكة استثنائهم من إجراءاتها الاخيرة في فرض رسوم اضافة على المقيمين لكن كالعادة يتخذ الأشقاء في التحالف العربي وخاصة السعودية والإمارات كل الإجراءات الكفيلة بتعقيد الأوضاع الاقتصادية على اليمنيين وزيادة معاناتهم الانسانية و ارباك سلطتهم الشرعية على الأرض بالكثير من المعارك على كل الصعد.
فمتى سيدرك التحالف العربي أن سياساته الخاطئة في اليمن هي أكبر أسباب عدم حسم معركة اسقاط الانقلاب الميليشياوي الحوثي و ما انتجه من انهيار اقتصادي يعيشه اليمنيين اليوم، بل و أن سياساته الخاطئة توشك أن تقضي على فرصة تاريخية لليمنيين باستعادة جمهوريتهم الموحدة بهوية وطنية عابرة للمذهبية و الأقليات الدينية.
إن مخاطر أخطأ التحالف السياسية قاتلة و لن تقف عند حدود المملكة الجنوبية بل ستعم المملكة و الامارات وكل دول الخليج و ستتجاوزها الى كل أقطارنا العربية فمعركتنا قومية مصيرية في مواجهة مشروع الامبراطورية الفارسية الجديدة و مخطط القوى الدولية لاعادة تقسيم عالمنا العربي الى دويلات طائفية واثنية تذوب فيها الهوية العربية الاسلامية الجامعة من الخليج شرقا الى سواحل موريتانيا غربا.
كما لا يمكن تجاهل السبب الرئيسي لهذه الانهيار وهو الانقلاب الحوثي رأس كل مصائب ونكبات وكوارث اليمن.
فمنذ أربع سنوات من عمر الانقلاب و اليمنيون يعيشون أوضاع اقتصادية سيئة زادت حدتها يوما تلوى أخرى في ظل همجية ممارسات وإجراءات الانقلابيين من نهب 4 مليار و 800 مليون دولار هي احتياطي البنك المركزي اليمني، و سطوهم على ميزانية رواتب الموظفين و كل مقدرات الدولة الاقتصادية، و استيلائهم على مؤسساتها الايرادية، وفرضهم جبايات جمركية وضريبية على التجار، و سيطرتهم على سوق النفط و الصرافة و خلق سوق سوداء، كل هذا عطل مؤسسات الدولة و جمد النشاط الاقتصادي للبلاد و أدى الى إفلاس قطاع كبير من الشركات و المشاريع التجارية والصناعية المتوسطة و الصغيرة.
و هو ما زاد من تدهور الأوضاع الاقتصادية و المعيشية لليمنيين، ووضع أكثر من ثلثهم على شفا المجاعة كما أكدته تقارير الأمم المتحدة.