القوات الاماراتية تغادر أخر مواقعهم في العاصمة المؤقتة عدن جنوب اليمن بحسب ما أعلنت الخارجية الاماراتية في تغريدة لها على حسابها في تويتر أمس الأول، و بعد تسليم مهامها للقوات السعودية، التي وصلت دفعات جديدة من أفرادها قبل أيام الى ميناء المدينة على متن سفينة كبيرة، فما حقيقة هذا الإنسحاب و حقيقة تلك القوات عددا و تسليحا و مهاما.!!؟
على أرض الواقع سحبت الامارات منظومتها الدفاعية "باتريوت" التي كانت تنصب منصاتها في محافظة مأرب شرق اليمن و في العاصمة المؤقتة عدن في قاعدة "البريقة" مقر قيادة التحالف و في ساحل محافظة تعز في مديرية "المخاء" حيث بنت قاعدة عسكرية كبيرة تدير منها تنسيق عملياتها و عمليات القوات المشتركة للتحالف في الحديدة، و كذلك سحبت دباباتها و عرباتها المدرعة التي سلمتها أول اندلاع معارك تحرير الساحل الغربي لقوات ألوية العمالقة و المقاومة التهامية و ألوية المنطقة العسكرية الرابعة التابعة لقوات الجيش الوطني، أم قوات جيش مشاة فهي لا تملك الا القليل من الضباط و الجنود تعد بالمئات ضمن سرايا صغيرة موزعة على قواعدها العسكرية من حضرموت حتى المخاء.
لا يوجد اي مهام قتالية ميدانية لجنود و ضباط الامارات في مسرح عمليات التحالف و الجيش الوطني اليمني على امتداد جبهات القتال مع الميليشيات الانقلابية الحوثية، و انما تمارس القوات الاماراتية مهام ضمن ادارة عمليات القوات المشتركة في الساحل الغربي و تدريب قوات حراس الجمهورية و قوات الاحزمة الأمنية و النخب و إدارة أعمالها من جرائم الاغتيالات و الانتهاكات و الاختطافات التي طالت قيادة المقاومة الجنوبية و أئمة المساجد و الخطباء من مشائخ السلفية و قيادة الاصلاح في المناطق المحررة و خاصة في العاصمة المؤقتة عدن، كما تمارس مهام ادارة السجون السرية التي أنشأتها و أخفت فيها عشرات المختطفين من أبطال مقاومة الميليشيا الانقلابية الحوثية.
كشفت الكثير من معارك تحرير و تطهير المدن اليمنية من ميليشيا الحوثي الانقلابية أن دور القوات الاماراتية كان ضمن دور قوات التحالف يعتمد على ضربات الطيران الحربي فقط و التي كانت غالبا ما تصيب و تستهدف قوات الجيش الوطني اليمني؛ و تصنف بأنها ضربات خاطئة، بينما لا يوجد لها أي تأثير على الأرض سوى تأثير محدود في معارك الساحل الغربي ضمن القوات المشتركة و التي تمثل القوات السودانية أكثر قوام تلك القوات و هي من تتقدم في المعارك الى جوار قوات ألوية العمالقة و المقاومة التهامية، بينما اقتصر دور القوات الاماراتية و السعودية على ادارة تلك المعارك و الاستشارات و التدريب.
جندت الامارات 90 ألف يمني في صفوف قوات الاحزمة الأمنية في العاصمة المؤقتة "عدن " و محافظات " أبين و لحج و الضالع" و قوات النخبة في محافظتي "حضرموت و شبوة " و أكثر من 18 ألف في صفوف قوات حراس الجمهورية بقيادة طارق صالح في الساحل الغربي لمحافظتي "تعز و الحديدة" اضافة الى مئات المقاتلين من المتطرفين و المطلوبين أمنيا جندتهم ضمن كتائب أبي العباس المتمركزة في ريف تعز في اجزاء من مديريات الحجرية، تتلقى كل هذه التشكيلات العسكرية دعمها اللوجستي و القتالي من قبل الامارات و تديرها عبر ضبطها و وكلائها المحليين في المجلس الانتقالي و بقايا نظام صالح و أدواته حلفاء الميليشيات الانقلابية الحوثية الى الأمس القريب.
فأي انسحاب تعلن عنه الامارات الأن و قد زرعت كل هذه التشكيلات و الجيوش الميليشاوية خارج اطار مؤسسات الدولة و سيادة الجمهورية اليمنية، و بنزعات مناطقية و قبلية تؤسس لفترات صراع قادمة.
في مطلع أغسطس الماضي أعلنت الامارات عن سحب قواتها من اليمن و في الثامن من نفس أشهر نفذ المجلس الانتقالي الجنوبي انقلابه على السلطة الشرعية في العاصمة المؤقتة "عدن" و أتضح مشاركة القوات الاماراتية في ذلك الانقلاب بأكثر 400 ألية عسكرية بين دبابة و مدرعة و اشرف مباشر لضبطها على سير معارك ذلك التمرد الدموي الذي أدى الى مقتل و جرح ما يقارب من ألف يمني أغلبهم مدنيين و شرد مئات الأسر العدنية؛ و مكن الميليشيا من السيطرة على قصر معاشيق الرئاسي و ألوية الحماية و جميع مؤسسات الدولة و مرافقها في المدينة و نهب محتوياتها، و هو ما أكده وزير الداخلية اليمني أحمد المسيري في تسجيل مصور له و هو محاصر في قصر معاشيق بث قبيل اخراجه من قبل القوات السعودية و نقله الى الرياض آنذاك.
مع صمود الشرعية و اصرارها على اخماد الانقلاب و استعادة مؤسساتها في "عدن" و عدم استسلامها، وجهت الامارات تلك الميليشيات الانقلابية بالتمدد الى محافظتي "لحج و أبين" وصولا إلى "شبوة و سقطرى" رغم دعوة التحالف لتلك الميليشيات الانقلابية بإيقاف وقف إطلاق النار و تسليم كل المؤسسات الحكومية التي سيطرت عليها، لكنها استمرت في تمردها و زحفها تنفيذا للتوجيهات الاماراتية حتى تجبر الحكومة الشرعية على الجلوس على طاولة الحوار تحت ضغط السيطرة الميدانية لتلك الميليشيات و ضربات طيرانها الحربي لقوات الجيش الوطني اليمني على مداخل عدن في نقطة العلم و في محافظة أبين، و التي نهضت لأداء مهامها و اخماد الانقلاب، و مع تواطؤ السعودية و وساطتها قبلت الشرعية التفاوض مع الانتقالي الانقلابي، و على طاولة الحوار يفرض عليها القبول بخيارات مرة تنتهك سيادة الدولة وتعزز الميليشيات الانقلابية و نفوذ الامارات .
فما تعلن عنه الامارات من انسحاب لا يعدو عن تكتكات سياسية أثبت الواقع بأنها ضمن اجراءات اعادة التموضع لقوات التحالف ضمن سياسية تبادل الأدوار التي انتهجتها الامارات و السعودية في تمرير وفرض خياراتها على الشرعية لتنفيذ اجندتهما الخاصة البعيدة عن أهداف التحالف المعلنة، و لا يخفى أن هذا الاعلان من ضمن اجراءات الامارات التسترية لدورها الرئيسي في دعم انقلاب المجلس الانتقالي و مسؤوليتها المباشرة في تقويض سلطة الدولة و قصف جيشها و انتهاكها للسيادة الوطنية لليمن و انحراف مسار تدخلها ضمن تحالف دعم الشرعية الى نقيضه، و ليس كما يرى البعض بأنها استجابة للضغوطات السعودية المتماهية معها اصلا، او مبادرة حسن نية منها لاحلال السلام و تمكين السلطات الشرعية من اداء وجباتها و مسؤوليتها في المناطق المحررة.
ان اعلان الامارات سحب قواتها من أخر مواقعها في عدن، في هذا الظرف لا يخفي اطمئنانها من تمكنها و بمساعدة المملكة العربية السعودية من اخضاع السلطات الشرعية للاعتراف بأدواتها السياسية "المجلس الانتقالي" و ميليشياتها العسكرية " قوات الاحزمة، و النخب" ، كما يؤكد هذا الاعلان و توقيته نجاح مفوضات جدة في اعداد اتفاق يثبت شرعية سيطرة أدوات الامارات و ميليشياتها كأمر واقع على أهم مدن الجنوب و عاصمة الدولة اليمنية عدن، و بانه يضمن نفوذها و تحقيق أهم أهدافها بالسيطرة على أهم الموانئ و الجزر اليمنية و مراكز صناعة القرار السياسي للدولة بتمكين أدواتها عبر هذا الاتفاق المرتقب من مفاصل حساسة في الحكومة و المؤسسة العسكرية بدمج ميليشياتها ضمن تشكيلات الأجهزة الأمنية و قوات الجيش بحسب تسريبات عن مسودة الاتفاق.
لقد اتضحت كل تحركات الامارات فيما يتعلق باليمن قبل توقيع اتفاق الرياض المرتقب انها ضمن تكتكاتها المكشوفة للهروب الى الأمام، و وضع السعودية على رأس تنفيذ الجريمة التاريخية لها لاستكمل مخطط إنهاء أخر كيان سياسي للجمهورية اليمنية يلتف حوله اليمنيون منذ استحقاقات ثورة 11 فبراير التغيير 2011م لاستعادة روح المشروع الوطني الجمهوري لثورتي 26 سبتمبر 1962م و 14 أكتوبر 1963م، و التي لم تألو جهدا الامارات في القضاء عليها و كل التيارات السياسية و الاجتماعية المؤيدة و المنضوية تحت لوائها، و تفتح لليمن وطن و شعب متاهات صراعات جديدة تفتت كيان الدولة و القوى الوطنية و مساعيها نحو تحقيق أهداف ثورات النضالات اليمنية نحو المشروع الوطني الجمهوري الجامع لكل أبناء اليمن تحت ظل سلطة دولة العدالة و المواطنة المتساوية.