أورد الرحالة التونسي عبدالعزيز الثعالبي ، في كتابه الذي يتحدث فيه عن رحلته في اليمن ، قصة حدثت معه أثناء مروره بإحدى قرى إب ، والتي تسمى قرية مطرح السياني عام 1924م ، أي بعد تولي الإمام يحيى الحكم بسبع سنين ، وسيطرته على اليمن سيطرة تامة ،سبع سنوات كانت عجافا على اليمنيين ، ثقيلة على قلوبهم ، لم ينلهم منها إلا الفقر والمجاعة والظلم والاستبداد .
يذكر لنا فيها حديثا طويلا ، دار بينه وبين مجموعة من نسوة تلك القرية ، اللاتي شهد لهن برجاحة عقولهن ، ونور بصيرتهن ، ووعيهن التام بما يحدث حولهن ، من خلال ما تحدثن به إليه ، عما آلت إليه أوضاع البلاد ، في ظل الحكم الإمامي الظالم ، وكان مما دار بينهم من حديث ، سؤالهن عن رأيه في عودة الأتراك إلى اليمن كمنقذين ومخلِّصين ، فقال إن الأتراك لن يعودوا ، وأن على اليمنيين أن يكونوا أتراك بلادهم ، ويخلصوا أنفسَهم بأنفسِهم ، فإن لم يفعلوا ، فليس لهم مما هم فيه من خلاص .
عند هذه الجملة أتوقف مليا متسائلة ، أوليس كل ما حدث ويحدث من حولنا ، يؤكد لنا صدق مقولة الثعالبي رحمه الله ، بأن على اليمنيين أن يخلصوا أنفسهم بأنفسهم ، وأنه لا خلاص لهم مما هم فيه ، طال الأمر أو قصر ، إن لم يكونوا هم مخلّصي أنفسهم ، والمنتصرين لها من كل من تآمر عليها ، وصدق المثل إذ يقول : " ما حك جلدك ،غير ظفرك " ..
أيها اليمنيون الأحرار ، لا تنتظروا خلاصا من أحد ، فتشوا في أنفسكم ، حتما ستجدون أن النهاية والبداية بأيدينا نحن ، نهاية الظلم وبداية الحرية ، آن أوان الشعب أن يقول كلمته ، ويضع نقطة آخر سطر هذا الظلام ، ولابد للحب والصفاء ، أن يعودا إلى مجراهما في كل القلوب ، وهذه هي بذرة السلام والانتصار..
قد يقول البعض، أو حتى الكل ، أن ما أقوله هراء ، لكنه قلبي / ضميري الذي يملي علي ، ولا سلطة للمرء على قلبه ، ولا على ضميره ، إن كان صاحب ضمير ...
هل سبق لأمة على مر التاريخ ، أن كانت الريح زادها ووقودها ؟ ولم تمت ! هل سبق لمظلوم ، كان البكاء والعويل كل حيلته ، وازداد قوة ، وانتصر لنفسه و قضيته !! بالطبع لا ، وألف لا ..
لقد شاءت الأقدار أن ينبت في جسد هذا الوطن "صنفور/خراج" ، وشاء صمتنا عليه ، وعلى من هيأ له الظروف ، أن يكبر ويكبر ، وكلما حاولنا إنضاجه وفكه وتنظيف آفاته ؛ سُرق المشرط من بين أيدينا ، وسُرقت أدوات التعقيم ، لذلك مر وقت طويل على ألمِنا به ، خشية أن نلّوث الجرح ، فتفسد حياة بقية الجسد ، حتى تسرب المرض إلى بقية أعضاء الجسد ، ولازمه السهر والوجع والحمّى ، وما لم يفعله تلوث الجرح ، فعله صبرنا عليه ، وتوغله فينا أكثر وأكثر ، وعندما اعتاد الكثير منا على المرض ، مات من مات وبقي من بقي ، ثم انتقل الفزع لما حولنا ، وأصبحنا كلنا بمرضِنا نهدد حياتهم ،عندها انقسم من بقي إلى أقسام كثيرة ، وتفرقت أيادي سبأ ، وذهبت ريحهم ، وكان ضياعنا ..
البعض منا نسي داءه ،أو لنقل أجّل الالتفات إليه ، وانشغل بقضية ما حوله ، وكان ذلك اجتهادا منه ، القضية التي لم نكن لنراها أو لنسمع عنها ، لو كنا نحن اتحدنا وجففنا منبع ذلك الخراج بأنفسنا في موضعه ، فلا هو الذي حافظ على بقية الجسد المريض ، ولا هو الذي انتصر بذلك الجسد ، والبعض كان يظن نفسه بعيدا كل البعد عن أذيته ، فأغمض عينيه ومضى ، وكأن الأمر لا يعنيه ، وهكذا حتى نسينا أو تناسينا قصة" الصنفور / الخراج" بقصد أو بدون قصد ، إلى أن عمّت الكارثة ، وشملت الكل لا البعض.
حدث كل هذا ، ولا وقت للوم ولا للعتب ، ربما هي إرادة الله ، أن نتعلم أكثر ، كيف تكون المسؤولية ، كل المسؤولية ، ملقاه على عاتق كل فرد منّا ، كيف يكون الوطن أمانة في عنق كل على حدة ، لا تساهل ولا تواكل في مصير الأوطان والحرية ، وإلا كنا جميعا شركاء في الثمن ..
هل هذا كل شيء ؟ للأسف لا طبعا ، حدث ما حدث ، ودخلنا حربا أكلت الأخضر واليابس من حولنا ، كل شيء أصبح ميتا فوق الأرض وتحتها ، حتى القلوب لم تعد تنبض إلا انتظارا إما لنهاية ما / لمخلّص ما / لمعجزة ما ،وهذا كل شيء! فقط الانتظار !