لا يحتاج اليمنيون في هذه المرحة أكثر من اتحادهم حول هدف حماية دولتهم من الاستهداف الخطير والمباشر؛ الذي تتعرض له من قبل تحالف الشر السعودي الإماراتي، واستنهاض إمكانياتهم المتحررة من ظل السلطة الشرعية المسلوبة الإرادة، ومن هيمنة هذا التحالف.
فكل شيء يشير إلى التوجه الحقيقي والخطير للتدخل العسكري السعودي الإماراتي في اليمن، والذي جاء تحت غطاء تحالف قيل إنه عربي، ولقي ترحيباً شعبياً واسعاً، تأسيساً على النوايا الحسنة التي تكونت لدى اليمنيين تجاه هذا التحالف؛ الذي تبين فيما بعد أنه لم يعد يحمل أي من السمات العربية الأخوية، بعد أن تحول ما تبقى من دوله، وهي قليلة جداً، إلى مجرد شاهد زور على جرائم استهدفت - ولا تزال - حياة الإنسان اليمني وكرامته وحقه في العيش في وطنه بالحرية التي يستحقها، فضلاً عن خطرها الحقيق والمحدق بوحدة التراب الوطني.
يوم أمس الأول الجمعة؛ شهدت قرية "الهجر" مجزرة ذهب ضحيتها تسعة مواطنين أبرياء، بعد أن دفعت أبو ظبي بعناصر من النخبة الشبوانية لمهاجمة القرية بقوة كبيرة، ضمن المهام المشبوهة التي يضطلع بها هذا التشكيل شبه العسكري الذي يعمل خارج سيطرة السلطة الشرعية، ويتلقى التوجيهات والتمويل من أولاد زايد، مثله مثل بقية التشكيلات التي أنشأتها الإمارات؛ خصوصاً في المحافظات الجنوبية من اليمن.
لقد رفض الأهالي الممارسات المعهودة لهذه النخبة التي تمارس إيذاء للكرامات لا يمكن احتمالها، فاشتبكوا معها، وكانت النتيجة هذا العدد الكبير من القتلى.. وبالتأكيد، لن تكترث الإمارات بهؤلاء الضحايا، وحتى بقتلى النخبة الشبوانية أنفسهم الذين بلغ عددهم خمسة، بحسب آخر المعطيات؛ لأن كل ما تريد أبو ظبي أن تصدره من رسائل هي أنها ماضية في كسر إرادة اليمنيين وإهدار دمهم بهذا القدر من الاستهتار والوقاحة، وفي الوقت نفسه، تحاول ربط ممارسات كهذه بمكافحة الإرهاب، حتى تحصل على التغطية المناسبة من الغرب.
وفي الآن نفسه، تواصل القوات السعودية في محافظة المهرة ممارساتها العدوانية ضد أبناء المحافظة الرافضين للتواجد العسكري السعودي في محافظتهم، والمستمرون في الاحتجاجات التي دفعت بهذه القوات إلى محاولة كسر إرادتهم، عبر التضييق عليهم وممارسة الاعتداءات المباشرة عليهم، كما حصل خلال الاعتداء الأخير على الصيادين في بلحاف، شرق المحافظة، وتقديم الإسناد العسكري لهجوم نفذه خارجون على القانون على مقر السجن المركزي، وأدى إلى مقتل جنديين من قوات الأمن الخاصة.
إن اليمن يتعرض أكثر من أي وقت مضى لمحاولة استحواذ مباشرة على مقدراته من جانب السعودية والإمارات، عبر مخطط يمضي دون كلل لتفكيك اليمن وتمزيق مكوناته الاجتماعية، وتعذية الصراعات الجهوية والتباينات السياسية بين هذه المكونات، والمضي في استغلال ضعف الدولة اليمنية وارتهانها الخطير لإرادة هاتين الدولتين؛ في تحقيق أهدافهما الاحتلالية.
إن المسؤولية الوطنية تقتضي منذ الآن البدء بإعادة تجميع شتات الإرادات التي، ورغم القمع، يتسع نطاقها يوماً إثر يوم، وتحركها الممارسات الاحتلالية المستفزة. وكنت قد طرحت في برنامج ما وراء الخبر، الذي أذاعته قناة الجزيرة مساء الجمعة الماضي، فكرة تأسيس جبهة وطنية شعبية للكرامة، والتي أعتقد أن الظروف باتت مهيأة لإطلاقها لتعمل من داخل الوطن، من أجل ردع الانتهاكات والحفاظ على السيادة اليمنية.
أتطلع إلى أن ترى هيئة الكرامة طريقها إلى النور، وأن تستطيع بالفعل أن تتجسد كتشكيل وطني طوعي واسع الطيف، من القادة السياسيين والعسكريين والوجهاء والمثقفين والإعلاميين والحقوقيين، ومن مختلف التخصصات والاهتمامات، فالضرورة الوطنية القصوى تملي وجود هذه الهيئة.
ثمة أهداف ملحة أمام هيئة الكرامة الوطنية المقترحة يتصدرها هدف الدفاع عن وحدة اليمن وسلامة أراضيه، والحفاظ على ثرواته من الأطماع والتجاوزات الراهنة من قبل دول التحالف.
وتضم قائمة الأهداف أيضاً: مواجهة التحديات المحدقة بسيادة الدولة اليمنية وكرامتها الوطنية ومخططات تقسيمها إلى مناطق نفوذ إقليمية، ودعم جهود إرساء السلام والتسامح والتصالح بين الأطراف اليمنية، تأسيساً على مقررات ومخرجات الحوار الوطني، ودعم جهود بناء تحالف سياسي وطني واسع الطيف للنهوض باستحقاقات بناء السلام والإدارة الانتقالية للبلاد.
وثمة استحقاقات مرتبطة بهذه الأهداف يتعين القيام بها في إطار هيئة الكرامة الوطنية هذه، ومنها العمل على حصر وتوثيق الانتهاكات التي ارتكبت - وما تزال ترتكب - في حق المواطنين اليمنيين.
ومن هذه الاستحقاقات، رصد ومراقبة وفضح أداء السلطة الشرعية والتأكد من حدود التفويض الذي تمنحه للتحالف وأثره على سلامة الدولة اليمنية وترابها الوطني، والاصطفاف الميداني المباشر مع الحراك الوطني الحر لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى.
وتشمل قائمة الاستحقاقات الماثلة أمام الهيئة المقترحة، استخدام كل الوسائل القانونية المتاحة لمنع تنفيذ اي من المخططات التي ترمي إلى تحقيق مصالح جيوسياسية لدولة خارجية، وتؤثر بشكل مباشر على حقوق الدولة اليمنية وسيادتها على أرضها، في ظل الوضع الاستثنائي الراهن الذي لا تستطيع معه مؤسسات الدولة الدستورية وهيئاتها اعتماد الآليات الدستورية اللازمة لجعل أي من هذه المخططات قانونياً ومشروعاً.
وتشمل أيضاً إعداد قائمة العار بكل من يساهم في وقوع التجاوزات، ويساعد الممارسات الاحتلالية للتحالف.
*عن عربي21