أظهرت الحكومة اليمنية انزعاجاً مستحقاً، رداً على التجاهل المتعمد الذي مارسته وزارة الخارجية الألمانية التي نظمت مؤتمراً للحوار الاستراتيجي حول الاستقرار في اليمن؛ لمدة يوم واحد في برلين.
الحكومة الشرعية تحفظت على نتائج الاجتماع، وهو أقصى ما يمكن أن تقوم به في الوقت الذي تتعرض فيه للخذلان من شركائها في "تحالف الرياض- أبو ظبي" الذين حضروا اجتماع برلين مع بقية المؤثرين الدوليين والإقليميين في الملف اليمني.
هذا النوع من المسارات المنفصلة والمكرسة للنقاشات المغلقة حول الوضع في اليمن؛ أول ضحاياه على الأرجح سوف تكون الحكومة، وسط سعي حثيث نحو تحويل الملف اليمني إلى قضية تُعنى به الأطراف الدولية والإقليمية ذات المصالح الجوهرية في اليمن.
وكل ذلك يجري بغض النظر عما إذا كان الحل الذي تسعى هذه الأطراف إلى فرضه؛ سيؤمن استقرارا مستداماً، ويعيد إلى الدولة اليمنية حيويتها، ويحافظ على ملامحها التي أقرها اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني الشامل أم لا.
إن الرسالة السلبية التي تلقتها الحكومة من مؤتمر برلين يجب أن تفتح عينيها على الخيارات السيئة التي تنتظرها، ليس فقط من قبل اللاعبين الدوليين، ولكن أيضاً من جانب الحلفاء؛ في إطار معركة يبدو أنها لم تعد تكترث لخيارات الحكومة الشرعية ومعسكرها السياسي الذي من الواضح أنه مستهدف من جانب تحالف الرياض- أبو ظبي، أكثر من الحوثيين.
فخلال الفترة الماضية، ترسخت قناعات تتناقض مع الإجماع الدولي حول الحكومة الشرعية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب اليمني، وصاحبة الولاية على الدولة اليمنية وفقاً للقانون الدولي.
هذه القناعات تذهب إلى التقليل من شأن هذه السلطة باعتبارها حكومة منفى، وهي محصلة سيئة للغاية ونتاج السياسات الممنهجة التي اتبعتها الرياض وأبو ظبي من أجل التقليل من تأثير نفوذ هذه السلطة على الأرض، على نحو يتيح لهما التصرف بالقرار السياسي والاقتصادي والاستراتيجي لليمن، بعد أن وضعا يدهما على سمائه وبحره وأرضه بشكل مطلق.
ضخ مجلس الأمن في مستنقع الأزمة والعنف في اليمن قرارا جديداً ؛لا يبدو أنه قد نجح في تجفيف المستنقع أو إطفاء نار الحرب المشتعلة في أكثر من جبهة، بما في ذلك جبهة الحديدة التي ينصب اهتمام القرار الجديد رقم 2452، كما هو القرار رقم 2451 الذي صدر قبل نحو شهر، في تثبيت الأمن والاستقرار فيها.
ومع ذلك، لا نرى في الحديدة إلا منطقة صراع؛ يواجه المسار السياسي للحل بشأنها الإخفاقات ذاتها التي واجهت جهود الأمم المتحدة وهي تحاول أن تقارب القضايا الأساسية المؤدية إلى إنهاء الصراع في اليمن.
ينصرف الجزء الأكبر من اهتمام المجتمع الدولي نحو إنجاح اتفاق استكهولم حول الحديدة، وسط إصرار أممي على تغطية الإخفاقات الهائلة لهذا الاتفاق، والتي تهدده بالانهيار عملياً.
إذ لم يعد بالإمكان الحديث عن جولة جديدة من المفاوضات التي كان يفترض أن تعقد نهاية هذا الشهر في الكويت، بعد التعثرات التي أعاقت تنفيذ تفاهمات استوكهولم، وهذا يعني أن المجتمع الدولي، سيتشجع أكثر على شق مسار منفصل للحل، على نحو ما رأينا في برلين، حيث يتكرر خيار فرض الإرادة الدولية على طرفي الصراع؛ بعد أن يتأكد المجتمع الدولي أن ذلك يتفق مع أولويات السعودية والإمارات، أو على الأقل لا يلحق الضرر بتدخلهما العسكري في اليمن، ولا يرتب عليه نتائج سلبية قصيرة أو بعيدة المدى على هذين البلدين السيئين.
العالم لم يعد ينظر إلى الأزمة إلا بصفتها إحدى المشاكل التي تعوق قيام علاقات جيدة بين الرياض والغرب، وباعتبارها أيضاً أحد المآخذ الغربية على الرياض؛ على خلفية الخسائر البشرية والكلفة الإنسانية للحرب التي يخوضها التحالف في اليمن.
لكن أيضاً ثمة من يحرص في الغرب على إنجاز صيغة حل لا تفرط بالمكاسب السياسية والعسكرية للحوثيين، انطلاقاً من قناعات أيدولوجية تهدف إلى بقاء خطوط الانقسام السياسي والمذهبي واضحة في هذا البلد، بما يتفق مع الاستراتيجية الغربية التي سادت في عهد الإدارات الأمريكية السابقة، وقامت على أساس تمكين المنظومة الشيعية من الهيمنة في هذه المنطقة الملتهبة بالصراعات.
ومسعى كهذا بات من الوضوح بحيث يمكن إدراك أنه يهدف إلى إبقاء حالة التصادم قائمة بين طرفي المعادلة المذهبية، ومعها حالة الضعف والوهن وعدم الاستقرار وانعدام الثقة بين المكونات الأصيلة لهذه المنطقة.
*عن عربي21