مشهد وزير الخارجية خالد اليماني وهو يتوسط وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو ورئيس وزراء الكيان الصهيوني؛ أثار حفيظة اليمنيين والعرب، لأن اليمن آخر دولة يمكن أن تنجر إلى لعب دور المسوق الغبي لأحد ألد أعداء امتنا في المنطقة، لأسباب موضوعية؛ منها أنها ليست مضطرة إلى التطبيع مع الكيان الغاصب لفلسطين، ولأنها في وضع لا يؤهلها لأن تتبنى قرارات غير شعبية في لحظة حرجة وحساسة، وفي ظرف هي أضعف ما تكون فيه عن الدفاع عن نفسها ودورها ومكانتها.
لقد طغى هذا المشهد على المؤتمر الوزاري الموجه في الظاهر ضد إيران، لكنه توخى بالأساس إنهاء عهد من التعاملات السرية مع الكيان الصهيوني من قبل الأنظمة الدكتاتورية العربية، التي لطالما انحازت لخيار الارتهان للقوى الغربية، عوضاً عن تأسيس مشروعيتها الوطنية من خلال عقد اجتماعي يفترض أن ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أي بين هذه الأنظمة وشعوبها.
جرى تصميم مكان مناسب لوزير خارجية في حكومة شرعية، لطالما تعمد حلفاؤها إضعافها وتجريف دورها على الأرض، وتحويلها إلى مجرد واجهة صورية للاستخدام السياسي
لا أشك أبداً في أن بلدي استدعي بشكل مقصود ليكون أحد النماذج المثالية لمن يمكن احتسابهم ضحايا التدخلات الإيرانية في المنطقة، لهذا جرى تصميم مكان مناسب لوزير خارجية في حكومة شرعية، لطالما تعمد حلفاؤها إضعافها وتجريف دورها على الأرض، وتحويلها إلى مجرد واجهة صورية للاستخدام السياسي، كهذا الذي شاهدناه الخميس المنصرم في العاصمة البولندية وارسو.
ظهر اليمن عبر وزير الخارجية خالد اليماني شاهداً بائساً على ما رغبت أمريكا أن يفهمه العالم بشأن الدور الإيراني السيئ في المنطقة، وما أظنها قد نجحت في ذلك، بقدر ما برهنت على أنها تمارس تزويراً بمنح بلد تطحنه الحرب مكانة بروتوكولية لافتة في المنصة الرئيسية لمؤتمر وارسو.
حفل التقرير الثاني من نوعه لفريق الخبراء الدوليين التابعين لمجلس الأمن بالحقائق المرة عن الدور السيئ الذي يؤديه التحالف المدعوم من واشنطن في ساحة الحرب اليمنية
يأتي ذلك في وقت حفل فيه التقرير الثاني من نوعه لفريق الخبراء الدوليين التابعين لمجلس الأمن بالحقائق المرة عن الدور السيئ الذي يؤديه التحالف المدعوم من واشنطن في ساحة الحرب اليمنية، ويدفع من خلاله اليمن الهش إلى المزيد من الانقسام الاجتماعي والجغرافي، ويعطل كل المحاولات لاستعادة الدولة اليمنية، وهو المبرر الذي تواجدت بسببه السعودية والإمارات على رأس حلف عسكري في اليمن للقتال، بمباركة وتغطية من الأمم المتحدة من أجل استعادة هذه الدولة.
لا يختلف اثنان على سوء الدور الذي تقوم به إيران في بلدنا، فهي التي تدعم الحوثيين، وهي التي ساهمت في توجيه مسار التغيير ليتحول إلى انقلاب على الديمقراطية والحرية والتغيير في اليمن، وهي التي استساغت فكرة أن يتحول اليمن إلى ساحة لتصفية الحسابات مع عدوها الإقليمي (السعودية).
لكن في المقابل، إيران ما كان لها أن تحقق أهدافها في اليمن والمنطقة بهذه السهولة لولا غباء الأنظمة الإقليمية، وارتباطها المذل بالأجندتين الأمريكية والإسرائيلية، وردود أفعالها الغبية على الربيع العربي، الذي تحول إلى مناسبة لإظهار أسوأ وأقبح ما أخفته هذه الأنظمة عن شعوبها وشعوب المنطقة طيلة عقود من الزمن.
ما كان لها أن تحقق أهدافها في اليمن والمنطقة بهذه السهولة لولا غباء الأنظمة الإقليمية، وارتباطها المذل بالأجندتين الأمريكية والإسرائيلية
ما رأيناه في وارسو حفلة بائسة وموجهة بشكل غبي لتحسين توجه تحاول من خلاله الأنظمة المعادية للديمقراطية في منطقتنا، بأن تجعل التعاطي مع إسرائيل فعلاً نبيلاً، وتبرره المخاطر الهائلة الآتية من إيران التي تُشهر سيفها في وجه أمة بكاملها وتشيع الخراب في كل مكان.
في بلداننا العربية، ثمة إرادة وطنية حرة لا يمكن قهرها تجلت بشكل واضح إبان ثورات الربيع العربي، وهذه الإرادة هي السلاح الذي يتعين أن تشهره بلدان المنطقة في وجه المخاطر المحدقة، وليس عبر الارتهان المذل لواشنطن وتل أبيب.
ليست الصواريخ وحدها ولا الارتهان لمن يصنعونها من يوفر الحماية للسيادة، التي يبدو أنها ستبقى مخترقة ما بقي حرص هذه الأنظمة على الحكم رغم شعوبها وخارج الأجندة الوطنية؛ التي عبرها وحدها تستطيع هذه الدول أن تُحسن تعيين أهدافها، كما تحسن تعيين الأصدقاء والأعداء طبقاً لهذه الأهداف.
* نقلا عن عربي21