هكذا تتوزع حصص المتحاربين على الارض !!
السبت, 09 مارس, 2019 - 10:26 مساءً

بعد سنوات اربع من الحرب بدأت تتعين على الارض حصص القوى الرئيسة المنخرطة فيها وتموضعاتها . ففي الوقت الذي صار الحوثيون ، بعد تصفية صالح وتفكيك منظومته ، القوة العسكرية الوحيدة  الاكثر استحكاما  في الشمال" الجغرامذهبي " واطرافه القريبة التي كانت تتمدد بها مملكة الامام ، و يستميتون حتى اللحظة  للإبقاء على الحديدة رئتهم الاقتصادية في الماء، للحيلولة دون تسليمها لبقايا حليف الامس، غدا التوطين الجغرافي  البديل لحزب الاصلاح وحلفائه القبليين والعسكريين في  محافظتي مأرب والجوف القبليتين بالإضافة الى تعز هو الحالة الاكثر سطوعا ، وجاء بعد ان انحسر حضوره في الشمال وفي الجنوب بسبب هشاشة حواضنه المذهبية في الاولى و تآكل شعبيته في الثانية . لهذا لن يفرط   بمأرب ، باعتبارها العاصمة البديلة والتي صار يمارس بها سلطاته الفعلية الاقتصادية والعسكرية ،  وفي ذات الوقت لن يترك تعز بمرموزها  وثقلها السكاني، وتماسها المباشر بالجنوب وبساحل التهريب وبابه ، حيث يمكنه  منها ادارة صراعاته التكتيكية والاستراتيجية ، او استخدامها كورق للتسويات  في مواضع اخرى.
 
 المجلس الانتقالي المستولد امارتيا في الجنوب ، وبعد ان بات قوة بأذرع امنية وعسكرية واعلامية ، صار يقدم نفسه كوريث لكل قوى الحراك السلمي  مجتمعة ، ويستخدم  كل الاساليب لتعزيز نفوذه على الارض، وفي مقدمها خطاب "الكراهية القروي"  ضد كل ما هو غير جنوبي، لاستقطاب مناصريه الباحثين عن حلم استعادة الدولة، التي يتيقنون ان الشمال قام بتجريفها.
 
 اما محاولة ضخ الحياة في تكتل موالي على عبدالله صالح العسكري والسياسي  وقيام راعي الحرب الثاني " الامارات" ايضا  بفرضه كقوى على الارض ، وتمكينه من الشريط الساحلي الغربي ـ شريط التهريب التاريخي المؤسس لنظام صالح ـ  بدأت اشبه بعملية "تعمية " اخرى  لإيهام الرغبويين ان  التكتل قد صار رقما في معادلة التقاسم ، حتى وان بدا الطرف الاضعف في اضلاع المربع ، وان سُلِّمت له الحديدة وموانيها.
 
والاكثر ضعفا من بقايا مؤتمر صالح ومواليه هي  الاحزاب والقوى السياسية المدنية، التي ليس لها اذرع عسكرية، وشتتها الحرب الطويلة على متارس المتقاتلين ، ويستنفع قادتها من فتات الموائد ، تاركة لمتحزبيها ومناصريها  الهوان والحسرة ، ولا يعصمهم  وابنائهم من الجوع غير الاحتماء بجبل الهلام ، وهو الترقيم  المالي في صفوف  الجيش ، الذي يستنفع  كبار قادته الفاسدين  من قوائم الاسماء الوهمية والتعينات وبيع الذخائر والاسلحة . اما العناصر الحزبية الانتهازية الموالية لقيادة هذه الاحزاب، وذات الصوت المرتفع  فقد جرى ترتيب اوضعها الوظيفية في جسم الشرعية المترهل لإسكاتها.
 
الاستخلاصات المؤسسة على افتراضات قرائية صرفة لحالات الموضعة  في خريطة التقاسم تذهب في الاصل الى القول ان الحوثيين صاروا اكثر تعينا كقوى مذهبية صرفة، يعيدون  الافادة من الخبرة الطويلة للإدارة وحواضنها وكادرها المتمرس في مدينة مثل صنعاء ، ذات الكتلة السكانية المتنوعة الاكبر  ـ التي تقوت على حساب المدن الاخرى طيلة اربعة عقود ـ لتقديم انفسهم كسلطة قوية منسجمة امنياً قياسا  على الانفلات البائن في المناطق التي تسيطر عليها  الاطراف المحسوبة على الشرعية والمجلس ، ومنها  يجتبون اكبر نسبة من الموارد السيادية  والاتاوات  التي لا يعاد انفاقها الا في اطار برنامج الجماعة الحربي، ومستنفعات النافذين.
 
 عملت  السعودية منذ البداية على عدم سقوط محافظة مهمة كمارب  بيد الحوثيين ، بمساعدة قوية من حلفائها التاريخيين "القوى الدينية والقبلية والعسكر الموالون" بعد ان غدا التجريف البشع يطال كل المواضع في الجغرافيا ,فصارت بعد مارب بعد عامين  هي الحاضنة الجديدة للقوى التقليدية التي عادت للتكتل فيها ، وفيها صنعوا عاصمتهم الجديدة  ومركز الحكومة  الثالثة في البلاد بعد حكومتي صنعاء ومعاشيق.
 
تُحتكر مأرب من  قبل حزب الاصلاح وحلفائه، وفيها كتلة نقدية وازنة، تنمو من التحكم بتجارة المشتقات النفطية وايراد قطاعات الخدمات ، التي نشأت على تلبية حاجات المدينة التي تتوسع  بإفراط ، وبها اكبر مخزون  عسكري " جنود وآليات" ، وتدار بسلوك ميلشاوي بذات عقلية الحوثيين  واساليبهم.
 
شعار الظلامة المكرور الذي يلعب عليه المجلس الانتقالي تحول الى حالة ابتزاز دائم لحكومة هادي الغارقة في الفساد، و صارت المُمالة   والمحسوبية واحدة من آلية الادارة البليدة فيها . فالمحسوبين على الجنوب والمجلس في الحكومة ومؤسساتها ومرافقها ، هم اكثر بكثير من غيرهم، وانتفاعهم من الموارد والجبايات ، وكذا استفادة مدن الجنوب من ممارسة الحكومة لنشاطها فيها  شيء لا يمكن القفز عليه او تجاهله، ومع ذلك يصر المجلس على  لعب دور التابع   لمشروع القوى الثانية في التحالف التي استنبتته ، ويتبنى مواقفها وقناعاتها ، لهذا لا غرابة  ان يصف رئيس المجلس الاحتلال التاريخي البريطاني للجنوب  بانه كان نوعاً من الشراكة التاريخية.
 
*مقال خاص بالموقع بوست.
 

التعليقات