عاد نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية في الحكومة الشرعية، أحمد الميسري، ليوجه الأنظار مجدداً إلى الأزمة الناشبة بين الحكومة والتحالف العسكري السعودي الإماراتي، بعد فترة من الهدوء المتوتر؛ في إطار علاقة هي الأكثر غرابة في تاريخ التحالفات التي تتشكل في ظل تهديدات حقيقية تستهدف الأطراف المتحالفة جميعها دون استثناء.
الميسري هو ثالث أهم مسؤول في مجلس الوزراء، وبقي في عدن طيلة الفترة الماضية، في ظل علاقة متوترة مع الأطراف الجنوبية المدعومة من الإمارات، والتي تعمل على تقويض نفوذ السلطة الشرعية بشكل ممنهج ومستمر، وإسناد كامل من أبو ظبي.
الوزير الميسري الذي كان يتحدث أمس السبت في احتفال أقامته وزارة الداخلية في العاصمة المؤقتة، عدن، بمناسبة أسبوع المرور العربي، ذكَّرَ التحالف بأن المعركة ضد الانقلابيين تقتضي الزحف باتجاه الشمال وليس باتجاه الشرق، وهي إشارة إلى التوغل الإماراتي في المحافظات الشرقية عبر التشكيلات العسكرية التي تنشئها من خارج السلطة الشرعية، وضداً على نفوذ الشرعية في المحافظات الواقعة شرق البلاد.
لكن إشارة كهذه ربما تشمل فيما تشمل هذه المرة؛ التواجد السعودي في محافظة المهرة، الذي يُقابل منذ أكثر من عام ونصف برفض شامل من جانب أبناء المحافظة، وبخذلان واضح من جانب السلطة الشرعية.
ومن أهم ما جاء في الكلمة السياسية بامتياز؛ أنه على الرغم من إقرار الوزير بضعف الدولة التي يدعمها التحالف، فإنه دافع عن وجود هذه الدولة، وطالب التحالف بضرورة تصحيح المسار المعوج وتمكين السلطة الشرعية من القيام بواجبها في المناطق المحررة. وبنبرة تحدٍ، خاطب الميسري من أسماهم "الأشقاء في التحالف" بالقول: "إن هناك رجالا في الدولة لديهم الجرأة لأن يقولوا لهم (التحالف) إن السير معوج، وأنه لم يستقم الحال".
يمثل الميسري أحد الرجال البارزين الذين يخدمون خط الرئيس المنفي في الرياض، عبد ربه منصور هادي. وسبق له أن تبنى مواقف تصعيدية قبل أكثر من عام ضد الإمارات، لكن أبو ظبي دعته لزيارتها لتبدأ صفحة جديدة من التفاهم؛ الذي لم يرتكز على أي تغير حقيقي أو جوهري في سلوك الإمارات تجاه السلطة الشرعية، وتجاه العبث المستمر في مقدرات الدولة اليمنية وسيادتها وكرامة مواطنيها.
يشعر الرئيس هادي بأن الإمارات ذهبت بعيداً في فرض مشروعها السياسي؛ الذي يقوم على التمكين السياسي والميداني للجناح الموالي لها في المؤتمر الشعبي العام، وامتداداته في الحزب الخاضع للحوثيين في العاصمة صنعاء، وتهيئته ليؤدي دوراً مستقبلياً في يمن ما بعد الحرب، ضمن تصور يقوم على إعادة إنتاج الأحادية السياسية التي أنتجت في معظم العهد الجمهوري في اليمن؛ نظماً شمولية وأوتوقراطية فاسدة.
فبعد أيام فقط على نجاح السعودية في استعادة مجلس النواب من الانقلابيين، في خطوة لم تلق ارتياحاً من جانب الإمارات، أوعزت هذه الأخيرة للقيادات المؤتمرية في صنعاء بحسم موضوع خلافة صالح في رئاسة الحزب وحسم المناصب القيادة فيه، وهي خطوة اقتضت عقد دورة عادية هي الأولى من نوعها خلال أكثر من خمسة أعوام، للجنة الدائمة للمؤتمر، والتي انتخبت خلالها قيادة جديدة، من أبرز أعضائها أحمد علي عبد الله صالح المتواجد في الإمارات، ونجل المخلوع صالح الذي قتله الحوثيون في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر2017.
وقد أثارت هذه الخطوة استغراب المراقبين الذين لم يسمعوا أي تعليق من أحمد علي بشأن انتخابه من قبل المكون المؤتمري المناهض لـ"العدوان السعودي الإماراتي"، لكنهم سمعوا وقرأوا ما يكفي من التعليقات الصادرة عن قيادات وناشطين من جناح أبو ظبي في المؤتمر الشعبي العام، والذين باركوا مخرجات اجتماع اللجنة الدائمة المنعقد تحت النفوذ السياسي والعسكري للحوثيين.
هذا يعني أن التحضير جار على قدم وساق من جانب أبو ظبي لتمرير صيغة حل مستقبلية؛ تتسم بالعدائية حيال خيار الشعب اليمني المرتكز على الدولة الاتحادية متعددة الأقاليم، وهو أمر يدعو إلى القلق بالنسبة للرئيس هادي، الذي وإن كان قد سمح طيلة الفترة الماضية بالنيل من شركائه في معسكر الشرعية، إلا أنه هذه المرة، وفي كل مرة، يبدي حساسية تجاه أية ترتيبات تستهدف دوره والمهمة التاريخية التي يخطط لإنجازها دون أي جهد حقيقي، وبلا مهارات قيادية تفرضها مرحلة بهذا القدر من الأهمية والحساسية.
وثمة دافع لهذا التصعيد في الخطاب الذي عبر عنه الوزير أحمد الميسري، ويتمثل في التراجع العسكري لقوات الشرعية في شمال محافظة الضالع، والتي أوصلت الحوثيين إلى الحدود المفترضة للدولة الانفصالية التي تتباها قيادة تعمل ضمن الخط الإماراتي بقرب ولادتها، وهو تطور يرتبط بنظر المراقبين أيضاً بمخطط تضييق الخناق على المقاتلين غير المرغوب فيهم من جانب الإمارات في هذه الجبهات، على نحو يسمح بملء هذه الجبهات بمقاتلين من الانفصاليين؛ وبقايا جيش المخلوع صالح الذي يتولى قيادته نجل شقيقه طارق صالح.
* عن عربي21