كتب أحمد حمروش في كتابه "عبدالناصر والعرب" أن المبعوث الأممي لليمن إبان حرب الجمهورية في الستينات (رالف بانش) عندما وصل "مطار" صنعاء: قال للضباط المصريين: هل ألقيتم هنا قنبلة نووية؟
كان مذهولاً من مشاهد البؤس التي رآها عند وصوله صنعاء، ولم يكن يصدق ما يراه من مشاهد تقع خارج مسار الحضارة الإنسانية، وكأن ما حدث كان حرباً نووية قضت على كل معالم الحياة.
لم يترك أئمة بيت حميد الدين من دلائل الحياة في المدينة، وكل البلد، شيئاً، ولذلك قال بانش، في موضع آخر: لقد كنت شاهداً على جرائم الاستعمار في الكونغو، ولكني أتمنى لو كان هذا البلد قد حصل على قليل من الاستعمار!
كان بانش مسؤولاً في لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، ولكنه رأى في اليمن جريمة أبشع من كل الجرائم التي خلفها المستعمرون، وفي الكونغو كانت واحدة من تلك الجرائم التي لا يمكن نسيانها (قتل ملك بلجيكا نحو 15 مليون كونغولي)، إلا أن جريمة الإمامة كانت أسوأ، من حيث أنها لم تكتف بقتل الإنسان، بل جعلته عدماً مسلوب الكرامة، ويعيش خارج مسار الحضارة البشرية.
ولهذا لم تكن ثورة 26 سبتمبر 62 مجرد ثورة لتغيير النظام، أو خطوة عادية لتحقيق رفاهية الشعب، بل كانت واحدة من أعظم ثورات التاريخ، كان هدفها الأول هو استعادة الكرامة الإنسانية لشعب كامل، والاعتذار للحضارة البشرية عن كل الإهانات التي ألحقها بها نظام الأئمة المغرق في التخلف والوحشية.
على مدى خمسة عقود من عمر الثورة كان اليمنيون قد تناسوا ذلك العهد، إلا أن ما يفعله الحوثيون الآن يعد تذكيراً مناسباً بتلك الحقبة السوداء.
إنها ذات الفكرة الشيطانية.. فكرة احتقار الإنسان، وعزل اليمن عن العالم.
----
كان حمروش عضو تنظيم الضباط الأحرار المصريين وقد شارك في حرب اليمن