المسلمون يمثلون 23? من إجمالي سكان العالم ولهذا السبب يعدون من أسرع الاقتصاديات نمواً، اللاعبون من كل قطاع من قطاعات الصناعة؛ من الشركات متعددة الجنسيات الضخمة وصولاً إلى الشركات الصغيرة والشركات الناشئة الجديدة، جميعهم متحمسون للاستفادة من هذا السوق الضخم والمتنامي. توسعت صناعة الحلال الآن إلى ما وراء قطاع الأغذية لتشمل المستحضرات الصيدلانية ومستحضرات التجميل ومنتجات الرعاية الصحية ومستلزمات النظافة والأجهزة الطبية بالإضافة إلى مكونات قطاع الخدمات مثل الخدمات اللوجستية والتسويق والإعلام المطبوع والإلكتروني والتعبئة والعلامات التجارية والتمويل.
مع الزيادة في عدد المسلمين الأثرياء في السنوات الأخيرة، تطورت صناعة الحلال لتشمل نمط الحياة بما في ذلك الموضة والسفر الحلال وخدمات الضيافة. وقد نشأ هذا التطور من خلال التغيير في عقلية المستهلكين المسلمين وكذلك اتجاهات المستهلكين الأخلاقية في جميع أنحاء العالم.
كما أن سوق الحلال لا يقتصر على المسلمين فقط. لقد نالت هذه السوق قبولًا متزايدًا بين المستهلكين غير المسلمين. ستستمر زيادة شعبية المنتجات الحلال المعتمدة والطلب عليها بين المسلمين والمستهلكين من غير المسلمين على حد سواء ، حيث يبحث المزيد والمزيد عن المنتجات الغذائية والمستهلكة التي ليست آمنة وعالية الجودة فحسب ، ولكن أيضًا مسؤولة أخلاقياً واجتماعياً .
على عكس الاعتقاد الشائع فإن صناعات الأدوية الحلال آخذة في الازدهار؛ في 2014 كانت سوق الأدوية الحلال تقترب من34 مليار دولار، تأتي دول مثل تركيا وروسيا وفرنسا على رأس قائمة الأسواق العشرة الأولى التي تشتري الأدوية الحلال.
يوجد أكثر من 300مصنع للمكونات الدوائية الحلال و322 مصنعاً لمكونات مستحضرات التجميل الحلال حول العالم، قدر تقرير طومسون رويترز 2016/2017 إنفاق المسلمين على المستحضرات الصيدلانية بمبلغ 78 مليار دولار في عام 2015 ، أي 7 في المائة من الإنفاق العالمي.
هذا هو نمو بنسبة 4.2 في المئة عن العام السابق، وهو أقل قليلا من معدل نمو السوق العالمية البالغ 5.3 في المئة. من المتوقع أن يصل إنفاق المسلمين على المستحضرات الصيدلانية إلى 132 مليار دولار بحلول عام 2021، وهو معدل نمو سنوي مركب قدره 9 في المائة عن عام 2015 في 2012 تم افتتاح أول صيدلية في مدينة سيدني الأسترالية لبيع الأدوية الحلال، وفي 2014 أقرت إندونيسيا قانوناً لضمان معايير الحلال في جميع المنتجات الغذائية والمشروبات والأدوية ومستحضرات التجميل والمنتجات الكيماوية والبيولوجية ، والمنتجات المهندسة وراثيا.
الفيتامينات والمكملات الغذائية الخالية من لحم الخنزير والكحول، هي المنتجات الأكثر تداولاً تحت مسمى الأدوية الحلال.
كثيرة هي المنتجات الحلال في السوق التجارية العالمية، فإضافة إلى الغذاء والأدوية ومستحضرات التجميل، هناك النسيج الحلال والسياحة الحلال، والأخيرة تمثل قيمة سوقية كبيرة، مقارنة بغيرها.
في 2017 أعلن رئيس هيئة الغذاء والدواء السعودية عن نية حكومته إنشاء مركز عالمي لمنتجات الأغذية الحلال، وذلك ضمن أجندة رؤية 2030، وقبل أشهر وجه الملك السعودي أمراً عاجلاً بصفته رئيساً للوزراء، بسرعة إنشاء مركز الحلال. ومن تصفح الموقع الالكتروني لمركز الحلال العالمي الذي يتخذ من مدينة الدمام السعودية مقراً له، يتضح حجم الطموح الاقتصادي الذي تعوله رؤية 2030 على صناعات الحلال، وفي بداية نوفمبر كشفت المملكة الغنية أخيراً عن منظومتها الوطنية للتعامل مع المنتجات الحلال.
المبادرة السعودية دفعت الأتراك بعدها بأشهر للإعلان عن إنشاء وكالة حكومية لمنح شهادات رسمية للمنتجات، وذلك للحاق بإندونيسيا والسعودية في سوق الحلال العالمية.
هذا الاهتمام السعودي المفاجئ جاء بعد سنوات طويلة من تنامي تجارة المنتجات الحلال، وتحولها إلى قيمة سوقية تنافسية، بين دول إقليمية على رأسها تركيا وإيران والإمارات العربية المتحدة، وربما أثارت السطوة التركية على سوق منتجات وخدمات الحلال حفيظة المسؤولين السعوديين، في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين تنافساً محموماً على النفوذ في المنطقة.
فمثلاً في نوفمبر 2017 اعتمد البرلمان التركي مشروع قرار لإنشاء هيئة حكومية مستقلة –سابقاً كانت مهام الهيئة الجديدة ضمن هيئة حكومية أخرى-لتصنيف المنتجات الحلال! وفي 2019 تقدمت تركيا إلى المركز الثالث متجاوزة السعودية والإمارات في قائمة الدول الإسلامية الأفضل في الخدمات السياحية الحلال!
في بداية أكتوبر من هذا العام نظمت السعودية معرضاً عالمياً للمنتجات والخدمات الحلال، وعلى ما يبدو فإن هذا المعرض لم يحقق النتائج المتوقعة، في وقت تشهد فيه بعض دول المنطقة المنافسة في هذا القطاع الهام تنظيم أنشطة ناجحة.
من الواضح أن هناك منافسة اقتصادية محتدمة بين السعودية وتركيا في قطاعات كثيرة، بما فيها قطاع المنتجات والخدمات الحلال، الذي ترى السعودية أنه مرتبط بها جذرياً بسبب مكانتها الدينية بالنسبة للعالم الإسلامي.
ورغم الأهمية الكبيرة التي تحتلها سوق الأدوية الحلال في السوق العالمية، إلا أن إعلان رجل الدين اليمني عبد المجيد الزنداني –المشهور بأطروحاته الغريبة عن الطب الإسلامي- قبل أيام عن نيته المشاركة في مؤتمر سيقام في تركيا مخصص للأدوية الحلال، لفت انتباه الرأي العام في اليمن إلى هذا القطاع الاقتصادي المنافس عالمياً.
والملفت كذلك في الفعاليات التركية المخصصة لمنتجات وخدمات الحلال، أنها تحظى بمشاركة رسمية من أعلى المستويات، بما فيها رئيس الجمهورية التركي، مما يدل على عزم الحكومة التركية السيطرة على سوق الحلال في المنطقة، كما أن تركيا تكثف منذ سنوات طويلة من إقامة هذه الفعاليات، التي تؤسس على ما يبدو لسيطرة تركية مستقبلية على هذا القطاع الاقتصادي الواعد، الذي تنافسها فيه دول أسيوية مثل اليابان وماليزيا وسنغافورة وتايلند وروسيا بجمهورياتها الإسلامية.
وقد كان إعلان الزنداني فرصة مناسبة –على ما يبدو- لوسائل إعلام سعودية للنيل من الفعالية التركية، بشكل غير مباشر، من خلال السخرية من الطب الحلال والحكومة التركية، التي تنظم فعاليات من هذا النوع المثير للسخرية –كما يبدو من تعليقات جمهور موجه في وسائل التواصل الاجتماعي-
ومن المثير للاهتمام أن دولة مثل اليابان تنشط منذ سنوات في إقامة المؤتمرات العلمية والتجارية الخاصة بالمنتجات الحلال بما فيها الدوائية والطبية، ملتحقة بدول رائدة في هذا المجال مثل ماليزيا وإندونيسيا وتايلند وسنغافورة ودول الخليج العربي، ورغم الشكوك الكبيرة التي تحوم حول أهلية رجل الدين اليمني عبد المجيد الزنداني وعائلته للحديث في الأمور الطبية، عدا عن مشاركتهم في مؤتمر علمي بطابع تجاري، إلا أن السجال الكبير الذي شهدته وسائل التواصل الاجتماعي بسبب إعلانه ونجله عن مشاركتهم في المؤتمر المخصص للطب الحلال -بمشاركة من مغردين سعوديين وإماراتيين-يعكس منافسة محمومة بين السعودية وتركيا على قطاع منتجات وخدمات الحلال في المنطقة.
ومما يؤكد ذلك أن القناة الإخبارية السعودية (العربية) حرصت على استضافة شخصيات وإعادة نشر تغريدات جمعتها من وسائل التواصل الاجتماعي، تسخر من "الطب الحلال" رغم أنه سوق اقتصادي ضخم في كثير من دول العالم، وتتبناه السعودية تحديداً، ضمن رؤية ولي العهد السعودي 2030!!
بطريقة ما تحول المجال العام في اليمن إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الدول الرئيسية المتنافسة على النفوذ في المنطقة، فيما يبقى جمهور هذه الدول بعيداً تماماً عن أي صراع حقيقي، كالذي يحدث في اليمن وبأيدي اليمنيين نيابة عن أنظمة هذه الدول التي تمول ولو معنوياً شبكات واسعة من محرفي الحقائق وتجريف الوعي العام.
*المقال خاص بالموقع بوست