الطب الحلال في المسيحية المعاصرة
الجمعة, 06 ديسمبر, 2019 - 07:14 مساءً

قد يبدو رفض الخدمة الطبية على أسس دينية شيئاً من الماضي في القرن الواحد والعشرين، حيث يتطور العلم كل يوم، وتتداخل الثقافات فيما بينها عابرة للحدود والحواجز بطريقة يستطيع من خلالها شاب يعيش في أقصى جنوب الكرة الأرضية أن يتفاعل مع حدث يقام في غرب الكرة الأرضية بسهولة ويسر وفي نفس اللحظة باستخدام تقنيات لا حصر لها للاتصال.
 
باعتبارها الدولة الأقوى في العالم، والأكثر انفتاحاً وتعبيراً عن قيم الحداثة والتقدم والتطور، تحتضن الولايات الأمريكية المتحدة مزيجاً من المجتمعات المتناقضة التي لا نسمع عنها كثيراً، والمدهش أن هذه المجتمعات المنظمة الكبيرة والمميزة إيديولوجيا تعتبر في سلوكها العام والخاص نقيضاً لسلوك المجال العام في بلد مثل أمريكا، بل إنها تكاد تكون جماعات لا تتناسب عقليتها مع المجتمعات الأشد فقراً وتخلفاً في أفريقيا أو الشرق الأوسط.
 
الخدمات الطبية في جميع أشكالها حول العالم هي نتيجة منطقية لتطور العلم وزيادة حاجة البشرية إلى حلول عاجلة ومستدامة لمشكلاتها الطبية، وبالتأكيد فإن القيود الدينية على تقديم الخدمات الطبية كما نعرفها جميعاً يتلخص معظمها في أمور الصحة الإنجابية على الأقل في الديانات المسيحية والإسلامية واليهودية.
 
شهود يهوه: واحدة من أكثر الجماعات المسيحية، التي ارتبط اسمها بقيود دينية غريبة على الخدمات الطبية التي أثبت العلم سلامتها وأهميتها.
 
أسس تشارلز تاز راسل شهود يهوه في عام 1872 ، على الرغم من أنهم لم يعرفوا رسميًا بهذا الاسم حتى عام 1931. إلا أن شهود يهوه يعتبرون أنفسهم مسيحيين ويعتقدون أن يسوع المسيح ابن الله، ولكن ليس بمعنى أن يكون متساوي مع الله أو واحد مع الله، أي أنه ليس جزءاً من الثالوث!
 
يعتبر شهود يهوه أن دينهم هو استعادة للمسيحية الأصلية في القرن الأول. إنهم يعتقدون أن العهدين القديم والجديد للكتاب المقدس مستوحى من الله. لكنهم لا يستخدمون رمز الصليب لأنهم يعتقدون أنه من أصل وثني.
 
يشكل أتباع هذه الطائفة ما نسبته حوالي 3% من سكان الولايات المتحدة، وهم من بين أكثر الجماعات الدينية تنوعًا عرقيًا وإثنيًا في أمريكا؛ 36 ? من البيض ، و 32 ? من أصل إسباني ، و 27 ? من السود ، و 6 ? من العرق أو العرق المختلط.
 
معظم شهود يهوه -حوالي ثلثيهم65 ? هم من النساء، بينما 35 ? فقط من الرجال. من المرجح أن يكون المسيحيون في جميع أنحاء العالم من النساء أكثر من الرجال، ولكن هذه الفجوة بين الجنسين كبيرة بشكل خاص في سياق الجماعات المسيحية الأمريكية. على سبيل المثال، 54 ? من الكاثوليك في الولايات المتحدة هم من النساء.
 
بالمقارنة مع الجماعات الدينية الأمريكية الأخرى، فإن شهود يهوه يميلون إلى أن يكونوا أقل تعليماً؛ فالغالبية العظمى من شهود يهوه البالغين 63 ? ليس لديهم أكثر من شهادة الدراسة الثانوية، مقارن، على سبيل المثال، مع 43 ? من البروتستانت الإنجيليين و 37 ? من البروتستانت الرئيسيين.
 
قيودهم الدينية
  يعتبرون حياة الإنسان أمراً مقدساً لا يجوز التفريط فيه. يتجنبون المجازفة غير الضرورية بحياتهم. يتجنبون ممارسة أنواع الرياضة العنيفة. الإجهاض بنظرهم ممارسة خاطئة. قتل الحيوانات من أجل الرياضة ممارسة خاطئة. يتجنب شهود يهوه الأمومة البديلة وأي إجراءات تنطوي على استخدام الحيوانات المنوية أو البيض أو الأجنة المتبرع بها. يتجنبون أكل لحوم الحيوانات التي لم تنزف دمها بشكل سليم. الشاهد عندهم يجب ألا يكون قد أدين اجتماعياً بشرب الخمر أو السرقة أو الكذب. في الأمور الجنسية يرفضون العادة السرية والجنس خارج الزواج بما في ذلك الجنس الفموي والمداعبة، والجنس غير الطبيعي ضمن العلاقة الزوجية، المثلية.  يرفضون تعاطي التنبل والتدخين والمسكرات. يعتقدون أن جميع الأجناس والأعراق متساوية أمام الله.  
الأخلاقيات الطبية عند شهود يهود

يرفض شهود يهوه نقل الدم، بما في ذلك عمليات نقل الدم الذاتي التي يخزن فيها شخص دمه ليتم استخدامه لاحقًا في إجراء طبي لاحق، ويشمل الرفض استخدام كرات الدم الحمراء المعبأة.
 
بهذا الامتناع اضطر المتخصصون الطبيون إلى البحث عن بدائل لمعالجة المرضى بعيداً عن عمليات نقل الدم، ولاحقاً أصبح مجال الطب غير الدموي أكثر حضوراً وتأثيراً، ومع ذلك، فإن الطب غير الدموي يتطلب أكثر من مهارة جراحية. إنه يعتمد على عدد لا يحصى من الاحتياطات الصغيرة والتقنيات المخلوطة المنقذة للدم والتي تبدأ جيدًا قبل الجراحة.
  قلة من أتباع هذه الطائفة يرفضون أن يتم فحصهم من قبل أطباء من جنس آخر، فالمرأة لا تريد إلا فحصاً من قبل امرأة وكذلك الرجل. عمليات التبرع بالأعضاء مسألة اختيار شخصي. يعتقدون أن الإنهاء الاختياري للحمل (الإجهاض) إنهاء متعمد للحياة البشرية. عمليات الإخصاب وتحديد النسل عبر استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة هي ممارسات تندرج ضمن الزنا!  
تقدم المستشفيات الأمريكية والبريطانية وغيرها من مستشفيات الدول التي ينتشر فيها أتباع هذه الطائفة خدماتها الطبية وفق المعايير التي تتلاءم مع القيود الدينية لأتباع هذه الطائفة.
 
رغم أن البعض يرى أن القيود الدينية على الممارسات الطبية ستحول دون تقدم البشرية وتطورها إلا أن مواكبة المهنة الطبية لهذه القيود والعمل من أجل استيعابها جعلها عاملاً ساعد في تطور الطب وزيادة حالات الجراحات التي لا تعتمد على نقل الدم حول العالم.
 
الخلاصة أن المعتقدات الدينية مهما كانت غير منطقية وتتعارض مع تطور العلم واحتياجات البشرية، إلا أن العلم والتطور أقوى منها، ولذلك تطورت مهارات الجراحين فيما يخص القيود الدينية عند شهود يهوه، مع بقاء هذه المعتقدات راسخة في قلوب أتباع هذه الطائفة، وتمتعهم بخدمات صحية مثالية.
 
لو كانت العقلية الغربية تفكر بالطريقة التي تفكر بها العقلية العربية لكانت أولاً وقبل كل شيء قامت باستحقار هذه المعتقدات واستصدار القوانين والتشريعات التي تجرم التمسك بها ومنح الأطباء حق إجراء التدخل الجراحي المناسب بعيداً عن معتقد المريض، ولنشأت بالتأكيد جماعات إيديولوجية مناهضة لمعتقدات شهود يهوه بطريقة مبتذلة.
 
العلم وقبل ذلك الإنسان هو أقوى بكثير من هذه القيود الدينية على مظاهر الحياة المختلفة، والعلم يتطور، ومهارات الإنسان تتطور كذلك، والمحصلة النهائية أن المعتقدات تبقى والعلم يتجاوزها ويحصل صاحب المعتقد على الرعاية التي سيحصل عليها غيره من البشر الذين لا يعتقدون بحرمة نقل الدم!
               
 
 

التعليقات